شكري عبدالغني الزعيتري
إن الدول الحديثة والمتطورة تسعي نحو الرقي والتطور في كل جوانب حياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية. ولكل جانب من هذه الجوانب له أدواته ووسائله ورجاله وعلمائه وعلمه. وكلها لا تقوم لها قائمة إلا مرتكزة على الجانب الأول وهو الجانب الاقتصادي وعليه ذهبت الدول والأنظمة الحكومية الحديثة في العصر الحديث وبالأخص بعد قيام الثورة الصناعية الأوروبية في أوروبا للبحث عن مصادر تمويل لمشروعاتها العامة للتنمية والنهوض فظهر مبدءا مشاركة كل أفراد المجتمع في التنمية والنهوض وكلاً من منطلق قدراته وإمكانياته وظهر من مصادر تمويل بناء ونهوض أي دولة ابتكار ما سمي بالضرائب وهي رسوم مالية لجباية متنوعة الأوجه والمسميات وتختلف من دوله إلى أخري يقصد من خلالها فرض نسبة بسيطة من ربح الأثرياء لتوجيهها للنفع العام. وذهبت كل دولة تشرع القوانين وكلا بما يناسبها ويتوافق مع ظروفها وتحت مبدءا إشراك الأثرياء في تمويل حركة التقدم والنهوض لدولتهم وشعوبهم. وفي بلدنا الجمهورية اليمنية تمثل الرسوم المالية الحكومية التي فرضتها الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد قيام ثورة 26 سبتمبر1962م وحتى اليوم تمثل احد أهم مصادر تمويل خزانة الدولة وضمان لها إيرادات متدفقة سنوية لتمويل مشاريعها العامة التي تخدم وتفيد الشعب والوطن وظهرت رسوم متنوعة تحمل مسميات مختلفة ابتداء (بضريبة الأرباح وضريبة المبيعات وضريبة الدخل ورسوم الجمارك. . ز. الخ ) وهذه الأنواع من الجبايات متعارف عليها لدي جميع الأنظمة الاقتصادية و الدول الحديثة وهو ما استفاد منه المشرعين في العالم والدول من النظام الاقتصادي الإسلامي وما شرعه الله سبحانه وتعالي من فريضة الزكاة وصدقات للإسهام في بناء المجتمع المسلم. وأمام هذا يمكن القول بان كل رجل ثري وخير وأنساني يرأف بمجتمعة ووطني يحب وطنه يكون حريصاً على أداء هذه الرسوم الحكومية وتوريدها للجهات الحكومية المختصة فيكون بذلك نال رضي خالقة من جانب ديني بان أسهم في بناء صدقات جارية لنفسه تتمثل بالمشاريع المجتمعية التي تنفذها الحكومة (كبناء المدارس ورصف الطرق والتعليم وخدمات الصحية وغيرها ). وأيضاً يكون قد أدى واجب وطني تجاه وطنه وشعبة الذي هو جزء منه. إلا أننا نجد من الأثرياء من لا يراعون الدين ولا يتقون الله تعالي خالقهم إذ لا يسعون في تطهير أموالهم بفريضة الزكاة والصدقات. . ولا يراعون الواجب الوطني في حق شعبهم وبلدهم تجاه أموال يلهثون لجمعها وتراكمها فلا يسهمون في تنمية ونهوض وطنهم ويريدون فقط جني ثماره والاستظلال تحت ظل أمنة واستقراره. ولا يسهمون في رقي مجتمعهم ويريدون فقط استغلاله والتباهي والتعالي بأموالهم وثراءهم علي أفراد شعبهم. إذ ترى أولئك النوع من الناس يسعون إلي التهرب من أداء الضرائب بان يذهبوا نحو افتعال متعمد لمغالطات من خلال إعداد سجلات حسابية لمؤسساتهم أو شركاتهم (التجارية ) بان يفتحوا ويعدوا سجلات تكون مخصصه لتقدم لمصلحة الضرائب و لمراجعيها ويظهرون فيها أن مؤسساتهم خاسرة حتى لا يؤدون ما عليهم من ضرائب وفق القوانين المقرة. . وبعضهم يلجا إلى ما هو أكثر من ذلك التهرب إلي القيام بالتهريب لكل البضائع التي يستوردونها من بلدان التصنيع والإنتاج ويدخلوها إلي الأسواق اليمنية عبر طرق تهريب حتى لا يؤدون ما هو مفروض عليها من رسوم جمارك وأيضا فيما بعد رسوم ضرائب ويأتوا بها ليبيعوها بالأسواق اليمنية متخفين لكي لا يعرف احد من الجهات المختصة الحكومية (كم استورد. . وبكم اشتري. . وبكم باع). . وحين نتحدث أو نلقي نظرة بتمعن حول الأضرار التي تلحق بالوطن والمجتمع من جراء التهريب للسلع والبضائع والتهرب من أداء واجب الرسوم الحكومية المفروضة نجدها فاتحة وكثيرة ومتنوعة فمثلا منها.
