فؤاد قنة
نتحدث في هذه الحلقة السادسة ما أوردته صحيفة "الوطن" الكويتية على أن الأميركان هم من دعموا الثورة الإيرانية بقيادة الهالك الخميني، والدور الذي قام به سفير أميركا في طهران في إقناع قادة الجيش بعدم مقاومة الثورة والحياد في ذلك وتمت الرغبة الأميركية في عدم الزج بالجيش في الخصومات السياسية.
وإنهار نظام الشاة المخلوع بسبب حيادة الجيش في ذلك وانتصرت الثورة المجوسية، كما نستعرض بعض مواقف مسؤولين الأميركان وتأييدهم للثورة، ومن هؤلاء المسؤولين الرئيس الأميركي "كارتر" حيث صرح بأنه يؤيد نظام الخميني، وكذا تصريح وزير الدفاع الأميركي بأن أميركا أقامت علاقة مع الخميني، وكذا تقرير مساعد وزير الخارجية الأميركي الذي ألقاه في مجلس الشيوخ أمام لجنة شؤون الشرق الأوسط.
حيث قال: "إن المصالح الأميركية لم تتغير في إيران ولنا مصلحة قوية في أن تبقى إيران دولة حرة مستقلة"، وكذا تعليق بوش على خطة كارتر في إسقاط نظام الشاه وتأييد نظام الخميني حيث قال بوش: "إن الرئيس كارتر أعطى المخابرات الأميركية كلمة السر وهي تدمير نظام الشاه وتأييد نظام الخميني".
"صحيفة الوطن" الكويتية:
كشفت عن أسرار فشل محاولة عسكرية دبرها الجيش الإيراني تستهدف سحق حركة الخميني وكانت مقررة ليل 11 شباط.
قالت "الوطن" في تقرير سري لها نقلاً عن سفير لدولة من دول أوروبا الغربية في بيروت: "إن الولايات المتحدة بالتحديد هي التي طلبت من كبار قادة الجيش وجنرالاته اتخاذ هذا الموقف في اللحظة الأخيرة، وأن الخارجية الأميركية أبلغت سفيرها في طهران "سوليفان" أن يسعى بالسرعة القصوى إلى إقناع كبار الجنرالات بعدم الإقدام على أية خطوة تصعيدية وإعلان جانب الحياد في الخصومات السياسية.
فعلاً وبعد ثورة سلاح الطيران، أمر الجنرال قرة باغي في بيان لقواته بالعودة إلى ثكناتها وتفادي المزيد من العنف وإراقة دماء جديدة، وفي اليوم نفسه 14 شباط الماضي اجتمع كبار الجنرالات وقادة الجيش وأصدروا بياناً جاء فيه: "للحيلولة دون انتشار الفوضى ولمنع إراقة الدماء قرر المجلس الأعلى للجيش الاحتفاظ بحياده بمنأى عن الخصومات السياسية الحالية، ولهذا السبب يعطى أمراً لكافة الجنود بالعودة إلى ثكناتهم ووحداتهم".
وقال السفير: إن سبب هذا الإجراء خطورة استمرار الصراع بين الجيش والشعب والخوف من تغلغل اليساريين المتطرفين واستفادتهم من الصراع القائم بين الجيش وأنصار الخميني، والاحتفاظ بقوة الجيش ليلعب دوراً مستقبلياً كذلك الدور الذي لعبه "سوهارتو" في أندونسيسيا والجنرالات في تشيلي بعد أن أطاحوا بالرئيس التشيلي الراحل "سلفادور أليندي"، وأضاف السفير الغربي: إن الانقلاب العسكري تلجأ إليه الولايات المتحدة إذا أفلت أمر الثورة من يدها وعجزت عن احتوائها.
فكارتر ومساعدوه أعربوا عن وجهة نظرهم صراحة وأبيدوا نظام الخميني بدون تحفظ وإليكم بعضاً من مواقفهم:
نشرت التايم في 5 مارس 1979م تصريحاً للرئيس الأميركي كارتر رد فيه على معارضيه فكان مما قاله:
"إن الذين يطلبون من الولايات المتحدة أن تتدخل بشكل مباشر لوقف الأحداث مخطئون ولا يعرفون الحقائق القائمة في إيران".
وبمناسبة الهجوم على السفارة الأميركية في الأيام الأولى للثورة قال كارتر: "إن حكومة الدكتور بازرجان كانت متعاونة للغاية في تأمين سلامة الرعايا الأميركيين مما يشجع على استمرار الأمل بقيام تعاون سليم وفعال مع القيادة الإيرانية الجديدة".
وأضاف قائلاً:
"إننا سنحاول العمل بطريقة وثيقة مع الحكومة القائمة في إيران، وقد سبق أن أجرينا اتصالات مع أبرز زعمائها منذ بعض الوقت".
وفي حديث لوزير الدفاع الأميركي "براون" مع "سي. بي. إس" 25/2/1979م وصف حكومة بازر كان بأنها متعاونة جداً، وباستطاعة الأميركان أن يقيموا معها علاقات ودية.
