;

أوراق من ذكرياتي ..الحلقة «36» 743

2009-03-10 05:58:17

كان نزولي إلى عبس مغامرة لأنني مؤمن بالسلام وإذا أعيدت اللحمة اليمنية وأصبح أبناء اليمن في حالة من الوئام، فإن التضحية واجبة لغاية كبيرة وعظيمة وهي السلام والانتصار للثورة والجمهورية.

كانت عملية السلام صعبة وشاقة، بذلنا فيها جهوداً كبيرة، وعملنا على تكثيف المحاضرة والقاءات والاجتماعات في المعسكرات والوحدات، لكي يطمئن الجميع بأن الثورة راسخة رسوخ الجبال، وأن الجمهورية والنظام الجمهوري ثابتان إلى الأبد، وأن النصر تحقق على ايادي رجال اليمن من عسكريين وأمنيين وسياسيين ومشائخ وقوات شعبية وفي مقدمتهم الشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم في ميادين القتال، إن السلام لم يأت من فراغ، قد تحقق بعد سبع سنوات من الحرب الشرسة، ومات الرجال من الأبطال وضحت اليمن بأبنائها وبأموالها في سبيل تحقيق الانتصار، وفي سبيل تحقيق السلام، وضحى معنا رجال الجيش المصري الذين استشهدوا في سبيل ثورتنا وجمهوريتنا، ولولا ذلك الدعم السخي منذ السنوات الأولى من قيام الثورة لكان الوضع مختلفاً عما نعيشه اليوم، ولكانت اليمن ما تزال تعيش في عهود القرون الوسطى.

مرحلة السلام

إن السلام بأبعاده وهمومه واحتياجاته ومتطلباته قد مثل مرحلة مهمة جداً من تاريخ اليمن، ووقع فيها كثير من الإشكالات والتعقيدات والمطامح، فكان التوجه في أيام الحرب نحو هدف واحد هو حماية الثورة والجمهورية، أما مرحلة ما بعد مرحلة السلام فكان فيها عدد من السياسيين والساسة الذين بدؤوا يفكرون في مكاسب وفي مصالح وفي مواقع داخل السلطة، وكذلك الحزبيون، وظهرت قوى كبيرة طامحة، فالمشائخ يريدون أن يكون لهم نصيب في الوضع الجديد، والعسكريون هم الذين ثبتوا في مواقعهم وفي وحداتهم وفي قياداتهم ، وهمهم بناء القوات المسلحة، ولديهم وعي ما قبل الثورة وما بعدها: إن واجبهم الاهتمام ببناء القوات المسلحة التي تحمي الوطن وتحمي السيادة وتحمي الكرامة،وتركوا المناصب القيادية من 1967م، وتحديداً بعد حركة 5 تشرين الثاني/ نوفمبر اصبح الحكم مدنياً 100% ، وكان العسكريون يقاتلون في الجبهات ويبنون وحدات عسكرية، ويؤهلون الضباط في دورات تدريبية في الخارج، لكي يطوروا قدراتهم العسكرية لحماية وطنهم والدفاع عنه.

هذا نهج ثابت للقادة العسكريين قبل الثورة وبعد الثورة، بأن تكون المراكز الحكومية للمؤهلين من رجال الدولة، ويكون دورهم في صناعة القرارات الوطنية، التي تحافظ على سيادة الوطن ، وعلى سير خطى الثورة، وكان العسكريون يهتمون بدعم التحرك السياسي للدولة في الاتجاه الوطني.

والهدف هو أن تتحول السلطة إلى دولة مؤسسة مدنية يمثلها المجلس الجمهوري ومجلس الشورى وحكومة شرعية.

فالمجلس الوطني ، تم اختياره من رجال الحل والعقد "في المرحلة الأولى" قبل المصالحة الوطنية.

والدولة يجب أن تكون دولة مؤسسات فيها رئاسة الدولة والحكومة ومجلس شورى ، ويمكن لأي باحث أن يتوجه بسؤال مفاده: هل كان لدى الثوار تفكير أو برنامج أو خطة لبناء دولة مؤسسات ما بعد الثورة؟ وأجيب عن هذا السؤال ، إن التفكير جاء متأخراً بعض الوقت ، كيف نبني المؤسسات ؟ كيف يكون برنامج الحكومة؟ وما برنامج الدولة؟ وسياستها لبناء دولة مؤسسية تحكمها مؤسسات دستورية، ويكون لها دستور دائم، ويكون للقوات المسلحة دورها ومهامها المحددة والمجالس الأخرى والمجالس النيابية والمجلس الجمهوري والحكومة لها مهامها وواجباتها؟.

وبكل تأكيد فقد أصبح الاتجاه الوطني بعد الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1967م هو بناء دولة المؤسسات، وكنت أتمنى أن تستمر هذه الخطوة في بناء المؤسسات الدستورية،وعدم قيام أي حركات أو انقلابات تؤثر أو تلغي السلطة الشرعية ، وكنت ممن لا يقبل أن تمس السلطة الشرعية،وأن التغيير يتم من خلال المؤسسات الدستورية.

وكان هذا القرار هو موقف القيادة السياسية الممثلة في المجلس الجمهوري، وكبار المشائخ والقادة والعسكريين .. بعد أن أصبح القرار لا يعيقه المواقف المؤسفة لبعض المعطلين لحركة السلام وبناء المؤسسات الدستورية.

