العودة إلى صنعاء
بعد تلك الأحداث المؤسفة والمؤلمة التي حدثت في الحديدة عدنا إلى صنعاء، وبدأت مرحلة جديدة عُين فيها المرحوم الرازحي رئيس أركان وعُينت نائباً لرئيس الأركان للشؤون المالية والإدارية، وعُيّن الأخ العقيد علي سيف الخولاني نائباً لرئيس الأركان لشؤون العمليات والقائد العام كان الفريق حسن العمري، وقد تم هذا التعيين في ظروف صعبة، إذ كان المطلوب منا أن نواجه الأعداء ونطهر المناطق التي ما زالت فيها ملكية متمردة، ونعمل على إيقاف التطرف والقفز على السلطة من الحركيين، وذلك بعد الموقف القوي الذي واجهتهم به الدولة في الحديدة، فانتهت عملية الفوضى، وبدأت القيادة السياسية برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني والفريق حسن العمري والشيخ محمد علي عثمان تعيد النظر في وضع القيادة العسكرية، فأقصي عبد الرقيب عبدالوهاب وظلّ قائداً لسلاح الصاعقة،وعين سلام الرازحي خلفاً له، وبدأنا مرحلة جديدة لمراجعة أوضاعنا داخل القوات المسلحة.
واجهنا صعوبة في البداية بسبب وضع الوحدات وبعض القيادات التي كانت لا تحترم قيادتها من الحركيين، ومنهم محمد صالح فرحان قائد سلاح المشاة وعلي مثنى جبران قائد سلاح المدفعية، وعبدالرقيب عبدالوهاب قائد الصاعقة،وحمود ناجي قائد المظلات،وصالح الشقيري من لواء النصر، ووجدنا التعاون من القيادات التي تحترم الدولة والنظام،وهم محمد عبدالخالق قائد المدرعات،ومحمد الخاوي قائد قصر السلاح، وحمود بيدر مدير الكلية الحربية، وطاهر الشهاري قائد اللواء العاشر،والمقدم إبراهيم الحمدي قائد الاحتياط العام والمقدم علي أبو لحوم قائد العاصفة وجميع قادة الألوية والأسلحة والإدارات العسكرية، الموالين للدولة ورئاستها والقيادة العامة ضباطهم وأفراد تلك الوحدات، منقسمين في الولاء مع أن سياسة القيادة العسكرية الجديدة تؤكد عدم التدخل في العمل السياسي والسيادي للدولة بصرامة طبقاً للقوانين العسكرية.
بناء القوات المسلحة
واجهت هيئة الأركان الجديدة متاعب جمة وصعبة وتحديات من القيادات التي لا تؤمن بالولاء للوطن في إعادة بناء وتطوير القوات المسلحة طبقاً للأنظمة والقوانين المتبعة في جيوش العالم، وأصبحت الحكومة تؤدي واجباتها ومسؤولياتها في إدارة البلاد وبناء المؤسسات وتوسيع علاقاتها الخارجية، ونحن علينا أن نؤدي واجبنا في بناء القوات المسلحة ومواجهة ما تبقى من المناطق الخارجية على النظام الجمهوري في أكثر من مكان، كانت صعدة تحت سيطرة الملكيين وحجة محاصرة، وواجبنا أن ننهي ما تبقى من أوكار الملكيين،والحكومة تعمل بكل الوسائل لكي تعترف بنا الدول التي لم تعترف بالنظام الجمهوري.. أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والسعودية والأردن وإيران، وغيرها، وفي الوقت نفسه نواجه الملكيين ونرفض التطرف اليساري، لأننا عرب منتمون إلى الأمة العربية ومنتمون إلى الأمة الإسلامية، لكن الحوار كان عقيماً مع الإخوان المتطرفين الحزبيين، وكنا نكرر الاجتماعات بالإخوان الحركيين في المظلات والصاعقة لمناقشة الأوضاع العسكرية والسياسية والأمنية ونحاول تعديل مواقفهم، ومع ذلك ظلوا على مواقفهم لا يعقلون ولا يفكرون، همهم إضعاف الدولة! والاستيلاء على السلطة،هذا توثيق تاريخي لما حدث في تلك المرحلة المؤلمة والمؤسفة التي أضاعت قدراتنا وشتت جهودنا ونحن ندور في حلقة مفرغة، مما أدى إلى تفجير أحداث آب/ أغسطس المؤسفة وهي نتيجة لكل الخلافات والمواقف السابقة، بداية من محاولة الاستيلاء على البنادق التي استولوا عليها من منزل المشير عبدالله السلال يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967م وهي بداية مؤسفة وموقف غير أخلاقي حينما يتعرض منزل قائد الثورة إلى نهب محتوياته من جنود المظلات والصاعقة.
