بقلم :ممدوح طه
لو كنا نثق بنزاهة قرارات مجلس الأمن الدولى فيما يخص العرب والمسلمين عموما، وفلسطين والعراق والسودان خصوصا، لكان واجبا علينا احترامها بل والتصفيق لها. . ولو كان الذين يستخدمون المحكمة الجنائية الدولية من أعضاء مجلس الأمن كأداة قانونية لتنفيذ أغراض سياسية مكشوفة وفى مقدمتهم الولايات المتحدة ماكانت لترفض التوقيع على اتفاقية روما المؤسسة لهذه المحكمة، وما كانت لترفض الاعتراف بهذه المحكمة أو لتشترط عليها عدم محاكمة مجرميها بسبب جرائم الحرب فى العراق وأفغانستان، ولو كنا نثق بسلامة أهداف المحكمة أو نثق بسلامة اتفاقية روما لكانت عشرات الدول العربية والإسلامية وفى مقدمتها السودان قد صدقت عليها واعترفت بها!
باختصار لا أميركا ولا إسرائيل وهما أكبر دولتين فى التاريخ ارتكبتا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، وباختصار أيضا لا السودان ولا معظم الدول العربية والإسلامية تعترف بهذه المحكمة، ولا تثق بمصداقية ادعاءاتها ولا مدعيها، والأكثر اختصارا للموضوع، أن لا ولاية لهذه المحكمة على السودان ولا على معظم الدول العربية والإسلامية والأفريقية، وبالتالى فلا اعتراف ولا قبول ولا تعامل مع هذا المدعي ولا مع هذه المحكمة بأى صورة من الصور.
والقرار الذى أصدرته تلك المحكمة بحق الرئيس العربي السودانى عمر البشير، بناء على قرار إحالة للتحقيق من مجلس الأمن تبنته أميركا وتابعتاها بريطانيا وفرنسا بغرض ومرض، هو قرار يستهدف إثارة الفوضى في السودان، ويعد سابقة خطيرة لابد أن تثير الفوضى لا في السودان فقط بل في النظام الدولي الأعور كله المتمثل في مجلس الأمن وفي المنظمة الدولية، وتدفع الدول العربية والإسلامية والأفريقية إلى وقفة مع هذا النظام الدولي غير العادل وغير الديمقراطي وغير المتوازن، إما بإصلاحه أو بالانسحاب منه.
وكما يعنى ذلك أنه على الدول العربية والأفريقية والإسلامية التى رفضت ثلاث دول في مجلس الأمن تمثل الاستعمار القديم والجديد فى أفريقيا قبول طلبها بوقف هذه المذكرة، والسير في طريق السلام في السودان وفي إطار السلام يتم تحقيق العدالة بشكل متوازن وعلى كل الأطراف وليس على طرف واحد من الأطراف السودانية أن تتخذ موقفا واضحا مع هذه الدول التى لو أن هناك عدالة دولية حقا لحاكمت هذه الدول أولا، حاكمت بريطانيا وفرنسا على فترة الاستعمار وما ارتكب فيها من جرائم، وحاكمت أميركا على جرائم الاحتلال والعدوان والحرب. .
إن النظا م الدولى لايقف على ساقيه بدون نظام إقليمي، وإذا لم يحترم النظام الدولي إرادة ثلاث منظومات إقليمية تمثل غالبية أعضاء المنظمة الدولية هى (الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي)، فعلى هذه المنظومات الإقليمية احتراما لذاتها أن تتخذ موقفا يعيد الأمور إلى نصابها، بالدفاع عن إرادتها وكيانها الدولي.
إن الكذب الذى دمروا به العراق، هو نفسه الكذب الذي يريدون به تدمير السودان، ولا يجب أن يسمح السودانيون ولا العرب ولا المسلمون ولا الأفارقة بذلك، ولا بتداعيات هذه السابقة الخطيرة على كل الدول الصغرى التي يريد الاستعمار أن ينفذ إليها برداء القانون وبشعارات مضللة وزائفة عن العدالة والإنسانية والديمقراطية والسلام، بينما هم أعداء كل هذه الشعارات ولا يريدون غير عودة الاستعمار من جديد وهو ما لن تسمح به الشعوب التى هى أقوى إرادة من كل المستعمرين القدامى والجدد أيضاً.