عصام المطري لقد كان ميلاد النبي الأكرم والرسول الأعظم "محمد" صلى الله عليه وآله وسلم إيذاناً بميلاد عالم جديد يهتف للكرامة والعزة على مبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف الذي فيه السعادة للبشرية جمعاء حيث أتى المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في كرامة الإنسانية المعذبة التي تلطخت بأنجاس الأوثان والإلهة التي عبدت من دون الله سبحانه وتعالى، فكان النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الرحمة المهداة إلى البشرية جمعاء وإلى الإنس والجن على حدٍ سواء قال الله سبحانه وتعالى في تأكيد هذا المعنى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، فكان المولد النبوي ميلاداً لأمة.
* ولئن كان المولد النبوي ميلاداً لأمة على وجه هذه البسيطة فإنه من الضروري استعراض الدور الذي قام به في انتفاضته على الوثنية وكافة أشكال الإنحراف التعبدي حيث صدع الرسول والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بما يؤمر والتف حوله الناس من ضعفاء وبسطاء القوم في الجاهلية الأولى في مكة المكرمة حيث حمل لواء الإسلام بلال بن رباح وغيره من العبيد الضعفاء كأمثال عمار بن ياسر الذي أصبحت أسرته ضحايا الإعلان عن الدين السماوي الخاتم، وكانت أمه أول شهيدة في الإسلام إذ قاسى المسلمون الأوائل ويلات التعذيب، والتجني الآثم، والتعنت التعسفي فعاشوا حياة أشبه بالموات إلى أن كتب الله سبحانه وتعالى الهجرة لنبيه، وهاجر إلى المدينة هو والمستضعفون واستطاع أن يؤسس لدولة إسلامية فريدة نشرت الرحمة والعدل والمساواة.
* ولأن المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم من أهم محطات التغيير للبشرية جمعاء فإنه من الواجب الإلزامي علينا أن نستشف من مآقيه العذبة زلالة الدروس وجملة العبر على شاكلة الدلالات والمعاني، فعام الفيل الذي وافق مولد الهادي الأمين عندما أتى أبرهة الأشرم الحبشي لهدم الكعبة في أعظم إمبراطورية آنذاك قال جد الهادي الأمين: "أنا رب إبلي وللكعبة رب يحميها"، فكان أن أرسل الله سبحانه وتعالى طيراً أبابيل ترمي أبرهة الأشرم الحبشي وجيشه بحجارة من سجين، وقد صور القرآن الكريم هذه الواقعة أبلغ تصوير حينما قال الله سبحانه وتعالى في ذكر الآيات المبين: "ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصفٍ مأكول".
* والدلالة التي لا تخطئها ملاحظة الحصيف هي أن المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأبلغ التسليم كان ميلاداً واقعياً للنور والهداية، والابتعاد عن الضلال، فقد كان إيذاناً بميلاد عهد جديد من الحرية والانعتاق من الطواغيت،وميلاداً لقيم التآخي والمساواة الاجتماعية والعدل وتحرير الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب الأرباب، وإخراج الإنسان من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فاستطاع النبي الأمي أن يسعد البشرية جمعاء بميلاد المثل والقيم والمبادئ السماوية البديعة التي تكرم الآدمية، وتحد من تسلط الإنسان على أخيه الإنسان، وتكتب تاريخاً جديداً فيه من العدل والمساواة ما يتسع لتأليف قلوب الناس على وجه البسيطة الدولية والعالمية.
* لقد كان المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأبلغ التسليم إعلاناً جريئاً لبداية الحياة المستقيمة على هدي القرآن الكريم وتعاليم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث التحليل والتحريم، تحريم ما حرم الله من ربا وزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين والظلم والاستبداد والتسلط على الآخرين من الضعفاء والمساكين وتحليل المعروف من تجارة حلال وطاعة والدين وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإغاثة الملهوف ورعاية وكفالة الأيتام والزواج بالنساء وتكوين الأسرة المسلمة وإلى آخره من المحللات التي أحلها الله سبحانه وتعالى في كتابه القرآن الكريم وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
* ثم إن المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأبلغ التسليم كان ميلاداً للرجال الربانيين الأفذاذ الذين صهرهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في بوتقة الربانية فكانوا عظماء التاريخ صنعوا للأمة وحضارة عجز الوثنيون عن صنعها أمثال الإمام التقي الطاهر النقي حجتنا وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه في الغار، وسيدنا التقي الورع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن قوت به شوكة الإسلام والمسلمين في مكة حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يلهج بالدعاء قائلاً: "اللهم أيد الإسلام بأحد العمرين: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام"، وأمثال الخليفة الثالث الذي تستحي منه الملائكة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، والإمام المخضرم سيد بني هاشم الشجاع التقي الورع سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ثم سيدنا عمر بن عبدالعزيز بن مروان خامس الخلفاء الراشدين.
