نبيل مصطفى الدفعي
القارئ للتاريخ العربي يلفت نظره طائفة كبيرة من النساء كان لها من الشهرة ما لكبار الرجال، وقد اعترف لها المؤرخون بعظمة النفس والرقي والطموح والدهاء، ونقلت الكتب أخبارها بروعتها وأثرها البعيد إلى هذا الجيل، وليس في ذلك شيء من الغرابة، فالمرأة العربية في الزمن الذي غبر شابهت الرجل في الشجاعة والرأي والأدب والشعر ورافقت الجيش إلى ساحات الشرف، تحرضه على القتال والدفاع وتخوض الغمرات وراء أبيها وأخيها وزوجها وهي تحمل لهم السهام والماء وبعض آلات الحرب وتكون عيناً لهم على العدو.
فقد نبغ بين عشائر العرب قبل الإسلام نساء كان لهن شأنهن في قيادة الشعوب وملكات رفعهن الأقدام والجرأة وبعض النظر والترفع عن العار، إلى قمة العظمة والمجد، خذ لك مثلاً الملكة خلدو زوجة الحارث الرابع ملك الأنباط العرب الذي كان دولتهم في الجنوب الشرقي من الأردن وعاصمتها بتراء البتراء.
وهذه زينب ملكة تدمر كان زوجها أذينة الثاني من عمال الرومان، فلما مات في الربع الأخير من الجيل الثالث خلعت طاعة روما وأمرت قوادها فزحفوا إلى النواحي الأربع من هذا الشرق وحذوا رواق ملكها من البحر المتوسط إلى حدود فارس.
وبلقيس الفتاة اليمنية التي وثبت إلى عرش حمير في الجيل الرابع، لقد انحنى لهذه الفتاة أمراء البلاد وقوادها وأصحاب الرأي فيها وخضعوا لسلطانها خضوعاً لا رياء فيه وهم مؤمنون بأنها أجدر بالتاج من أبناء الأسر التي حكمت اليمن وبسطت ظلها على الحجاز وحضرموت وتهامة ونجد. . وهناك نساء كثيرات قبل الإسلام لهن الجاه العريض والمقام الرفيع في دول العرب كما كانت لهن حكمة الشيوخ الذين خبروا الدنيا وتمرسوا بالمجن من بني النساء اللواتي اشتهرت في صدر الإسلام بثبات العزيمة ومتانة الخلق هند بنت عتبة أم معاوية بن أبي سفيان، وأم حكيم بنت عبدالمطلب وسفانة بنت حاتم الطائي وكبشه بنت معدي كري وقد عرفت كبشه بالشجاعة والاستهانة بالموت وغيرهم وأسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير بن العوام وأخت عائشة زوجة النبي، إنك لتقرأ في التاريخ عن عظمتها وعزتها وحزمها وعائشة بنت طلحة كانت حفيدة أبي بكر وزوجة لمصعب بن الزبير ولم يكن في نساء العرب أكرم خلقاً منها وأحسن وجهاً لا تخفي وجهها ولا تستر في الخدر نعتها مصعب فقالت له: إن الله وسمني بحسن جمال، أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضله عليهم عز وجل، فما كنت لا ستره والله ما في وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد. . والخنساء الشاعرة كانت قد أطلت على السبعين في حرب العراق، فلما تلاحمت السيوف يوم القادسية وهي مع بنيها الأربعة أوصتهم بأن يقتحموا الخيل ليكونوا قدوة لأفراد الجيش، فأقدموا يدفعون الرجال فقتلوا فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وخولة بنت الأزور الكندي التي شهدت مع أخيها ضرار فتح الشام وخاضت المجال مع الرجال لا تبالي الموت، إنك لتجد في كتب العرب جماعات من النساء كن في فعالهن أبعد أثراً من الرجال فغدون مفاخر يشهد التاريخ لهن بالتفوق ويخلد أسماءهن على مر الأجيال.