;

أوراق من ذكرياتي ..الحلقة «17» 956

2009-02-15 05:42:08

أمل لم يتحقق

في بداية الزيارة بلغنا بأننا سنقابل الرئيس جمال عبدالناصر، وسعدنا بهذا الخبر، لأن الرئيس عبدالناصر هو صانع السياسة اليمنية المصرية وصاحب القرار، وسعدنا أيضاً أنه سيكون بجانبه المشير عدبالحكيم عامر، والسيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة المسؤول السياسي عن الوضع في اليمن، لأن دوره كبير وصاحب رؤية سياسية إيجابية، ربما غيري يرى غير ذلك، وأنا أسجل التاريخ كما شاهدته وعرفته بأن المرحوم أنور السادات كان مع اليمن واليمنيين، وهو الذي أقنع الرئيس جمال عبدالناصر بخروج القوات المصرية إلى اليمن، لقد استطاع بحنكته وتأثيره في الرئيس عبدالناصر أن يدعم اليمن بقوات عسكرية تدافع عن الثورة والجمهورية، وهذا الموقف يسجل في تاريخه، والقرار هو قرار سيادي من عبدالناصر دونما شك، ثم كان الخبر أنه سيتم مقابلة المشير عامر وحده، والرئيس عبدالناصر يعتذر.

وبعد أسبوع أصبحنا في موقف سياسي خطير ومهم، وحرصاً على عدم تصدع الصف الجمهوري كانت كل هذه الاعتبارات واردة في أذهاننا.

وذهبنا إلى القيادة المشتركة في الماظة وتوجهنا إلى قاعة الاجتماع، وفجأة بلغوا الوفد بأن المقابلة سوف تكون مع السيد شمس بدران وزير الحربية المصري حينها، وحينما عرفنا الخبر صعقنا لأن سمعة الشخص لدينا غير طيبة، ولم يكن صاحب قرار، ولم يكن مطلعاً على قضية اليمن سياسياً وعسكرياً بالمعنى الحقيقي، فهو رجل عسكري وسياسي على مستوى مصر، لكن اليمن تحتاج خبيراً، والخبراء الكبار هم المشير عامر، وأنور السادات، والرئيس عبدالناصر. والوفد اليمني مكون من نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء القائد العام الفريق حسن العمري وأعضاء المجلس الجمهوري عبدالسلام صبرة، والقاضي عبدالرحمن الإرياني، والأستاذ أحمد محمد نعمان، وعلمنا أن عدم مقابلة هؤلاء المصريين الكبار كان غضاً من قيمة مستوانا الرسمي، ولما كنا جميعاً من أصحاب القامات الكبيرة فقد تأثرنا لهذا الموقف الذي لم نتوقع، وبعد التشاور بين أعضاء الوفد تم الاتفاق على انسحاب الفريق حسن العمري وأعضاء المجلس الجمهوري الثلاثة، على أن يترأس الوفد الدكتور حسن مكي وزير الخارجية مقابل وزير الحربية، لأن مفهوم السيادة والندية كانت سائدة بيننا، وربما كنا مبالغين فيها، ولم نأخذ في الحُسبان أننا دولة في حالة حرب، ولدينا دولة أخرى تتعاون معنا في صنع القرار العسكري السياسي وإدارة السياسة الخارجية والدفاع عن الثورة، هذه الاعتبارات كانت غائبة عن أذهاننا، وبحسن نية اعتبرناها غير ندية، لذلك قلنا: فليكن حسن مكي وزير الخارجية رئيساً للوفد.

غادرنا القيادة السياسية ممثلة بالأخ الفريق حسن العمري والقاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ أحمد محمد نعمان والقاضي عبدالسلام صبرة أعضاء المجلس الجمهوري، بعدها وصل السيد شمس بدران وقد أبلغه المرافقون لنا بأن رئيس الوفد وزملاءه انسحبوا، وأن الوفد يرأسه وزير الخارجية الدكتور حسن مكي.

وثقتنا في أنفسنا بأننا نمثل دولة ووفداً رسمياً جاء لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر ونائبه المشير عبدالحكيم عامر وأخبار الإذاعات والصحف تتحدث عن هذا المستوى الرفيع للوفد حينها، دخل السيد شمس بدران وهو منفعل، وبدأ يتكلم بلغة فيها نوع من الغطرسة، وكنا نحن مثل الطلبة في محاضرة وهو على المنصة يتحدث معنا، ويتكلم بلغة التعالي والقسوة، ونحن في حالة نفسية سيئة وحالة توتر وإحباط لعدم حضور الرئيس أو المشير.

كنا نبحث عمن يخفف عنا فجاء من يصطدم معنا ويرفع شحنة التوتر، فما كان من الأخ علي سيف الخولاني رئيس الأركان والمعروف بشجاعته الأدبية إلا أن قال له: لو سمحت وطلب الكلام، ورفع يده يتكلم، فقال له شمس بدران:"انت جئت تسمع وبس اقعد". هذا الكلام كهرب الجو ورفع درجة الانفعال لدينا فانسحبنا من ذلك الاجتماع فوراً، وتركنا شمس بدران على المنصة، وعدنا إلى الفندق.

هذا اللقاء الحربي المؤسف كان يوم 16آب/أغسطس 1966م بعد أسبوع كامل من وصولنا إلى القاهرة من الجمعة إلى الجمعة وعدنا إلى الفندق وقلنا : انفرط العقد بيننا وبين الإخوة في القيادة المصرية وربما يهملوننا في القاهرة.