هذه المآسي التي نذكرها اليوم، ونأسف لها، حدثت في تلك الفترة وبداية التصرف الفوضوي ليلة اليوم المذكور، وكذلك ما تعرض له الإخوة المصريون في صنعاء من قتل من جنود المظلات والصاعقة في أحداث 6 تشرين الأول / أكتوبر 1967م وحرصت على ذكرها على الرغم من أنها إساءة بالغة للجيش المصري وسمعة سيئة للجيش اليمني من تصرفات غوغائية من أولئك الجهلة.
أحداث آب /أغسطس1967م
إن البدايات التي ذكرتها من ليلة 5 تشرين الثاني / نوفمبر 1967 وأحداث 6 تشرين الأول / أكتوبر بالاعتداء على الجنود المصريين هي البداية والنواة لأحداث آب / أغسطس،والحديث عن هذه الواقعة مؤلم جداً ، لأنه أضر بمصلحة الوطن وسمعته، في ذلك اليوم الحزين وصلت إلينا معلومات بأن قوات المظلات والصاعقة قد اتخذت موقفاً برفض أوامر القائد العام الفريق حسن العمري، وبدؤوا بالتحرش في الطرقات ببعض الضباط والأفراد من وحدات القوات المسلحة، وكذلك بالقادة ضباط الثورة المتوجهين إلى القيادة لأداء واجباتهم.
وكان قد صدر توجيه القائد العام بإعداد قوة تتحرك للقيام بعملية عسكرية لفك الحصار عن حجة.. حينها رفض المتمردون أوامر القائد العام، بل كانوا متمترسين في وحداتهم وفي معسكراتهم، وحينما علم القائد العام بذلك اجتمع بالقادة الضباط الذين اعتدي عليهم وهم متجهون إلى عملهم، وبمن اعتدى عليهم من قبل أفراد المظلات والصاعقة من سكان صنعاء، بالإساءة إليهم وبنهب محلاتهم وتخويفهم وقطع أرزاقهم، فكان القرار ضرورة مواجهة هذا الأمر بحزم وبقوة، وتم إعداد الوحدات العسكرية الملتزمة بالقانون وتوزيعها في الأماكن المهمة في القيادة والقصر الجمهوري والمطار الجنوبي والشمالي، وحدث تبادل إطلاق النار وحدث الاشتباك المؤسف يومي 23و24آب/ أغسطس 1967م.
ونتيجة للحوادث التي افتعلوها ورفضهم للأوامر العسكرية، صدر قرار القائد العام بتغيير محمد صالح فرحان من سلاح المشاة وعلي مثنى جبران من المدفعية، وحصل تمرد فانضمت إليهم وحدات الصاعقة والمظلات، وأثاروا الفوضى وخوّفوا الآمنين في عاصمة البلاد.
إن قوة المظلات، والصاعقة، ومدرسة المشاة وقيادة سلاح المدفعية.. هي الوحدات التي شاركت في التمرد وأخلّت بالأمن ضد الدولة والقوات المسلحة والشعب اليمني الذي وقف ضد المتمردين والخارجين على النظام والقانون.
كانت هذه الأحداث فردية بعد أن أطلق المتمردون النار على سيارة مدرعات في شارع علي عبدالمغني فيها مجموعة من الضباط والأفراد متجهة لأداء الواجب.
وأعقبتها حوادث وتمرد على القرارات التي أصدرها القائد العام للقوات المسلحة بتغيير علي مثنى جبران ومحمد صالح فرحان الرافضين للأوامر العسكرية والمخلين بالأمن والاستقرار. فاستهدفوا سلاح المدرعات والعرضي ورئاسة الأركان وقيادة القوات المسلحة.. ومدرسة المدرعات بضرب عشوائي في كل اتجاه، وفي اليوم نفسه حاول الملكيون استغلال الوضع حينما شاهدوا إطلاق النار بين الجيش المتقاتل داخل صنعاء فقاموا بمحاولة احتلال بعض المواقع فتحولت كل الأسلحة ضدهم،وهذا دليل على أن العسكري والضابط في كل الوحدات دافعا عن الثورة والجمهورية منضبطين عدا المغامرين من القادة في سلاح المظلات والصاعقة والمدفعية، أما الجيش اليمني بعقيدته وإيمانه بالثورة والجمهورية، فكان في مواجهة الملكيين ولم يكن ذلك الموقف الموحد حدثاً عابراً، وليس قراراً من قائد المظلات أو قيادة الصاعقة وإنما هو قرار الضابط الصغير والجندي المقاتل الذي فرض عليهم بأن يحولوا أسحلتهم نحو مواقع الملكيين.
إن الإيمان بقضية الثورة والنظام الجمهوري والثورة الخالدة وسلامة الوطن هي القضية الأساسية، وليس لدى المتمردين قضية وطنية وإنما همهم الاستيلاء على السلطة والدليل أن صنعاء عاصمة الدولة تواجه العدوان وهم يوجهون أسلحتهم إلى زملائهم في القوات المسلحة.