بقلم :ممدوح طه
قرار المحكمة الجنائية الدولية باتهام الرئيس السوداني عمر البشير وإن صدر عن قضاة وقبل أن يكون قرارا قضائيا هو في الأساس قرار سياسي تبنته فرنسا وبريطانيا ودعمته أميركا لتنفيذ مخطط التقسيم الشيطاني ومحاولة محكوم عليها بالفشل لإعادة استعمار السودان.
وهو قرار سياسي بالانتقام الشخصي من رئيس دولة خالف الإرادة السياسية لعدد من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الذي أصبح مع غياب الاتحاد السوفيتي أميركيا وليس دوليا، يفترض فيهم حراسة تطبيق القانون الدولي الإنساني فيما يخص جرائم العدوان وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني بغير تمييز بين قوي وضعيف أو بين أبيض وأسود.
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا، فإن هذه المحكمة ما كان لها أن تقوم بالتحقيق القضائي في الادعاءات المقدمة ولا أن تصدر قرارها العجيب ضد الرئيس السوداني، وتتجاوز حدود ولايتها القضائية إلى السودان الذي ليس ضمن دائرة هذه الولاية، إذ لا ينطبق قانونها إلا على من وافق على اتفاقية إنشاء المحكمة.
وتتجاوز حصانته القانونية كرئيس دولة طبقا للقانون الدولي الذي هو فوق نظام المحكمة بما يمثل أول سابقة من نوعها في تاريخ القضاء الدولي، لولا القرار السياسي رقم 1593 عام 2005 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي الذي هو في الأساس مؤسسة سياسية دولية وليس مؤسسة قضائية دولية، وهذا القرار السياسي العجيب أيضا يمثل هو أيضا أول سابقة من نوعها في تاريخ مجلس الأمن!
أما لماذا يبدو هذا القرار القضائي عجيبا، فلأنه ببساطة لا يطبق القانون على الحالات المماثلة بنفس المعايير القانونية بل السياسية، لأن الإرادة القضائية للمحكمة في حالة الدول غير الموقعة على اتفاقية تلك المحكمة مقيدة بالإرادة السياسية لمجلس الأمن الدولي في محاكمة طرف ما، أو في منع محاكمته بإرادة سياسية لدولة واحدة من ملاك الفيتو الخمس في مجلس الأمن، أو في تجميد التحقيق أو المحاكمة لذات الطرف أو لطرف آخر وفق تغير الإرادة السياسية لأعضاء مجلس الأمن..
والدليل هو إجابة السؤال التالي، ماذا لو تقدم جل أعضاء مجلس الأمن بطلب إحالة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق معه ومحاكمته في تهم العدوان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاك الجسيم للقانون ولحقوق الإنسان في أفغانستان والعراق مثلا مع ثبوت أدلة الاتهام؟. . ألا يكفى فيتو بريطاني أو فرنسي وليس أميركيا لإيقاف إصدار قرار مماثل من مجلس الأمن بالإحالة للمحكمة، مثلما صدر القرار ضد البشير؟
وأما لماذا يبدو القرار السياسي 1593 عجيبا، فلأنها المرة الأولى التي يحيل فيها مسألة من هذا النوع إلى تلك المحكمة لغرض في نفس يعقوب، وليس إلى محكمة دولية خاصة مثلما فعل في يوغسلافيا ورواندا من قبل، ولأن مجلس الأمن بكل وضوح جهة غير مختصة بقضية دارفور.
فهي ببساطة داخل حدود الحكومة السودانية المختصة وحدها بالحفاظ على وحدة وسلامة أراضي السودان، وخارج عن حدود مهام مجلس الأمن «الدولي «أي الذي لا يختص أولا إلا بالنزاع بين الدول وليس بين الأقاليم داخل حدود الدول إلا إذا كان هذا النزاع يهدد السلم والأمن الدوليين، وحتى في هذه الحالة فإن الجهة المختصة هي مجلس الأمن والسلم الأفريقي وليس مجلس الأمن الدولي. . تسييس القانون الدولي مدعاة لإفساد أجهزة العدالة الدولية وإفراغ للإدعاء ولأحكام القضاء الدولي من المصداقية والمشروعية القانونية.<