إذن ما الحل؟

كنا نتوقع الإهمال لا الاعتقال ، لم يخطر ببالنا أننا سوف نعتقل، توقعنا أن المشير السلال سيظل يمارس السلطة كما مارسها العمري وأعضاء المجلس الجمهوري وهو في القاهرة، وسوف يكون علينا ما كان على المشير السلال هذا أقصى ما فكرنا فيه.

ولحاجتنا طلب الفريق العمري قرضا ًمن التاجر صالح حسين جحيش رحمه الله، وكان مسؤولاً عن استيراد الملابس العسكرية للقوات المسلحة، وكان شخصاً متفاعلاً معنا، وليس له ناقة ولا جمل في هذا الموضوع ، وكان المبلغ حوالي خمسة آلاف جنيه مصري، أعطى كل واحد منا 200 جنيه، وكان هذا كل ما نملكه، مئتا جنيه مصري، فذهبنا مجموعات واستأجرنا شققاً نسكنها، متوقعين أننا سنهمل في القاهرة لبعض الوقت.

وفي اليوم نفسه غادرنا الفندق ومن دون تعليمات، واتخذنا قراراً انفعالياً بعد أن تكلم معنا شمس بدران بتلكم القسوة، وعاملنا على نحو لا يجوز أن يعامل به مسؤول في وزارة دولة كبيرة مع مسؤولين في دولة شقيقة محتاجة إلى المساعدة والنصح والتوفيق بين الإخوة المختلفين في وجهات النظر لمصلحة بلدهم، فانصرفنا على هذا الأساس. وتوجه الفريق حسن العمري إلى منزله والقاضي عبد الرحمن لديه سكن، والأستاذ نعمان كان عنده شقة، واستأجرنا نحن شققاً مفروشة وكنت مع المرحوم إبراهيم الحمدي، ومحمد الإرياني، وحسين شرف، أربعة في شقة في الدقي قريبة من السفارة اليمنية كما هي العادة عند اليمنيين.

وفي مساء اليوم نفسه فوجئنا بعملية الاعتقالات،وكنا أول المعتقلين مع المرحوم إبراهيم الحمدي والدكتور حسن مكي والأخ علي سيف الخولاني وأحمد عبده سعيد رحمه الله تعالى.

إلى المعتقل!

دعيت بكل احترام وقالوا لي : ثمة مقابلة لك وللأخ إبراهيم الحمدي، واعتقلنا من الشقة التي كنا فيها، واعتقلوا حسن مكي وأحمد عبده سعيد من شقة أخرى في الوقت نفسه، وعلي سيف أخذوه من شقته في مكان آخر. . وفي الطريق إلى المخابرات العسكرية قالوا لنا: ثمّة مقابلة لكي يستفسروا منا عن بعض الأمور. . في تلك اللحظة شعرنا أننا معتقلون، ترافقنا سيارتا مخابرات، سيارة وراءنا وسيارة كنا فيها، وفي راديو السيارة ونحن في الطريق سمعنا أغنية "للصبر حدود" لأم كلثوم، قلنا: "للصبر حدود، ياهم صبروا علينا يا نحن صبرنا عليهم" ووصلنا إلى مباحث الشرطة العسكرية في عابدين وأدخلونا زنزانة، غرفة مغلقة مقفولة فيها أسرة بلا فرش والبطانيات ملآنة "كتن". بعدها شاهدنا أحمد عبده سعيد وحسن مكي، وإذا نحن الأربعة في غرفة واحدة،. . وفي اليوم التالي شرّفنا العميد علي الربيدي نائب وزير الداخلية الله يرحمه بظرافته وبخفة دمه

قلنا له: ما الذي جاء بك؟ قال: "أتضامن معكم، أنا حريص أن أكون معكم، وهذا موقف وطني" رجل كان يتمتع بروح وطنية عالية - الله يرحمه. . مكثنا ثلاثة أيام في مباحث الشرطة العسكرية ننام على أسرة مع بطانيات عسكرية ملآنة بالكتن، وكانوا يعطونا الأكل نتغدّى ونخرج إلى دورة المياه، ونعود الأربعة إلى غرفة الحجز المؤقتة، معاملة سيئة للغاية، كان يمر علينا ضابط برتبة رائد،والأخ علي الربيدي برتبة عميد، وكان الضابط متغطرساً كما هي طبيعة السجانين، لابد أن يكون قاسياً،وخلال الحديث انفعل الأخ علي الربيدي، هذه من "نكته الظريفة مع السيرة المحزنة" تكلم إليه قال له: "عيب عليك يا أخي لا تتكلم معنا بهذا الأسلوب، أنا عميد أنا نائب وزير وأنت رائد فقط ! أنا أكبر منك أنا عميد" قال له: " اقعد أنت مسجون"!

وضحكنا بسخرية على هذا الرد. . مكثنا ثلاثة أيام، ثم نقلنا إلى مكان آخر في فيلا في الهرم مخصصة لحجز كبار المسؤولين.

في بداية الاعتقالات يكون التوقيف في المباحث العسكرية، وفيها نوع من الإجراء الحاسم والتوجيهات لديهم بأننا معادون للنظام ومعادون لمصر، طبعاً هذا التوجيه يدخل في ذهن العسكري والضابط بسهولة تلقين العسكري لكي ينفذه، فكانوا يعاملوننا بقسوة بلا جرح ولا إساءة. لكن يغلق عليك طوال اليوم في الزنزانة، وتخرج إلى الحمام وقت الصلاة وتعود إلى الزنزانة، فالسجن كان تحفظياً " في هذه المرحلة".

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد