عصام المطري
كان أبقراط أبو الطب اليوناني الأصل لا يعلم التلاميذ أسرار المهنة حتى يأخذ منهم القسم واليمين المتعلقة بذلك الأمر ولعلها هي يمين "أبقراط" التي يقسمها المتخرجون من كليات الطب ولكن بعد التخرج إذ كانت اليمين تنص على ما يلي: "أن يستوي في المعالجة لديهم الفقير والغني على حدٍ سواء وأن لا يصفوا عقاراً قاتلاً وأن لا ينزلوا الأجنة هكذا هي يمين "أبقراط.
لقد دخل الطب عالم الاستثمار وهو دخول غير موفق حول الطب من رسالة إلى جباية في ظل تعاظم الطلبات المالية من المريض ورفع أسعار الكشف والمعاينة حتى تبلغ في إحدى العيادات مبلغاً مالياً محدداً بثلاثة آلاف ريال على المريض الواحد الأمر الذي يكلف المريض مزيداً من المعاناة فضلاً عن الدواء وأسعاره المرتفعة حيث يصف الطبيب نوعاً كثيراً من العلاج ويأمر بشراء العلاج من الصيدلية المجاورة ناهيك عن أسعار الفحص والكشف بالكشافات والمجاهر حيث تبلغ أسعاراً خيالية ينوء بحملها المريض المتعب الروح والجيب.
إن المرضى الفقراء لا يستطيعون علاج أنفسهم لأنهم لا يملكون ثمن المعاينة وثمن الفحوصات الطبية والكشف ناهيك عن ثمن الدواء، فيمرضون وربما يموتون دون أن يعلم بهم أحد وقد تحولت الأعمال الطبية إلى جباية النقود من دون التفكير أن مهنة الطب رسالة قبل كل شيء، فالمنافع والمطالب الغير مشروعة والاحتياجات من الكماليات دفعت بنخبة من الأطباء إلى المغالاة بأثمان المعاينة والفحوصات الطبية وهو الأمر الذي خلف يأساً منقطع النظير في أوساط المرضى في الجمهورية اليمنية على وجه البسيطة.
هذا فضلاً عن أن خدمات المستشفيات الحكومية لم تعد بأحسن حال، فالمستشفى لا يقدم لك الشرنقة ولا الشاش لمجارحة الذين قاموا بإجراء عمليات جراحية، فدوره يقتصر على المعالجة وإجراء العمليات، فعليك أنت لوازم العملية من عطب وشاش وخيوط للجراحة وإبر وما إلى ذلك، فالمستشفى الحكومي لا يقدم أي خدمات مجانية ناهيك عن أن المستشفى يطلب ثمن إجراء العملية مقدماً وإذا لم يتوافر المبلغ لديك فإنهم لا يقومون بإدخالك غرفة العمليات إلا والمبلغ معهم مكتملاً.
فأي حسرة على هذا بالله عليكم؟ وأين يمين أبقراط الذي أقسموه؟! إنهم حفنة من المرتزقة أساؤا إلى مهنة الطب، في المقابل هناك أطباء وطبيبات غاية في الأخلاق الفاضلة حيث يسمحونك من فاتورة المعاينة إذا حكيت لهم ظروفك، ويخفضوا عليك تخفيضاً كبيراً من قيمة الكشف والتحاليل المخبرية، وهم يعالجون المرضى الفقراء إلى جانب الأغنياء فهم ملائكة الرحمة وغيرهم شياطين الظلال هذا فضلاً عن معرفتي الأكيدة بأطباء وطبيبات يعطون لمرضاهم العلاج مجاناً إذا عرفوا حالتهم المادية.
لقد تحول الطب من رسالة إلى جباية، فالغالبية العظمى من الأطباء والطبيبات يسعون إلى الغنى الفاحش، ويركضون وراء تكوين الثروات وشراء الموديلات من السيارات الفارهة، ويشترون الفلل ويحظون بأرصدة هائلة في البنوك، فهم لا يهمهم المريض بقدر ما تهمهم الدريهمات والريالات، فقد أساء هذا النفر إلى مهنة الطب ونطالب بصدور قانون يحوي على التعريفة في المعاينة بخمسمائة ريال مثلاً وعيادات أمراض الأطفال بثلاثمائة ريال وهكذا بقية الأمراض، فلا نجعل التعريفة تخضع لأمزجة الأطباء، فبعض الأطباء المعاينة لديهم بثلاثة آلاف ريال أو قد تزيد في ظل النوم العميق لقيادة وزارة الصحة التي لم تقدم إلى الآن عملاً ناجحاً يضاف إلى رصيدها، فالوزير غارق بمشكلات إلى أخمص قدميه.
إننا ومن خلال هذا المنبر الحر المحايد ندق أجراس الخطر على مستقبل الصحة العامة في بلادنا، فوزارة الصحة لا تستحق هذا الاسم بل يجب أن نطلق عليها وزارة المرض، فالناس أمراض من محدودي الدخل ولا يجيدون ثمن العلاج مع قولهم أن الثورة قضت على الجهل والفقر والمرض الذي يزايدون عليه على أسرة آل حميد الدين، فالمرض لا زال مخيماً في الأرياف والبوادي والمدن على حدٍ سواء ومعظم المرضى تكون هديتهم الموت المروع بفعل العلة التي يعتلونها وحسبنا الله ونعم الوكيل.