الاحتراف

إن مهمة القوات المسلحة في كل جيوش العالم المتحضرة هي الاحتراف ، وأن تبقى حارسة للوطن محافظة على السيادة ومحترمة للشرعية الدستورية،هذه هي النظرة الحضارية، وطموحنا وأملنا الذي كنا نريد له أن يستمر وتستمر اليمن في هذا الاتجاه، وأن يكون التغيير وانتقال السلطات من خلال المؤسسة الدستورية. وقد أكدت على هذا الموضوع في صحف محلية وخارجية ، وأكدت أن التغيير يجب أن يكون من خلال المؤسسة الدستورية. ذكرت ذلك في صحيفة السفير اللبنانية مع الصحفي المرحوم جلال كشك. حينما زار اليمن عام 1973م وسألني عن دور القوات المسلحة قلت له : إن القوات المسلحة تعرف واجباتها ومسؤولياتها، وكنت في منصب رئيس أركان، وكان يمكن أن أتظاهر بالنرجسية بحكم موقعي القيادي لكني قلت له نحن حماة لهذا الوطن وحماة الشرعية الدستورية والقوات المسلحة، ونحن نبتعد عن التدخلات في الأعمال السياسية والمدنية والقوات المسلحة تحمي الوطن، وحامية للدستور وحامية لسيادة البلد.

الوضع الجيد بعد المصالحة الوطنية أتاح الفرصة للقوى السياسية أن تشارك في مجلس الشورى المنتخب من رجال الحل والعقد في كل محافظة، وخصصت عدد من المقاعد في مجلس الشورى للإخوة أبناء الجنوب النازحين، لأن دولة الجمهورية العربية اليمنية مؤمنة بالوحدة في كل وثائقها ، وتمسكت بتسمية محددة ، هي جنوب الوطن في تلك المرحلة وبعد الاستقلال ، ولأن الوحدة في ضمير الشعب اليمني، والقيادات السياسية المتعاقبة لا تستطيع أن تتجاهل الوحدة في كل وثائقها الداخلية والخارجية، ومن لم يؤكد ذلك يعد خائناً وخارجاً عن الولاء الوطني، وهناك كثير من القيادات والشخصيات التي كان لها دورها ولها رغبتها وطموحاتها بأن تثبت وجودها في العمل السياسي.

وكان مجلس الشورى يضم عدداً من الشخصيات السياسية وبعضاً من المشائخ، ومنهم الشيخ ناجي بن علي الغادر مرشحاً في اتفاقية المصالحة الوطنية بوصفه عضواً في المجلس، غير أنه لم يصل إلى العاصمة للمشاركة في أعماله. وحينما نراجع قائمة أعضاء الحكومة نجد أنها ضمت عدداً من القيادات لها أدوارها في الحركة الوطنية ومساهمتها في تثبيت النظام الجمهوري والاستقرار والمصالحة الوطنية، وسنجد الصورة واضحة بالنسبة إلى الحكومة، بما يؤكد المشاركة الفعالة ضمن مؤسسات دستورية، لكن الطموحات كانت تراود بعض الأشخاص من حين إلى آخر، ومنها إعادة النظر في تشكيل المجلس الجمهوري الذي خرج بموجبه الأستاذ أحمد محمد نعمان والسيد أحمد الشامي، وانتخب الفريق حسن العمري والشيخ محمد علي عثمان أعضاء في المجلس الجمهوري الجديد الذي كان برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني.

خروج النعمان والشامي

إن التجربة الديمقراطية في اليمن تعد تجربة جديدة بعد الحكم الإمامي الكهنوتي الفردي ، والثقافة الوطنية التي يتمتع بها بعض الساسة في القبول بالممارسة الديمقراطية كانت في بدايتها والتجربة صعبة بعيداً عن الممارسة، ولهذا بدأ الضيق بالرأي الجماعي وبالقيادة الجماعية، وبدا عدم رضا الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني عن القيادة الجماعية، وتمكن من التأثير على بعض أعضاء مجلس الشورى لإعادة انتخاب المجلس الجمهوري، واختصار المجلس من خمسة أعضاء إلى ثلاثة، وعمل على عدم انتخاب الأستاذ الكبير أحمد محمد النعمان رغم أنه رجل ديمقراطي ورجل سياسي كبير، لقد كان وراء خروج النعمان والشامي من عضوية المجلس الجمهوري، ومع ذلك بقي التباين مع الفريق حسن العمري في الآراء بعد خروجهما. وكان الرئيس القاضي يظن أن الفريق حسن العمري متأثراً بأفكار السيد أحمد محمد الشامي، وهذا غير صحيح، بل كان العكس، كان الشامي يحاول أن ينصح الفريق العمري، بتقليل انفعالاته ضد الرئيس وأن يتعاون معه لمصلحة اليمن وسلامة القيادة.

وهذا الموقف عكس ما كان يشاع أن السيد أحمد محمد الشامي يعمل على توسيع الخلاف ، وأنا شاهد في أكثر من موقف على أن هذا التصور غير صحيح ، وهذا التعديل خلق شرخاً كبيراً بخروج الشامي من المجلس الجمهوري وكذلك خروج الأستاذ الكبير نعمان فقد أخرجا بطبخة سياسية تعاون فيها بعض القيادات المؤثرة في المجلس بزعامة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس الشورى وبموافقة الرئيس الإرياني رحمه الله.<

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد