عبدالمجيد السامعي
ورد مفهوم الأخوة في كتاب الله في أربع صور: هي أخوة الإيمان قال تعالى: "إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".
والرابط هنا هو الإيمان وهو أكمل صور الإخوة وأدومها وأحبها إلى الله ورسوله وقد ابتدأت الآية الكريمة ب إنما" وهي أداة للحصر مشابهة لقوله تعالى: "إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد" حيث حصرت الآية الوحدانية لله سبحانه وتعالى، وكذلك حصرت الآية الأولى أخوة الإيمان وقصرتها على المؤمنين، وقد عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم تخصيصاً بقوله المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه.
الصورة الثانية هي أخوة النسب قال تعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم"، ويدل السياق السابق في هذه الآية الكريمة بكل وضوح أن المقصود في الأخوة المذكورة أخوة النسب حيث اقترنت بذكر الآباء والأبناء فلزم ذكر الأخوة في مجال تقديم حب الله ورسوله على مودة الآباء والأبناء والأشقاء.
ومن ظن أن المقصود بهم الأخوة مجازاً فقد استثنى الأشقاء ومجال التضحية هنا يقضي بتقديم حب الله ورسوله على الأعز والأغلى من الأشقاء قبل بقية الأخوان والأصدقاء على أن الأخوان الآخرين والأصدقاء مشمولون في العشيرة وجوباً، فلا حاجة إلى التكرار.
يقول ابن كثير: إن هذه الآية نزلت في أبي عبيدة ابن الجراح حين قتل أباه في غزوة بدر، وفي أبي بكر الصديق حين أراد قتل ابنه عبدالرحمن، وفي مصعب ابن عمير حين قتل أخاه عبيد ابن عمير.
وهذا يؤكد أن الأخ المذكور في الآية هو أخ النسب، وقد ورد ذكر هذه الأخوة أيضاً في آية أخرى هي قوله تعالى في قصة هابيل وقابيل حكاية عن هابيل "قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين" فسماه أخاه على ما بينهما من خلاف كبير يشبه الفرق بين الكفر والإيمان الذي ذكر في الآية الكريمة، فهذه الأخوة يجوز أن يتخاطب بها المؤمن والكافر حيث كان النسب هو الرابط بينهما.
الموضوع الثالث أو الصورة الثالثة: هي أخوة العشيرة والقبيلة قال تعالى: "وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله".
وقال تعالى: "واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف".
والرابط هنا هو رابط العشيرة وهي أشبه شيء برابط النسب فلا يصح أن تتعدى إلى غيرها بغير رابطة،وقد تقلصت هذه الصورة ولعلنا نجد مثلاً على ذلك في الغساسنة وهم نصارى العرب فإن أسلم أحدهم جاز لنا أن نقول له يا أخ غسان، وهذا قياس على ما ورد في الآية الكريمة، أما قياس رابطة المبادئ والمثل على رابطة العشيرة فلا يصح حيث لا وجه من وجوه الشبه بين الأنساب والإيمان ودواعيه.
الصورة الرابعة: هي أخوة الكفر والنفاق قال تعالى: "ألم ترى إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب".
والرابط فيها هو رابطة الكفر.
ما نريد أن نخلص إليه هو أن البشر جميعهم إخوة.
وعلينا ردم الهوات والفوارق لنخلق مجتمعاً مدنياً ينسجم مع مقتضيات العصر والزمان.
فالجميع يعبدون الله وطالبنا القران بالإيمان بالكتب السماوية.