بقلم :ممدوح طه
لا عدالة دولية في الواقع، إذا كانت أميركا وبريطانيا وفرنسا بالضغوط والتهديدات و بما تملك من قوة لإرهاب العالم تستخدم مجلس الأمن تارة أو المحاكم الدولية تارة أخرى، بلا أهلية ولا مشروعية ولا مصداقية، كوسائل لتوقيع العقوبات الظالمة الاقتصادية والسياسية على خصومها الأحرار في العالمين العربي والإسلامي دولا أو أفرادا.
وسواء باللامشروعية وبعدم الأهلية، أو بالانتقائية وعدم الاختصاص وبالقوة وليس بالقانون، أو بازدواجية المعايير، فإن ذلك لا يخالف القانون الدولي فقط، بل يمثل عدوانا عليه، ويقلب دور القضاء الدولي، من القضاء على الظلم إلى القضاء على العدالة والقانون معاً.
ويفقد هذا القضاء هيبته وشرعيته وأهليته للتصدي للقضايا الدولية والإنسانية إن ما يجري في العالم اليوم شبيه بمحاكمات «نورمبرج» ضد النازية بالأمس، مع الفارق، أن القضية كانت بين المنتصرين والمهزومين في الحرب العالمية، والتهمة كانت هي جرائم الحرب والجرائم النازية ضد الإنسانية، التي ارتكبها الطرف المهزوم فقط، بينما هذه التهمة في الواقع تطال الطرفين معا والجريمة في تلك الحرب لم يرتكبها طرف واحد، وبالتالي فالأحكام التي صدرت إنما صدرت بقانون القوة وليس بقوة القانون!
والمثير هنا، أن أكبر جريمة حرب وأفظع جريمة ضد الإنسانية وهى جريمة تدمير مدينتي «هيروشيما ونجازاكي» وقتل وتشويه مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء اليابانيين هي التي ارتكبها «المنتصرون الأميركيون» الذين كانوا على منصة القضاء، بينما «المتهمون» الذين وقفوا في القفص كمتهمين لم يحاكموا إلا لأنهم الطرف الأضعف، وحكم عليهم فقط لأنهم هم المهزومون، بينما لو كانوا هم الذين انتصروا لحاكموا من حاكموهم على جرائم ربما تفوق جرائمهم!!
غير أن الشاذ في الأمر هو أن المجرمين الذين استعمروا الأوطان وقتلوا وشردوا الملايين من العرب والمسلمين، وسرقوا ثروات الشعوب المستعمرة، والذين أشعلوا الحروب الأهلية بين الشمال والجنوب وفي الشرق والغرب بالأمس، هم الذين يجلسون اليوم بالقوة على منصة القضاء الدولي، ويريدون وضع الأبرياء في قفص الاتهام لمحاكمتهم بقانون القوة على رفضهم لمسايرتهم في جرائمهم!!
وترى غالبية الشعوب العربية والإسلامية أن الموقع الأنسب للإدارات الأميركية السابقة هو قفص الاتهام لمحاكمتهم على جرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية والانقلاب علي الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان، سواء في قصفها النووي لليابان أو في غزوها أو في حربها في فيتنام أو في غزوها لأفغانستان أو في تدميرها للعراق ودعمها للعدوان الصهيوني في فلسطين وعلى غزة وعلى لبنان..
وفي حين تصف الإدارة الأميركية الحالية الرئيس البشير بأنه «الفار من العدالة»، فلربما نسيت هذه الإدارة أن رئيسها السابق بوش وحليفه أولمرت هما الأولى بهذا الوصف، خصوصا مع بدء التحقيق البرلماني الأميركي في سياساته السابقة والتي أدت للكوارث في أميركا والعالم، ونرى أن الأجدر بإدارة أوباما الديمقراطية أن تنشغل بمحاكمة رئيس أميركا السابق على جرائمه بدلا من الانشغال بمحاكمة رئيس السودان!
ولأن «رئيس أميركا السابق» كان يعرف أنه سيكون مطلوبا للعدالة، فإنه رفض التوقيع على محكمة الجنايات الدولية فراراً من وجه العدالة، وبعدما كسرت عصاه في أكثر من مكان، بدا كمدعي قضائي دولي، وبسوء تفسير القانون الدولي باشر اختلاق التهم لمحاكمة الخصوم غير المهزومين وغير المجرمين، بلا أهلية ولا شرعية ولا مصداقية ولا إنسانية!!