عبد الصمد القليسي
ترددت كثيرا في الرد على المقال الذي كتبه الأخ عبد الفتاح البتول في صحيفة أخبار اليوم عدد ( 1617 ) تعقيبا على زاويتي الأسبوعية في صحيفة 26 سبتمبر " كلمة وعشر " بمناسبة احتفال إيران بالمناسبة الثلاثين لإعلان الجمهورية. وسبب ترددي أنني لم أجد فيما كتب سطرا واحدا يكذب حرفا مما كتبت؛ وإنما تفسيرا أهوج لمقاصد وأهداف الموضوع.
وقبل الدخول في التعليق على ما كتب أرى من المناسب أن أضع أمام القارئ الكريم المقطع الذي اتكئ عليه في مقالي ليطلق لنفسه عنان التخريف:
" واليوم وقد أصبحت إيران الثورة حقيقة يستحيل تجاهلها؛ فإنها لم تبد أي نزوع عدواني ضد جيرانها بل على العكس. أما الجزر الإماراتية الثلاث التي تُطرح كعائق يحول دون علاقات طبيعية بينها وبين مجلس التعاون الخليجي؛ فإن نظام الشاه هو الذي استولى عليها؛ ولم يكن هناك أي حرج عليه. وهي باقية بيد النظام الجمهوري الإسلامي. فذلك ضمان وحيد وأكيد كيلا تتحول إلى قواعد لحلف الناتو يضع فوهة بندقيته على رأس طهران. ".
وقد وصف الموضوع بأنه مقالا ناريا وثوريا ومنقطع النظير في حماسته ثم أعقبه بالقول" " أنني أعطيت ما لا أملك لمن لا يستحق " وللتوضيح فإن هذه العبارة هي التي ضمنها الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر في خطابه إلى الرئيس الأمريكي جون كنيدي واصفاً بها تسليم بريطانيا فلسطين للعصابات الصهيونية. فهل أنا صاحب القرار في الكونجرس الأمريكي لكي أمنح الأراضي أو أقسمها أو أمنعها عن أي كان؟ ويمضي الأخ عبد الفتاح في تخاريفه إلى أنني بما قلت قد أبحت لإيران الاستيلاء على البحرين. وأريد أن أسأل الأخ عبد الفتاح هل الخلاف على الجزر الثلاث هو الخلاف الوحيد على الحدود البرية والبحرية في المنطقة أم أن هذه واحدة منها؟ وكيف يتم التعامل بين الأشقاء والجيران لحل مثل هذه الخلافات؟ وما لم يكن الأخ البتول قد فقد الذاكرة فإن العرب بمالهم ورجالهم وسلاحهم قد ذهبوا لمشاركة العراق في حربه على إيران تحت شعار حماية البوابة الشرقية للوطن العربي من رياح الثورة الإيرانية. لكن منطوق كلامه يدل على رضائه التام عن ذلك. وهو يرى خلافا لما يعرفه العالم كافة حكومات وشعوبا بأن إيران هي التي تحتل العراق وليس الولايات المتحدة وحلفائها. وهو حتى لا يفرق بين التأثير المتبادل بين دولتين متجاورتين تربطهما الجغرافيا والتاريخ والعقيدة كتأثير المملكة الشقيقة على بلادنا مثلاً؛ وبين الاحتلال!
وباختصار فإن ما أراد الأخ البتول بمقاله: هو أن يستعدي ضدي الصحيفة التي أكتب فيها ربما من قبل أن يعرف الكتابة. ويريد أن يقول أنه أكثر حرصا مني على أراضي وثروات العرب ومصالحهم. ثم أنه باستغرابه السماح لي بكتابة المقال في صحيفة الجيش أراد أن يستعدي قيادة الجيش والدولة ضد الصحيفة وإدارتها. أما قوله أنني بسطر واحد أريد أن أدمر العلاقات اليمنية والإماراتية من أجل عيون طهران! وليس إلا مقاله من يدمر العلاقات ويثير الفتن. إنه يريد ببلاهة أن يقول أنه أكثر مني ومن إدارة الصحيفة حرصا وفهما في شئون السياسة الخارجية. حيث يعتبر أن كلامي لا يتفق مع سياسة بلادنا الخارجية. ثم يقول أنه يحتاج لمعرفة المعالم الأساسية للسياسة الخارجية لبلادنا! ويبدو أنه مصاب بحول سياسي يمنعه من إدراك الحكمة والمرونة وبعد النظر في سياسة بلادنا الخارجية، بما في ذلك تعاملها مع ملف التمرد في صعدة؛ وعلاقة هذا الأمر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكأنه لا يرى أن دول مجلس التعاون كلها تعمل جاهدة لخلق علاقات طبيعية مع جارتها إيران، برغم الضغوط الأمريكية القوية عليها. فهل تتبرع بلادنا بمعاداتها إرضاء لمذهبيين في بلادنا لا يقلون في تعصبهم عن الطرف المقابل؟ ومجاراة للصهاينة الذين يتمنوا أن يغمضوا أعينهم ويفتحونها فلا يجدوا أثراً لإيران الثورة.
وختاماً فإنني أتمنى أن ينال الأخ عبد الفتاح الحظ الأوفر من هدية القمح التي تكرم بها الأشقاء على بلادنا، كما أتمنى على صحيفة "أخبار اليوم" الموقرة أن تميز الفارق الدقيق بين حرية التعبير وحرية التخريف.