وقدم مساعد وزير الخارجية الأميركية "هارولدساً وندرز" تقريراً ألقاه أمام لجنة شؤون الشرق الأوسط قال فيه:
"إن المصالح الأميركية لم تتغير في إيران، ولنا مصلحة قوية في أن تبقى إيران دولة حرة مستقرة ومستقلة".
فعلاً إن مصالح أميركا لم تتغير في إيران، والإدارة الأميركية من أعرف الناس بمصالحها وهي التي تعبر عن مصالحها وذاتها ولو تعرضت مصالحها للخطر لما صمتت ولما قالت على لسان رئيسها:
"إن الذين يطالبون من الولايات المتحدة أن تتدخل بشكل مباشر لوقف الأحداث مخطئون ولا يعرفون الحقائق القائمة في إيران".
أما قادة الحزب الجمهوري فشنوا حملة عنيفة ضد كارتر، واتهموه بخيانة الشاه والغدر به، ووصف "جورج بوش" كارتر بالنفاق وقرأ عبارات من الخطاب الذي ألقاه كارتر عندما استقبل شاه إيران في أول زيارة قام بها الأخير لأميركا بعد نجاح كارتر: "إنني فخور بصداقتك لأنك حولت إيران إلى جزيرة أمان، ولأنك حميت الديمقراطية".
وعلق بوش على هذا الكلام قائلاً: "إن كارتر في ذلك الحين كان قد أعطى كلمة السر للمخابرات المركزية بأن تبدأ بتدمير سلطة الشاه".
ومما يجدر ذكره أن جورج بوش خدم في المخابرات المركزية ويعرف خفايا أمورها.
ووقعت معركة عنيفة بين وزير خارجية الولايات المتحدة السابق كيسنجر وبريجنسكي مستشار كارتر لشؤون الأمن القومي، واتهم الأول الأخير بالتآمر على شاه إيران، وندد بموقف كارتر ومساعديه من الشاه الذي خدم سياسة الولايات المتحدة أكثر من ثلاثين سنة.
ونعود إلى اعترافات الشاه لنستخرج منها النتائج التالية:
1- زيارة الجنرال هويزر نائب رئيس أركان القيادة الأميركية في أوروبا لطهران قبيل رحيل الشاه بقليل تمت فعلاً.
تحدث عنها الشاه في مذكراته، وتحدث عنها شركاء الخميني في الوثيقة الثانية وقالوا: إنه بقي طوال شهر كانون الثاني، وتحدثت الصحف ووكالات الأنباء عن وجوده في إيران في تلك الفترة.
2- فعلاً كما قال الشاه: "أعلن في واشنطن في 11 يناير أن الشاه على وشك مغادرة طهران"، وتناقلت وكالات الأنباء هذا الخبر في حينه فكيف جاء الإعلان من الإدارة الأميركية وليس من بلاط الشاه وأجهزة إعلامه؟!
3- إن قاصمة ظهر الشاه كانت في تحييد الجيش، فالجيش الإيراني من أقوى جيوش الشرق الأوسط، وطاعته للشاه كانت مطلقة ولا ينافس الشاه في هذه الطاعة إلا الإدارة الأميركية، ولقد قررت قيادة الجيش سحق حركة الخميني، وحددت موعداً لذلك تاريخ 11 شباط وجاء هذا التحديد على لسان السفير الغربي في حديثه مع "الوطن" في 18/3/1979م، كما جاء التحديد على لسان شركاء الخميني في حديثهم مع الحوادث بتاريخ 13/4/1979م، وجاءت الإشارة إليه أيضاً في تصريحات الشاه، وكان الجيش قادراً على حسم الموقف، بل كان بوسع أي ضابط طيار أن يسقط طائرة الخميني يوم وصوله إلى طهران، وهذا أقل ما كان منتظراً في ذلك الفترة.
وأجمعت الوثائق الثلاث أن الجنرال "هويزر" كان وراء تحييد الجيش علماً بأن هذه الوثائق صادرة عن جهات سياسية مختلفة من حيث الاتجاه ومن حيث الزمن، فأصحاب الوطن وشركاء الخميني من ألد أعداء الشاه.
ليس من المصادفات أن تجتمع جهات سياسية متعددة المواقف والاتجاهات على اتهام الولايات المتحدة الأميركية بالتواطؤ مع الخميني وثواره وأن يكون هذا الاتهام مقبولاً ومعقولاً عند كل من كان يتابع أحداث المرحلة التي سبقت انتصار ثورة الخميني.
قال الشاه: إن هناك اتصالات جرت بين "هويزر" والدكتور "بازركان" وكانت هذه الاتصالات من وراء ظهر الشاه وعن طريق الجنرال قرة باغي.
وأضاف الشاه قائلاً:
"وأنا أعرف أن الجنرال هويزر كان منذ فترة طويلة على اتصال بمهدي بازركان"، ثم قال: ". . ولا أحد يعرف ما حدث بعد ذلك، ومهدي بازركان والجنرال هويزر هما الوحيدان اللذان يعرفان فيما إذا تمت طبخة من وراء ظهور الجميع".
وقال أيضاً: "إن السيناتور محمد علي مسعودي أخبره أن "جورج لامبراسكيس" السكرتير الأول في السفارة الأميركية في طهران قال له: "سيقوم نظام جديد في طهران قريباً".
انتهى كلام الشاه.