بقلم :احمد عمرابي
قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه اتهامات جرائم حرب إلى الرئيس عمر البشير ليس موجهاً ضد شخص الرئيس السوداني وحده. . وليس موجهاً بصورة حصرية ضد «المؤتمر الوطني» (الحزب الحاكم). إنه قرار يعكس، كما تقول الخرطوم، ظاهرة «الاستعمار الجديد» التي يتبناها الغرب بزعامة الولايات المتحدة. ووفقاً للمخططات الغربية المنبثقة عن الظاهرة فإن المراد بشأن السودان تحقيق هدفين استراتيجيين:
أولاً، وعلى المدى القريب، وضع نهاية حاسمة لقدرة النظام السوداني في التحرك الاستقلالي في الساحة الدولية حتى لو استدعى الأمر الإطاحة بالنظام ليخلفه نظام حكم مرتهن في إرادته إلى واشنطن ولندن وباريس. ثانياً، وعلى المدى البعيد، مسخ الهوية العربية الإسلامية للسودان تمهيداً لفصم انتمائه إلى المحيط العربي والإسلامي.
منذ استقلال البلاد في منتصف عقد الخمسينات من القرن المنصرم وحتى اليوم لم يتول أمر الحكم في السودان نظام حكم حزبياً كان أم استبدادياً توفرت لديه إرادة استقلالية في مجالات التحرك الخارجي كما توفرت لنظام «الإنقاذ» الحالي.
ومن الوهلة الأولى ووجه النظام بتحرش أميركي أوروبي تصاعد خلال بضع سنوات إلى عداء سافر ومكشوف، وربما يسأل سائل: كيف يجوز اتهام الولايات المتحدة بممارسة عداء نشط ضد النظام وهي القوة العظمى التي جرى إبرام اتفاق السلام في عام 2005 بين الشمال والجنوب على يديها وبرعايتها؟
من المؤكد أن من يطرح هذا التساؤل يجهل أو يتجاهل أن إدارة جورج بوش الابن ما كانت لتتحرك لوقف الحرب بين الشمال والجنوب لولا أنها توصلت إلى قناعة بأن الجيش السوداني كان في عام 2000 يقترب حثيثاً من إحراز انتصار عسكري حاسم على قوات التمرد بقيادة جون قرنق.
جاء التدخل الأميركي إذن لإنقاذ جيش الجنوب من هزيمة حاسمة ولتمكينه من دخول عملية تفاوضية من موقف عسكري جيد. أما بعد توقيع اتفاق نيفاشا وحلول السلام رأينا كيف كشفت الولايات المتحدة عن تحيزها لحكومة الحكم الذاتي في الجنوب ضد الحكومة المركزية. لكن على كل حال لم يفلح العداء الأميركي في كسر شوكة النظام الحاكم وقدرته على التحرك بفاعلية استقلالية في ساحة العلاقات الدولية.
بقيادة الولايات المتحدة شنّ الغرب حرباً اقتصادية وتجارية ضد السودان تضمنت فرض عقوبات وإجراءات مقاطعة وحملات إعلامية شرسة، وكان الهدف هو أن يستسلم السودان ليكون «جمهورية موز». لكن مع تصاعد العداء من الغرب تحول النظام الحاكم صوب الشرق لعقد علاقة استراتيجية مع الصين وماليزيا.