إسماعيل صالح السلامي
إن الاستشراق تيار فكري يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته.
ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة، وتطلق كلمة مستشرق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم، وذلك لإحكام السيطرة على الإسلام والمسلمين والرغبة في خدمة الاستعمار، وتنصير المسلمين، والنيل من لغتهم، وتشويه عقيدتهم وقيمهم عن طريق إلقاء الكثير من المفتريات والأباطيل في محيط الإسلام للتهوين من شأن الدعوة الإسلامية والتقليل من أثرها في الحياة والتشكيك في مصادرها ومحاولة إغراق المسلمين بالتيارات الفكرية الضالة المضلة وما حدث في الدنمارك من إساءة للمصطفى الأعظم صلى الله عليه وسلم دليلاً على ذلك، فالاستشراق ليس من اليوم أو الأمس وإنما هو في الحقيقة امتداد للحروب الصليبية ضد الإسلام وحقائقه الناصعة؛ لأن الحروب الصليبية في القرون الأولى لم يكن لها أي جدوى من الحروب العسكرية وعجزت عن مواجهة المسلمين آنذاك فلجأت إلى أخذ أشكالٍ وألوان مختلفة في حرب الإسلام والمسلمين من تلك الأشكال الاستشراق، فالمستشرق يجيء إلى الإسلام لابساً العلم في الظاهر ومدعياً البحث عن الحقيقة ولكنه في الباطن قد عقد النية على جمع المطاعن الملفقة عن الإسلام، فيرمي الإسلام بكل ما يحمل صدره من غل وحقد، وينفث ما بقلمه من سم، فيتخذون العلم وسيلة للتشويش على الدعوة الإسلامية ويتسترون وراء البحث العلمي، وهم يلفقون الأباطيل، ويلقون بها في ساحة الشريعة الإسلامية، ويحاولون تضليل شباب المسلمين الذين يتتلمذون عليهم وإقناعهم بآرائهم الفاسدة الخبيثة ليشركوهم في الإساءة إلى الإسلام دون وعي، كما يحاربون اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم وإجلاؤها من الألسنة حتى تنقطع الصلة بين المسلمين وبين كتاب الله الذي هو دستور دينهم ولسان شريعتهم ومصدر قوتهم، ومساندة الدعوات المضللة التي قامت تحت راية الإسلام، واستغلال وسائل الإعلام بشتى أنواعها في إفساد المسلمين بإبعادهم عن دينهم.
فقد انتشرت هذه الحركة وتوسعت وخصوصاً في عصرنا هذا نظراً لظهور القوانين والتشريعات الدولية التي تحافظ على أمن المستشرقين واستقرارهم وزيادة اختلاط المستشرقين بغيرهم من المسلمين كما تمكن المستشرقون من الفتك بالعالم الإسلامي وتقسيمه إلى طوائف ومذاهب ودويلات متعددة وذلك لأحكام السيطرة عليهم وتحقيق أهداف الصليبية بيسر وسهولة.
كما تمكن المستشرقون من إضعاف روح الإخاء بين المسلمين والعمل على تفريقهم وتمزيق وحدة المجتمعات المسلمة ومن هنا تمكنت الصليبية من إحكام سيطرتها على الإسلام والمسلمين واستطاعوا المواجهة العسكرية للمسلمين بعد إضعاف الإيمان في قلوبهم لأنهم يعرفون الإسلام مصدر القوة للمسلمين فأصبح مال ودم وعرض المسلمين بأيديهم يتصرفون به كيف ما يشاؤون فانظروا معي إلى ما يحدث حالياً في فلسطين المحتلة من قتل وتشريد ولم تعد للإنسان المسلم أي قيمة ومثله مثل أي حيوان على ظهر الأرض حتى صارت قيادتنا تعترف وتكلم عن نفسها باسم العالم الثالث وليس بعدنا إلا القردة والخنازير أو ربما أنهم بمستوانا فقد أصبح دم الحيوان عندهم يحمى أكثر من الإنسان الفلسطيني أو العربي المسلم.
فهذا الضعف الذي يمر فيه العالم الإسلامي حالياً ناتجاً عن تركنا لمصدر عزتنا الإسلام، وعلينا أن نتذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند افتتاح فلسطين "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، فقد تحقق ما قاله عمر بن الخطاب وقد أذلنا الله وتمكن الصليبيون من تشريد المسلمين كما شردناهم سابقاً، وقيل أن عمر رضي الله عنه بعد الانتصار على الصليبيين في فلسطين بكى آنذاك فقيل له: ما يبكيك يا عمر بعد النصر؟ فأجاب: "إني أخاف أن نعصي الله فيوليهم علينا كما ولانا عليهم"، فذلنا جنيناه أيدينا ولا سبيل لإعادة عزتنا سواء التمسك بالإسلام، فالقوة هي قوة الإيمان لا قوة السلاح، ولكن الاستشراق قد تمكن من إضعاف قوة الإيمان بطرقه الخبيثة التي ذكرناها آنفاً.
من هذه الرؤية ينبغي الحذر عند التعامل مع الفكر الاستشراقي وأن نبين خطر الاستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته الخبيثة، ويجب أن نكشف الأسلحة التي يستعملها في حربه السافرة والخفية، والوسائل التي نتقي بها شره، ونرد بها كيد أعداء الإسلام في نحورهم.<