التحرشات بين الشمال والجنوب عام 1972م
أن التخريب والقتل الذي كان يتبناه زعماء الجنوب ضد أبناء الجنوب والشمال، وإرسال المخربين إلى المناطق الوسطى أثارا حرب 1972م بين الشطرين ولم يكن سببها الغادر، وإنما كان أحد العوامل التي ساعدت على قيام حرب 1972م وهزت النظام الجنوبي.
لقد كان التفكير لدينا بأن استمرار النظام الجنوبي في اتجاهه الشيوعي الماركسي سيؤثر في نظامنا الشمالي، النظام الوطني العروبي المسلم، الذي يناضل من أجل البناء والتقدم، وإزالة آثار الحرب التي عانى منها سبع سنوات.
واصلوا تصرفاتهم ضد النظم في الشمال، وانتهت في آب/أغسطس عام 1968 بعد هزيمة عناصرهم الذين شاركوا في تلك الأحداث المؤسفة التي سميت بأحداث أغسطس، ودعوة الشيخ الغادر ومشايخ خولان إلى الجنوب كانت جزءاً من الممارسات السياسية، الغر منها إثارة المتاعب للشمال، ولهذا كنا نقلق أن تتحول العلاقة ضد الشمال مع الشيخ ناجي الغادر ومن معه إلى ممارسات عسكرية.
لكن الذي حدث هو عكس ذلك تخلصوا من الغادر وجماعته، وزاد القلق لدينا من حين لآخر لتطور علاقاتهم بالمعسكر الاشتراكي وبالمخابرات السوفيتية "KGB" والمخابرات الألمانية الشرقية سلباً على أوضاعنا، وكنا نقلق من تصاعد النشاط ضد الشمال، ولهذا اتخذت القيادتان السياسية والعسكرية قراراً بمواجهة عسكرية وقائية؛ لأن المد الشيوعي في خطابهم الإعلامي والسياسي يهدد اليمن والدول المجاورة ونتيجة لتصرفهم الخاطئ تسببوا في احتلال الوديعة من قبل السعودية عام 1969م، هذا الضجيج الإعلامي أقلق السعوديين والمصريين والعمانيين وغيرهم، لقد كان الخطاب متطرفاً غير مسؤول، خطاب سياسي عدواني، وكنا نقلق من أن تتحول كمران إلى منطقة عسكرية؛ لأنها جزيرة مجاورة لمحافظة الحديدة وتحت سيطرتهم، وكذلك جزيرة ميون كنا قلقين منها على باب المندب كذلك في الشريجة والراهدة قلقين من كثرة المتسللين إلى الشمال وفي البيضاء شرقاً نعاني من الألغام المتفرقة في الطرقات ونسف بيوت المواطنين ومضخات المزارعين في المناطق الوسطى، كان الشمال يعيش حالة قلق من التطرف العدواني فكان من الضروري أن تتصرف القيادتان السياسية والعسكرية.
وجاء القرار بتحركات عسكرية وقائية بسبب التدخلات في الشمال والقلق على الجزر الاستراتيجية ميون وكمران ومحاولة إشعال النيران في كل مكان، ومنعاً للتدخلات غير المسؤولة، وكذلك لإيقاف ترويع المواطنين في مناطق الحدود بزرع الألغام وتفجير بيوت المواطنين في المناطق الوسطى والبيضاء وغيرها.
وما حصل في المناطق الوسطى والحدودية من خراب ودمار وألغام وقتل مواطنين أبرياء؛ لأن الحكم في الجنوب يدعم التخريب وشجع على قتل المئات من الشهداء والجرحى والمشوهين من بيت المرقب وبيت الحدي وشاجرة وغيرهم، وكذلك في شرعب والعدين، ما تركوا منطقة إلا وأرسلوا ما كانوا يسمونهم مقاومين ثوريين وعصابات القتل، فكان لا بد لنا من عمل لإيقاف هذه التصرفات العدوانية، ولذلك أعددنا قوة لاحتلال الجزيرتين كمران وميون، ونجحنا بدخول كمران، ولم يتحقق النجاح في احتلال جزيرة ميون، كانت الأهداف محددة سلفاً وهي: جزيرتا ميون وكمران ومنطقة مكيراس، وهذا هو العمل الوقائي الذي أقرته القيادة السياسية والعسكرية والقبلية، ولكن بعض القادة لم يقوموا بواجباتهم في جبهة قعطبة والبيضاء.
تلاعب بالقرار
اتخذ القرار في القيادة بالتحرشات الوقائية، وكان للأخ المرحوم إبراهيم الحمدي قائد جبهة قعطبة موقف سياسي بعد أن أخفقت جبهتها، وتحول هذا الموقف بينه وبين الإخوة في الجنوب إلى علاقات سياسية بعد أن أصبح مسؤولاً عن جبهة قعطبة، وتسبب هذا النشاط في توقف الحرب، وتدخلت الجامعة العربية، ولم تحقق الأهداف لا فيها ولا في البيضاء.
