;

شُبَهْ العلمانيين في عدم إمكانية تحكيم الشريعة 809

2009-03-12 04:33:18

سراج الدين اليماني

قيام الدولة بكل ما تحمل من دساتير وقوانين وأنظمة لا بد وأن يقوم على حراسة الدين وسياسة الدنيا به وما يستلزمه من تحاكم إلى ما أنزل الله في كل شؤون الحياة هو أمر له ارتباط وثيق بتوحيدالله تعالى الذي كان إلى وقت قريب بديهياً في عقول المسلمين وضرورة لا تنفك عن الدولة الإسلامية، ولكن هذا الأمر البديهي العقائدي المحكم قد صار اليوم موضع جدل وممارات، وأصبح مجالاً للأخذ والرد، حتى انتهى الأمر بالعلمانيين أخيراً إلى الرفض المطلق للشريعة الإسلامية وحاكمية الله تعالى بين البشر، وراحوا ينتحلون لذلك بعض الحجج والمبررات حتى استطاعوا أن يجعلوا من هذا الزيف مدرسة وفكراً وينشئوا عليه أجيالاً من الناس لا تعرف من دينها إلا هذه الشبهات خاصة مع حرص العلمانيين على التظاهر باحترام المقدسات الدينية والغيرة على الدين من أن تكدره ألاعيب السياسة كما يزعمون وحرصهم في الوقت نفسه على الهجوم الشرس على رموز العمل الإسلامي ودعاته وإلصاق التهم به كتهمة الإرهاب والتطرف وتوظيف الدين لتحقيق مآرب سياسية ونحوها حتى أوجدوا حاجزاً من الكراهية بين العلماء وبين عامة الناس.

وهنا بعض الشبه التي يثيرها العلمانيون والحداثيون وغيرهم حول تحكيم الشريعة الإسلامية والتي بدورها تقف عائقاً وسداً منيعاً في طريق تحكيم الشريعة الإسلامية في الدول التي تنادي بالعلمانية من على المنابر الحكومية.

سوف نعرض أهم ما تقذف به العلمانية من شبه في طريق تحكيم الشريعة الإسلامية، ومن ذلك قولهم بعدم إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية والتحاكم إلى ما أنزل الله تعالى، وأخذوا يبررون ذلك بعدة مبررات يمكننا استعراض أهمها والرد عليها في الفروع التالية:

الفرع الأول قولهم: "بأن تحكيم الشريعة الإسلامية يقعد بنا عن ملاحقة التطور، وذلك لأن الشريعة أساسها الدين، وهو ثبات لا يتغير بينما الحياة في تغير دائم فأنى للجامد أن يحكم المتغير؟

جواباً على ذلك أن هذه الشبهة تقوم على محورين:

1 ثبات أحكام الشريعة فلا مجال فيها للتجديد بوجه من الوجوه.

2-0 تطور أوضاع الحياة فلا مجال فيها للثبات بوجه من الوجوه.

وكلا الأمرين في إطلاقه على هذا النحو باطل، فأحكام الشريعة الإسلامية منها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير، وأحوال الحياة البشرية أيضاً منها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير وتفصيل ذلك كما يلي:

1 بالنسبة لأحكام الشرع الإسلامي ففيها ما هو ثبات لا مجال للتغير فيه وهي الأحكام التي تتعلق بأصول العقائد وأصول العبادات وأصول الأخلاق، فالإيمان بالله ورسوله وإخلاص العبادة له والكفر بما يعبد من دونه ثوابت لم تتغير منذ آدم عليه السلام وستظل إلى قيام الساعة قال سبحانه: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" [النحل: 36"، وكذلك ما يتعلق بأحوال المبدأ والمعاد وأصول العبادات وقواعد الأخلاق ثابتة إلى يوم القيامة، فتحريم الزنا والربا والخمر والسرقة وغير ذلك مما علم تحريمه من الدين بالضرورة من الثوابت التي لا يمكن أن تكون حلالاً في وقت من الأوقات، وكذا وجوب الأمانة والصدق والوفاء والعدل وغيرها من الفضائل التي هي كذلك معلومة من الدين بالضرورة لا يمكن أن تكون في وقت من الأوقات من الرذائل التي يحذر منها، فلا يمكن للحياة أن تصلح إلا بتثبيت هذه المجالات لتكون إطاراً للبشرية يمثل وحدة عقدية وتعبدية وسلوكية تنظم حياة البشرية.

