دور السيد أحمد الشامي في المصالحة الوطنية
كان السيد أحمد محمد الشامي رئيس الوفد الملكي في مؤتمر حرض، وهو الشاعر والأديب والسياسي المعروف الذي توفي سنة 2005م في بريطانية ، كان مقيماً في بيروت مع الأستاذ الكبير أحمد محمد نعمان ويشكلان حلقة من الحلقات الداعية إلى السلام في اليمن، وكنت على اتصال به عبر الأستاذ السفير محمد أحمد نعمان بموافقة القاضي الإرياني ، لكي نعمل جميعاً من أجل السلام، وقد أرسل عدة أشرطة فيها قصائده "أغاني الشامي" المعبرة عن السلام والمصالحة الوطنية، ورسائله الصوتية الداعية لإنهاء الحرب والعمل من أجل السلام ، وكان ينصحنا: عليكم أن تبحثوا عن كيفية تحقيق السلام مع الإخوة في السعودية، ونحن سنعمل من جانبنا بما يحقق الهدف الذي نسعى إليه وهو السلام، واستطاعت القيادتان السياسية والعسكرية وقادة المصالحة الوطنية أن تخرج عملية السلام بتشكيل الحكومة الوطنية القادرة على مواصلة الحوار مع الإخوة في السعودية، برئاسة الشخصية الوطنية الأستاذ محسن العيني لكي يقنع بعض المترددين والخائفين على الجمهورية، وتشكلت الحكومة بوجوه مقبولة من كل ألوان الطيف، واحتفظ الأستاذ العيني بمنصب وزير الخارجية وأثبتنا بأن اليمن دولة مستقلة لها سياستها بالحكومة الوطنية القديرة، وأن اليمن لها رجالها المحبون للسلام والاستقرار، وهي رسالة موجهة للإخوة في المملكة، وكان من حسن حظ الحكومة عقد مؤتمر لوزراء الخارجية في منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة وكانت الحكومة اليمنية برئاسة الأستاذ محسن العيني تعد نفسها لحضور المؤتمر ، إذا تلقت الدعوة رسمياً وعوملت اليمن كغيرها من الدول المشاركة بوفدها الرسمي، ووافقت المملكة على تلك المطالب، وأصبح هذا التصرف بداية للاعتراف بالجمهورية العربية اليمنية تمهيداً، فذهب الأستاذ محسن العيني مع وفد كبير لحضور المؤتمر بعد أن تأكد من المعاملة اللائقة به كرئيس حكومة معترفٍ بها، وكانت فرصة لمواصلة الحوار مع الإخوة السعوديين مباشرة، وتم الاتفاق على المصالحة الوطنية،كما ورد في كتابه" خمسون سنة فوق الرمال المتحركة" هذه هي المرحلة والدور الذي قام به الأستاذ محسن العيني في المصالحة الوطنية بعد ذهابه إلى السعودية ومواصلة الخطوات التنفيذية لما تم الاتفاق عليه ، وكذلك حواره مع الشباب وبعض من الإخوة الضباط الذين كانوا يحتاجون إلى طمأنتهم بالمحافظة على الثورة وأهدافها، وكان الأستاذ محسن العيني قديراً في حوراه ونجح نجاحاً كبيراً في تلك المهمة ، لكن المرحلة السابقة التي كان بفضل تنظيم الضباط الأحرار،والمصالحة الوطنية والسلام تحققا بجهود القيادتين السياسية والعسكرية و"المطبخ الكبير" الذي أنجز تلك المهمة الصعبة ، وهناك جهود كبيرة وعمل سياسي قامت به شخصيات سياسية من الوطنيين، في مقدمتهم العميد يحيى المتوكل الذي كان حلقة الوصل بين الحكومة والمملكة، وكان يتمتع بثقة الجميع في القيادة السياسية والعسكرية لمواقفه الوطنية وإخلاصه لدوره الكبير في الثورة والدفاع عنها، وكذلك التوجه الصادق في تحقيق السلام والمصالحة الوطنية، لكن السلام والمصالحة الوطنية نجحت بجهود قيادة موحدة الرؤى والمواقف كانت ممثلة بفخامة الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني وأعضاء المجلس الجمهوري وكبار الضباط والمشائخ الذين ذكرتهم.
اعتراف السعودية
بعد إعلان البيان الشهير، بيان جدة ، الذي تم الاتفاق فيه على المصالحة الوطنية التي رعتها المملكة العربية السعودية، وتم اعترافها بالجمهورية العربية اليمنية، عاد الوفد إلى صنعاء بعد أن أدى المهمة الملكف بها.
وتم الاتفاق على التالي:
أولاً: استبعاد بيت حميد الدين نهائياً.
ثانياً: مشاركة عدد ممن كانوا في الجانب الملكي في المجلس الوطني "البرلمان" وفي الحكومة.