تمكنا من دخول كمران ونجحت العملية، ولم نوفق باحتلال جزيرة ميون وجبهة الراهدة وكرش، تولى مسؤولية العملية العميد مجاهد أبو شوارب والأخ المقدم علي أبو لحوم، وكان معهما قوات مشتركة: قوات مسلحة، احتياط وعاصفة، وقوات شعبية، وحققت الأهداف المحددة للعملية الوقائية، وتولى قيادة جبهة البيضاء ومكيراس العميد حسين شرف الكبسي محافظ وقائد لواء البيضاء، وقادات الوحدات المرابطة في البيضاء، والشهيد عيدروس القاضي ومجموعة من أبناء البيضاء وأبناء الجنوب ومعهم الشيخ سالم الحميقاني ومشايخ السودانية ولم يوفقوا في مهمتهم، وأخفق الهجوم على مكيراس، هذه الجبهات كان التحرش بها عملية وقائية لإيقاف التخريب في البيضاء والمناطق الوسطى، والمحافظة على الملاحة البحرية في غرب الحديدة باحتلال جزيرة كمران والسيطرة على باب المندب كاملاً باحتلال جزيرة ميون.
تدخل الجامعة العربية
إن الاهتمام العربي بالأحداث في اليمن كان له أثره، ولهذا اهتمت الجامعة العربية بما يجري فيها، وتمكنا من توضيح موقف حكام الجنوب في أروقة الجامعة العربية ودول العالم؛ بأن النظام الماركسي في جنوب الوطن هو المعتدي على الشمال، وما قمنا به كان دفاعاً عن المواطنين الأبرياء الذين يتعرضون للقتل والتخريب اليومي.. ولهذا تدخلت الجامعة العربية، وحضر إلى تعز المرحوم الأخ محمد علي هيثم رئيس الوزراء والأخ المرحوم عبدالله الخامري، واتفق الجميع على إيقاف التخريب والاعتداءات وبدأ الحوار الذي تمخض عنه اتفاق القاهرة فيما بعد بين رئيس الوزراء الأستاذ/ محسن العيني والأخ علي ناصر محمد، وقالت حكومة الجمهورية العربية اليمنية إن الخلافات بين الشطرين لن تحل إلا بالوحدة، وتم الاتفاق على بيان القاهرة، ثم أعقبه بيان طرابلس في اللقاء الهام بين القاضي الإرياني والرئيس سالم ربيع علي بحضور العقيد القذافي ورعايته.
ويبدو أن قيادة الجبهة القومية قد تخلت عن الوحدة واستغلت الفرصة بالاستيلاء على الحكم وتنكرت للوحدة بعد الاستقلال مباشرة، وجاء هذا الاتفاق ليعيد المطالبة بتحقيق الوحدة.
لقد أراد الجنوبيون أن يكونوا دولة وسلطة مستغلين انشغال النظام في الشمال في مواجهة الملكيين في بداية حصار السبعين بعد الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 1967م، والاستعداد لمواجهة الحصار وتوحيد القوى الوطنية التي كانت خارج الوطن، ومراجعة الأوضاع التي خلفها المصريون بعد انسحابهم، فكان القرار السياسي لحكومة الشمال: دعم الاستقلال في الجنوب، وأن يتفرغ الشمال لمواجهة الهجمة الشرسة من الملكيين، وهذا هو المبرر الذي وافقت عليه القيادة السياسية في الشمال للاعتراف بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بعد الاستقلال.
وهو قرار حكيم من القاضي عبدالرحمن الإرياني والحكومة اليمنية، ولا سيما أن خطاب الإخوة في الجنوب حينها اتسم بالحرص على الوحدة.
لقد كان بعض الأشخاص يعتقدون أن الشمال اعترف باستقلال الجنوب لكي يكون منطلقاً للدفاع عن الجمهورية في حالة سقوط صنعاء، وهذا غير صحيح، بل إن هذا أمر بعيد جداً عن تفكيرنا، ولو فكرنا بمثل ذلك لكانت النتيجة الهزيمة، ولم تنتصر الثورة ولم يسقط الحصار.
لم نفكر أبداً أن تكون عدن موقعاً تبادلياً، وتعز موقعاً تبادلياً، هذه كانت أمنيات الحاقدين على النظام، وكان الإصرار على النصر أو الموت، وهذا هو شعار الجمهورية الذي رفعه المدافعون عنها في أثناء ملحمة السبعين يوماً، ولم يكن لدى الدولة مناورات سياسية أو تراجع إلى خطوط خلفية، كما حاول الجهلة ممن وضعها مبرراً لتهربهم من الوحدات العاجلة.
دراسة التجارب
خلال المعاناة والتجارب التي مارستها خلال السنوات في العمل العام حرصت على مواصلة قراءة الأحداث لكي أكون مؤهلاً ومستفيداً منها في العمل الوطني والسياسي، وأتجنب الأخطاء لكي لا نقع فيها، وما حدث في سورية والعراق كان درساً لنا؛ بأن المطامح بين العسكريين تسببت في انقلابات بين رفاق السلاح، هذا الدرس استوعبته في تلك المرحلة من حياتي العملية، وأصبح نهجاً في عملي وفي مواقفي السياسي.