نبيل مصطفى الدفعي
ذهبت مع أحد الأصدقاء إلى إحدى المناطق التي تكتظ بحركة البناء للعمارات والفلل المتعددة الطوابق ووقفت اتفرج على بناية مؤلفة من ثمانية طوابق والتي لم يبقى لإنجازها إلا اللمسات الأخيرة وقد لاحظني مالك العمارة وعرفني بنفسه وقال لي "اترى يا أخ قلة حظي؟ لقد حاولت جاهداً أن أنهي البناية قبل انتهاء أيام البرد الشتاء ولكنني لم أستطيع ويا للأسف".
لقد صدمني كلامه فقلت في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله، يا عالم رجل يمتلك ملايين الريالات وصحته كالحصان، ولا ينقصه من مباهج الحياة أي شيء، ومع ذلك فهو يشكو قلة الحظ لأن أيام البرد "الشتاء" ستفوت قبل أن ينهي العمارة فهو متفق مع جهة معينة لتأجير العمارة أي أنه سيخسر وستفوته بالتالي بعض الألوف التي يكدسها فوق ما يكدس من أموال! وأخذت اتطلع إلى هذا الرجل الجشع تارة وإلى العمارة التي يمتلكها تارة أخرى، فعجبت لمفارقات الدهر، رجل يندب حظه رغم ثرائه لأنه لن يؤجر وستفوته الفلوس بينما كثيرون من الناس يعيشون بالسراج والفتيل والمصباح في بيت حتى من الخشب "صندقة أو عشة" يقيمون فيها فلا يجدون ومع ذلك فمن النادر أن تسمعهم يلعنون الحظ أو يتذمرون!
هذا هو الحظ كما يعتقد البعض، ترى الحظ ما هو؟ وما تأثيره في الناس؟ وإلى أي حد يستطيع أن يرفع ويخفض، يعلي وينزل، يسعد ويفقر وإلى أي حد يصح فيه القول "قليل من الحظ ولا كثير من الشطارة"؟
قبل كل شيء أنا شخصياً لم أكن في يوم من الأيام على وفاق مع الحظ.
فبيني وبينه ما بين الماء والنار، والقط والفأر، من المستحيل أن يجمع الدهر بيننا.
وقد كان الحظ وما زال بالنسبة لي مثل ظلي كلما حاولت اللحاق به ابتعد عني وهرب، ولم استطع أن التقي به مرة واحدة في الحياة، ومع ذلك اتحدى أياً كان من أهلي وأصدقائي أن يكون قد سمعني ألعن الحظ لأني لم أصبح من أصحاب الملايين أو أعتب على الدنيا لأنها لم تجعل مني زعيماً يشار إليه بالبنان، بعض الناس إن أخفق في عمل أو خسر في تجارة أو رسب في امتحان ولم يحصل على شيء عزا الأمر إلى الحظ وأخذ يلعن ويشتم وأنا لست أذكر أنني أخفقت في أمر من الأمور أو عجزت عن الوصول إلى أمنية وددت تحقيقها إلا وعزوت ذلك إلى تقصير وكسل.
هل سمعتم أن تلميذاً رسب في الامتحان إلا لأن الأسئلة كانت صعبة ومن خارج المقرر وعن عامل طرد من عمله في الشركة إلا لأنه كان متكاسلاً ومتغيباً عن عمله؟ هل سمعتم أن مرشحاً في الانتخابات سقط إلا لأن أهله خانوه وأصدقائه "باعوه" والحظ أسعد خصمه؟ فهناك كثيرون ممن يملأون الدنيا ضجيجاً وصخباً لأن الحظ مسهم فحولهم من حال إلى حال، لكنني لم أرَ في حياتي رجلاً استطاع الحظ أن ينال من رجولته أو أن يحول دون طموحه، أنا من المؤمنين بالجد والعمل ولئن كان الحظ يسعد بعض الخاملين فيرفعهم فإنه ليعجز عن أن يسيء إلى الجادين والمجتهدين فينزل بهم إلى الحضيض.
ولئن كان الحظ يستطيع أن يهب لأحد ثروة غيرت منظره فأنه لا يستطيع أن يسلب أحداً ما وهبه الله من تفاؤل وطمأنينة ونظرة جميلة إلى الحياة، والله من وراء القصد.