أولا : الأضرار الاقتصادية ومنها ما يلي (ا) خسائر الدولة وخزانتها المالية من جراء التهريب تتأتى من وجهين هما :) الوجه الأول ) خسائر مالية ناتجة عن المبالغ التي تفقدها خزانة الدولة من جراء تهرب السلع المستوردة من دفع الرسوم الحكومية المفروضة وفق القوانين. و (الوجه الثاني ) خسائر مالية ناتجة عن المبالغ التي تفقدها خزانة الدولة من جراء ما تصرفه وينفق لكادرها وموظفيها القائمين على المكافحة للتهريب والتهرب وتكاليف وسائل وأدوات العمل اللازمة لذلك (ب) خسائر الاقتصاد الوطني المالية والعملات الأجنبية (الدولار) من جراء التهريب تتأتى من وجهين هما : الوجه الأول ) خسائر مالية تظهر في فقدان الدخل القومي للبلد لعملة صعبة أجنبية ناتجة عن المبالغ لقيمة البضائع والسلع التي تتلف سواء من جراء سوء النقل أو التخزين التهريبي أو من إتلاف الجهات الحكومية المختصة لبضائع وسلع تم تهريبها وصودرت من أصحابها المهربين و يفقد الاقتصاد الوطني متمثلا بفقدان مقدارا من العملة الأجنبية من الدخل القومي العام لقيمة تلك السلع والبضائع و (الوجه الثاني ) ضياع فرص عمل لأبناء المجتمع اليمني من جراء تهريب سلع كاملة التصنيع وينعكس بعدم قدرة الصناعات الوطنية على مواجهة السلع المهربة بسبب الميزة السعرية التي تحصل عليها البضائع والسلع المهربة الرخيصة وتكون في صالح ويؤثر ذلك بان يؤدي إلى تقليص إنتاج السلع الوطنية والذي سببه انخفاض الطلب على السلعة الوطنية المصنعة محليا والذي ينعكس بأثر سلبي في اتجاه تقليص الطلب على العمالة اليمنية وبالتالي تزايد نسبة البطالة.