أما أمور المعاملات في جوانبها المختلفة من مدنية وجنائية ودستورية ونحوها:

فمنها ما هو ثابت محكم وهو الأسس والمبادئ والقواعد الكلية كمبدأ الحاكمية المطلق لله ومبدأ الشورى في الحكم ومبدأ العدالة ورفع الضرر وغير ذلك، والتي تشكل الأطر العامة التي جاءت بها الأدلة القطعية ثبوتاً ودلالة ولا مجال للاجتهاد فيها.

ومنها ما هو مرن متجدد وهو ما يتعلق بالفروع والجزئيات والتفاصيل المتعلقة بالكيفيات التطبيقية والإجرائية والتي تخضع لظروف وأحوال البشر في كل عصر وفقاً لضوابط الشرع العامة.

ب- بالنسبة لأحوال البشرية وأوضاعها فإن فيها أيضاً ما هو ثابت وما هو متغير، وكذلك حاجات البشر ومصالحهم منها ما هو ثابت محكم ومن أمثلة ذلك الحفاظ على الضرورات التي لا تستقيم الحياة البشرية إلا بها وهي ضرورة حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل والتي تسمى بالضرورات الخمس، ومنها ما هو متجدد ومتغير وهي التحسينات المتعلقة بطريقة الع9يشس والاتصال والعلاج ونحو ذلك، وهذه سنة من سنن الله في الحياة وإلغاء منطقة لحساب الأخرى تعسف للبرهان ومكابرة للواقع، وبهذه يظهر لنا بطلان إطلاق الثبات على الأحكام الشرعية والتعبير في حياة البشرية دون التفصيل السابق.

ثانياً: إن دعوى عدم صلاحية الشريعة للتطبيق في هذا العصر بحجة أنها قديمة دعوى لا تنهض على دليل علمي أو منهجي، فمن المعلوم أن مجرد قدم الأشياء لا يدل على عدم صلاحها أو انسجامها مع مقتضيات العصر أو الواقع، وليس واجباً أن تكون حداثة الأشياء دليلاً على صلاحها وسلامتها.

ودليل ذلك أن العقل البشري يقرر أن الكون يتألف من محاور ثابتة وقديمة لا تتبدل ولا تتغير ولو تبدلت هذه المحاور كحركة الشمس أو القمر أو بعدها عن الأرض أو غيرها من الثوابت الكونية لفسدت الحياة، وهذا الثبات لا يوصف بالتخلف والجمود رغم كونه قديماً لأنه حفظ مصالح الأفراد والحياة البشرية.

ثالثاً: إن الشريعة الإسلامية وإن كانت ثابتة الأصول والأهداف إلا أنها تتميز بالمرونة والسعة في الفروع والجزئيات كما سبق، ويدل على هذه المرونة ما يلي:

1- إن مصادر الأحكام الشرعية الأصلية المتمثلة بالكتاب والسنة يقف إلى جانبها مصادر أخرى فرعية كالإجماع والقياس والاستصلاح والاستحسان والعرف، وكلها مصادر تمدنا بالأحكام اللازمة لمواجهة الوقائع التي لم يرد بها نص خاص يتناولها وبها يحكم على النوازل الطارئة والوقائع المعاصرة في ضوء المصادر الأساسية.

2- إننا إذا تتبعنا أسلوب الشريعة الإسلامية في تقرير الأحكام الشرعية نجد أن الشريعة نوعين من الأحكام.

أ- أحكم تفصيلية: وهي المتعلقة بالعقيدة والعبادات والعقوبات الشرعية المقدرة ونحوها من القضايا التي لا تقبل التبديل أو التغيير بتبدل الزمان وتغير المكان كما أسلفنا.

ب- أحكام كلية عامة: جاءت على شكل قواعد ومبادئ عامة لا يمكن أن تضيق بحاجات الناس ولا يمكن أن تعجز عن الوفاء باحتياجات البشر على اختلاف العصور والبيئات.

وهذا ما سيأتي في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد