سحر حمزة
كان يا مكان في كل عصر وأوان كان هناك طفل صغير يدعى ماجد احتار كثيراً بأمر شغله و قرر صغيرنا ماجد حل اللغز الذي طرحه المعلم على مسمعه خلال حصة التربية الإجتماعية التي أعلن فيها أستاذه عن تخصيص جائزة تقديرية لكل من يعرف أول كلمة ينطق بها الطفل ويكون المسار الأول حياته التي تحدد هدفه .. وبقي ماجد يتذكر ما أكده المعلم على ضرورة أن يعرفوا لماذا ينطق الطفل هذه الكلمة دون الكلمات الأخرى وطلب منهم تفسير معانيها لديه .
عاد إلى البيت يفكر ويفكر حائراً متململاً , لفت إنتباهه حركات فرح أخته الصغرى فصار يراقبها وهي بالكاد تتلمس ملامحه فهي لم تتجاوز أربعة أشهر لكنها أصبحت تستجيب له اثناء لعبه معها بحركات طفولية بهلوانية مفرحة دون أن تلفظ أي كلمة يمكن تحليلها أو فهمها . حاول ماجد أن يداعبها ويراقصها وكانت فرح تضحك بعفوية وينعكس ذلك من خلال صدى صوتها العذب كأنه سمفونية عذبة تغرد معها العصافير يتراقص النحل حين سماعها وهو يرشف العسل من فوق الزهر, ويرفرف الفراش حول الأرجوان في الحقل كأنها جميعها فرقة موسيقية وحدتها الطبيعة لتعزف لحن الحياة.
و ببراءة الطفولة بقيت فرح تلعب وتقوم بتلك الحركات المحببة التي تنم عن شقاوة الصغار دون كلمة .. وفجأة صمتت فرح ونظرت أمامها نحو الباب وقالت : با .. با.. باب ..با ..وكررتها فنظر ماجد خلفه فإذا بوالده يقف هناك وقد عاد من العمل .. صرخ بصوت عالي وقال : لقد عرفت الآن لقد نطقت وقالت كلمة بابا .. بابا .. ولكن؟! ما السبب يا ترى؟ لا بد وأن لهذا تفسير عند والدي .. وقال ماجد محدثاً نفسه يجب أن أذهب إليه لأسأله .. و حمل فرح وذهب إليه وقال له : أبي الحنون .. لابد أن فيك سحراً جعل فرح تلفظ اسمك بعفوية وتلقائية .. وهذا الأمر يحيرني . وهو سؤال يجب الإجابة عليه بدقة وإقناع وواجب علينا لأستاذ نا الفيلسوف في مدرستنا .. ضحك الوالد وأخذ بيدي ولديه ووضع فرح في حضنه وجلس على الأريكة ينتظر زوجته لتجهز لهم طعام الغداء ثم قال : يا بني إن أسهل الأحرف على الطفل هو الباء وبها تبدأ كلمة بابا وهذه حكم ربانية كي نحبكم يا أبنائي ونساعدكم حتى تصبحوا كباراً تعتمدون على أنفسكم .. فجاءت الأم وقالت وليس هذا فحسب فإن فرح وغيرها من الأطفال لا يعرفون إلا بابا وماما اللذين يحبانها ويحميانها ويحفظانها حتى تكبر. قال ماجد : معكما حق كان يجب أن أعرف هذا لوحدي لأنك يا أمي أكثر من يرعانا ويهتم بنا وأنت يا والدي من يحبنا ويعطف علينا من نبعه الذي لا ينضب بالدفئ والحنان .