صالح المقبلي
نعرف أن هناك فساداً قائماً، وأن هناك مفسدين محترفين، نعرف كذلك بعض أهم آليات الفساد وبعض أهم وسائله، ونعرف أيضاً ساحات فساد المفسدين، وحدود تلك الساحات التي لا يسمح باللعب عندها.
لكنها المرة الأولى التي نرى فيها مفسدين يقتربون بهذه الجراءة من تلك الحدود المحرمة، وهي المرة الأولى التي نرى فيها هؤلاء المفسدين يستمرون بهذه الكيفية هذا الوقت الطويل من الزمن.
صحيح إنها المرة الأولى التي نسمع فيها عن فساد من نوع آخر يستطيع مرتكبه أن يظهر ثلاثين شيكاً أو عشرين شيكاً في كشف البنك في حين لا يعرف المختصون والمعنيون عنها شيئاً أو فساد من نوع صرف مبالغ بعشرات الملايين تقول الجهة المعنية الأولى مقدماً أنها ترفض صرف المبلغ لأنه سبق وأن صرفته للمستحق نفسه ولنفس المشاريع.
وهي المرة الأولى التي نسمع فيها عن فساد من نوع صرف مستحقات موظفي جهة لموظفي جهات أخرى "خاصة وعامة" أو لمواطنين غير موظفين في أي جهة أو فساد من نوع شراء سيارات غير خدمية من موازنة سلطة محلية أو من نوع تأثيث مكاتب مؤثثة حديثاً ينتهي الأمر بإتلاف نصف الأثاث القديم والجديد واختفاء ما يزيد عن نصف الأثاث الجديد "الجديد".
لكن الصحيح أيضاً أنها المرة الأولى التي نسمع فيها عن مفسد يطلب بل ويأمر ولكن شفوياً بأن تستكمل إجراءات الدورة المستندية لصرف مستحقات سبق وأن قطعت شيكاتها وظهرت في كشف البنك، كما أنها المرة الأولى التي أرى فيها الاعتماد على تنفيذ تلك الأوامر المرعبة على القلة ممن تبقى من الموظفين الرسميين وعلى الكثرة من المتعاونين الذين لا يملكون أي صفة قانونية والذين استقدموا أساساً من قبل المفسد لتنفيذ هذا الغرض.
كما أن الصحيح أيضاً أنها المرة الأولى التي أسمع وأرى فيها مفسداً يمارس أولاً بأول عملية إخفاء وإتلاف الوثائق الخاصة بالصرف التي تدينه وأرشفة بقية الوثائق التي تدين في أسوأ الأحوال غيره بغض النظر كان ذلك الغير مسؤول أكبر أو موظفاً أصغر أو حتى متعاوناً جاء به.
وهي المرة الأولى التي أسمع فيها وأرى مفسداً توزع السيارات التي صرفها على معظم العناصر المكلفة بالدفاع عنه والتغطية عليه، وهي المرة الأولى التي أرى فيها مفسداً يواجه تقارير الجهاز بمخالفاته بهذه الجراءة وبهذه القوة التي تعتمد على نوع من "اللوبي" المنتشر في مراكز صنع القرار إلى درجة أنه قادر على إسكات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في أفضل الأحوال، أما في أسوأها فهو قادر على نسفه ونسف القائمين عليه إذا ما استدعى الأمر ذلك.
إنها المرة الأولى التي أعيش فيها مع مفسد ما أن سمع عن تخفيض الدولة لمخصصات الإضافي والمكافأة بنسبة خمسين في المائة حتى استولى على ما تبقى لي ولغيري من الموظفين من ذلك المخصص للثلاثة الأشهر من العام 2009م.
صحيح أنها المرة الأولى التي أرى فيها ظاهرة فساد شبيهة بتسونامي تجتاح المالية لكن الصحيح أيضاً أنها ظاهرة نادرة الحدوث.<