وعين كل من يحيى المضواحي ، وصالح المصري ، ويحيى الضحياني ، وحسين مرفق ، ومحمد عبدالقدوس الوزير أعضاء في الحكومة،كما عين الأستاذ أحمد محمد الشامي والأستاذ أحمد محمد نعمان في المجلس الجمهوري، وعين السيد عبدالله الصعدي محافظاً لمحافظة صعدة.
ومن أهم الشخصيات المشاركة غير الوزراء الذين دخلوا الحكومة، أحمد محمد الباشا عُين سفيراً في بيروت، وكذلك محمد علي إبراهيم سفيراً في إيران، والسيد هاشم بن هاشم سفيرا ًمتجولاً.
وبهذا الاتفاق أقفلت تلك الصفحة المحزنة والمؤلمة في تاريخ الشعب اليمني، واعترفت المملكة العربية السعودية بالجمهورية العربية اليمنية، وتعاقبت الاعترافات من الدول العربية والإسلامية والأوروبية التي تأخرت عن اعترافها بالجمهورية العربية اليمنية، وبعد أن أكدنا على مصداقيتنا على القرار الحر المستقل حينما أعدنا علاقتنا مع ألمانية الغربية عام 1969م، وكان هذا موضوع خلاف كما جاء في الجزء الأول من مذكرات الأستاذ أحمد قائد بركات وزير الخارجية السابق "أعدنا علاقتنا بألمانية الغربية حرصاً على مصالحنا الوطنية، وأن الإرادة اليمنية والقرار اليمني قرار مستقل".
فكانت هذه الخطوة من أبرز القرارات السيادية، واستطعنا أن نثبت للعالم أننا دولة حرة مستقلة، وتجاوزنا الخلافات الداخلية التي أعاقتنا في الماضي. واعترض عدد من المسؤولين على إعادة العلاقة مع ألمانية الغربية لعدم قدرتهم على فهم تلك الخطوة المهمة، ولجهل بعضهم الآخر لمفهوم العلاقات الدولية وكان أفراد منهم يثيرون المخاوف لدى الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، ويحذرون قائلين: إذا أعيدت العلاقات مع ألمانيا الغربية فسوف تسيل الدماء في الشوارع، وكانوا يثيرون المخاوف من دون وعي، ولا يدركون أن إعادة العلاقات مع ألمانية الغربية هي رسالة للدول المتحفظة على الاعتراف بالنظام الجمهوري، وأنها خطوة نحو السلام، وقد ذكر الأستاذ بركات في مذكراته:
أن الرئيس القاضي عبدالرحمن استدعاني وكان في اجتماع كبير وجرى نقاش مع عدد من المسؤولين وسألني عن صحة ما يقوله بعضهم:
من أن الدماء سوف تسيل في الشوارع، أجبته وهمست في أذنه، فقلت: أعيدوا العلاقة مع ألمانية الغربية، وأنا أتحمل مسؤولية، وإذا سال دم "أحد" في شوارع صنعاء فأنا أتحمل مسؤولية دمه، وأتحمل المسؤولية كاملة، أرجو ألا تترددوا في إعادة العلاقة مع ألمانيا.
هذا ما كتبه أحمد بركات بأني همست في أذن الرئيس. لأن الأستاذ أحمد بركات لا يعرف ما قلت له، أما ما دار في الهمس فقد قلت له: إذا سالت قطرة دم في شوارع صنعاء فإني أتحمل مسؤوليتها، وبهذا القرار السيادي حصلت اليمن على عدد من المشاريع التنموية والاقتصادية، ومنها سفلتة طريق صنعاء- تعز ومطار صنعاء الدولي المجهز بأحدث الوسائل.
وكنا قلقين من ردة الفعل المصري ومن لقاء الرئيس جمال عبدالناصر في المغرب، لكننا وجدناه سعيداً بما عملناه خلال استقبال الرئيس القاضي له في المغرب ، وقال : لقد عملتم أفضل خطوة وهي إعادة علاقاتكم بألمانيا الغربية، وفتحتم لي طريقاً لكي أسعى إلى إعادة علاقتنا معها، ومع دول الغرب لكي لا تنفرد إسرائيل بتلك الدول، وتؤثر في موقفنا بمواجهة إسرائيل. هذا الرد أسعدنا وأزال التخوف الذي كنا نتوقعه من الرئيس جمال عبدالناصر.
وفور اتفاق جدة كلفني القاضي بالنزول إلى مطار عبس، لاستقبال العائدين من الوزراء وأعضاء المجلس الوطني، وهو مطار ترابي يصلح لنزول طائرات النقل الصغيرة "الدكوتا"وعدت بهم جميعاً إلى صنعاء.. واستقبالهم يعد حينها مغامرة ، ولا سيما أن المستقبل هو رئيس الأركان الذي يستقبل قادة الملكيين ، لكن استقبالي لهم كان يؤكد حسن النية، أردنا أن نقول بأن العسكريين الذين تتخوفون منهم قد جاء رئيس أركانهم يستقبلكم لكي يطمئنوا بأن الجمهورية دولة تحترم الاتفاقيات والعهود.<