ثانيا : الأضرار الأمنية والآثار الاقتصادية المنعكسة عنها : إن طاقم مكافحة التهريب كثير منهم ما يلقون حتفهم أو يصابون إصابات مرضية نتيجة الملاحقات لرجال التهريب والبضائع المهربة أثناء أداء واجبهم الوطني وكثير من الإصابات تعيق استمرار حياة أصحابها الطبيعية وهنا تتأتي خسائر مالية أخري على هذا الجانب كتكاليف العلاج وإعالة أسرهم وإعالة الإصابات. . ولك عزيزي القاري قراءة ما سأورده هنا في مقالتي هذه عن الأضرار الفاتحة التي تلحق بالاقتصادي الوطني وبالوطن والمجتمع من جراء التهريب ومن زاوية سلعة واحدة فقط مدللا بالأرقام. فالتوضيح لك عزيزي القاري وبشكل أكثر دقة ومن خلال الأرقام التي تخسرها الدولة نستدل بسلعة واحدة فقط لكي نستطيع إيصال الفكرة إليك وحتى لا أطول عليك في مقالتي إذ سأختار سلعة (السجائر) كونها من السلع التي تتميز كما يقول مهربين من التجار اليمنيين بأنها سلعة من السلع التي خف وزنها وغلي ثمنها وزاد ربحها ولها معدل دوران استهلاكي يومي سريع كونها مستهلكة يوميا ) وهي سلعة من السهل علي المهربين تهريبها ويجنون من وراءها أموال طائلة ويأتي بعدها بالطبع سلع أخري (الأدوية وسلع الالكترونيات وسلع قطع غيار السيارات وسلع المبيدات الزراعية والأسمدة وغيرها. . . . . ) و هنا سنستدل بسلعة السجائر كونه توفرت لنا أرقام وبيانات وجدتها أكثر دقة واكتمال وتوافرت أمامنا عن غيرها من السلع التي حاولت التقصي حولها. ولان سلعة السجائر تدخل ضمن قائمة أهم السلع التي يتم تهريبها إلى الأسواق اليمنية لما لها من خصوصية تحقيق الربحية الأكثر للتاجر المهرب لها لنستعرض ما تفقده الدولة من مبالغ كبيرة سنويا من جراء تهريب سلع السجائر الأجنبية إلى الأسواق اليمنية ولأصناف كثيرة ومتنوعة المسميات ولبلدان التصنيع من جراء تهربها من دفع رسوم وجبايات الدولة المفروضة على سلعة السجائر وفق القوانين اليمنية الصادرة وعلية من خلال التقصي واستبياني الذي قمت به حول سلعة السجائر الأجنبية والتي تدخل الأسواق اليمنية بطرق غير شرعية (بالتهريب) سنويا فقط ناهيك عن السلع الاخري. اذ يقدر دخول واستهلاك كمية = (430. 000) كرتون سجائر أجنبية مهربة. و يتراوح متوسط سعر البيع لعلبة الصنف الأجنبي المهرب ما بين ( 40 ريال 80 ريال) وانه تقدر إجمالي متوسط قيمة السجائر الأجنبية المهربة إلى الأسواق اليمنية (سنويا ) = 12900000000 ريال (اثنا عشر مليار وتسعمائة مليون ) وان مقدار الحصة الاستهلاكية لسلعة السجائر الأجنبية المهربة والتي تدخل بطرق غير شرعية (بالتهريب) في السوق اليمني = ((30%)). من إجمالي الاستهلاك الكلي للسجائر في السوق اليمني. وباحتساب تقريبي للمبالغ المالية التي تفقدها الدولة من جراء تهريب السجائر وجدنا مايلي وكما يلي : (1) يتراوح سعر بيع العلبة لأنواع السجائر المهربة ما بين (40 80 ) ريال (2) متوسط سعر البيع لعلبة الصنف الأجنبي المهرب = 60 ريال وسعر الكرتون= (30000) ريال. (3) وباحتساب تقديري للمبالغ التي تفقدها الدولة من جراء تهريب السجائر وتدفقها إلى الأسواق اليمنية بطرق غير
شرعية (سنويا) كالتالي : ((على أساس متوسط بيع العلبة للأصناف الأجنبية المهربة(60) ريال)).
ناهيكم عن عدم احتساب جبايات ورسوم أخري كضرائب الأرباح التجارية وضرائب الدخل والزكاة وأخرى وغيرها من رسوم وجبايات حكومية مفروضة علي السجائر المصنعة محليا وتؤديها شركاتها المنتجة الوطنية. . . وعند زيارتي لمصانع وطنية لصناعة السجائر وجولتي واطلاعي وطوافي علي مراحل التصنيع لعلبة السجائر وتعرفي علي إدارة الجودة وإدارة المواصفات والمقاييس وإدارة الإنتاج وعمالها ومراحله وإدارات أخري في المصنع الذي قمت بزيارته وهو تابع لأحد الشركات الوطنية المنتجة للسجائر وما رأيت وانبهرت به من كفاءة ودقة وحرص في عملية تصنيعهم للسجائر والذي لم أكن أتوقعه أن يكون حادثا في اليمن وفي مصانع يمنية تصنع منتج محلي وطني هو ما دفعني لكتابة هذه المقالة دفعا عن المنتجات الوطنية المنتجة محليا ( عامة ) دون استثناء والتي بها ستنهض اليمن وتكتفي. وحين زيارتي تلك شرح لي المختصين تفاصيل حول (زراعة النبوغ وتحضيرها ومركبات ومكونات حبات السجائر والمقرة وفق مواصفات ومقاييس عالمية تتدخل فيها منظمة الصحة العالمية ) وبعدها تمعني بالتدقيق في موضوع تهريب السجائر الأجنبية إلي الأسواق اليمنية وجدت بان لهذا أيضا أضراره منها كما اتضح لي أولا : ألإضرار الصحية والآثار الاقتصادية المنعكسة : في وجود التهريب للسجائر ما يلي (1) أن ظروف النقل والتخزين التهريبي تكون سيئة لدي المهربين مما يؤثر على جودة السلعة ويؤدي إلى فقدان نسبة كبيرة من رطوبتها حتى تصل إلي الجفاف وهذا يلعب دورة في شدة تأثيرها علي الصحة كونها كلما أزادت نسبة الجفاف كلما كانت حارة جدا وتؤثر علي صدر المستهلك (2) تتعرض السجائر الأجنبية المهربة لسوء تخزين وحرارة عند نقلها وتخزينها بتخفي وعلية فان تعرض هذه الكميات المهربة للحرارة تؤدي إلي حدوث تفاعلات كيميائية لمواد داخلة ضمن مركبات حبوب السجائر (النيكوتين والقطران والمواد الحافظة وغيرها ) وينتج عن تلك التفاعلات الكيميائية ظهور مركبات جديدة كيميائية أخري تكون ضارة وخطيرة علي جسم المستهلك والتي يكون لها اثر صحي على المستهلك (3) أن المهربين الذين يقومون باستيراد السجائر الأجنبية وإدخالها بطرق التهريب لا يهمهم سوى الربح الأكثر ولهذا فأنهم يلجوا للشراء من مصادر رخيصة في الهند والصين ومن معامل إنتاجية صغيرة لا تلتزم بمواصفات المقاييس والجودة المقرة عالميا من المنظمات الدولية كما وإن هذه المعامل الإنتاجية تلجا إلي جمع نفايات النبوغ التي تتجمع لدي الشركات المصنعة الكبرى العالمية وبأرخص ثمن ويقومون أصحاب تلك المعامل الذي ينتجون للمهربين بإعادة تصنيع نفايات النبوغ لإنتاج أصناف سجائر حسب طلب المهربين (رخيصة ) ولا يهم الجودة وصحة المستهلك ومن هذا الجانب يترتب عليه فقدان الاقتصاد الوطني لمبالغ تكاليف العلاج لمستهلكين والذين يتراوح عددهم (298611) مستهلك يمني تقريبا يدخنون السجائر الأجنبية المهربة بشكل يومي
تنويه : تعترف كافة الأنظمة الاقتصادية وكافة الدول والمؤسسات المالية والحكومات والشعوب بإيرادات سيادية تعارف علية وهي (الضرائب والجمارك ) وما لا يعرف ولا يعترف به ولم يقر لدي نظام اقتصادي أو دولة أو شعب من شعوب العالم هو الصناديق المالية الحكومية وما هي إلا اختراع محض من عبقرية أعضاء مجلس النواب وحكومتهم. ولهذا نؤيد ما تعارف علية عالميا ولا نؤيد ما يبتكر تعسفا. . . . تابع بالعدد القادم غدا الحلقة الخامسة والأخيرة بعنوان (يا نواب الشعب. . نريد كفاءات علمية متخصصة تشرع). <
Shukri -_alzoatree@yahoo. com