وبحكم صلاحيتي رئيساً للأركان، وكونه القائد العام حولت خمسة آلاف دولار من القيادة للقائد العام، وكذلك حصلت على تذاكر بموافقة رئيس الدولة وودعناه في المطار وداعاً غير رسمي مع عدد من الأصدقاء الذين خرجوا لوداعه، وأقفلت صفحة من تاريخ الفريق حسن العمري ورحلته التاريخية، حتى عاد مكرماً مقدراً عام 1948م، مع كل من المشير عبدالله السلال والرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني بمبادرة من الأخ الرئيس علي عبدالله صالح.
هذه هي روح الثورة وروح الإخلاص وروح الوطنية وروح الإيمان بالنزاهة والشرف، وهذا التاريخ لا أصطنعه ولا أفتعله. أنا تكلمت بما شهدته دون مبالغة أو مجازفة أو عاطفة.
وفي عهده تشكلت حكومة المهندس عبدالله الكرشمي في 2/1969م، وتلتها حكومة محسن العيني في شباط/ فبراير 1970م، واستمرت نحو ثلاثة أشهر، ثم حكومة الأستاذ أحمد محمد نعمان في أيار / مايو 1971م، تلتها لحكومة الأستاذ أحمد نعمان، الذي استقبال لتخوفه من الوضع الاقتصادي.
ولم يعلن الإفلاس لما حاول بعض الأشخاص أن يتجنى على الرجل العظيم والمجاهد الكبير الأستاذ أحمد نعمان ، لأنه أعطى الصورة الحقيقية لوضع الاقتصاد اليمني في وقتها، ووضع مطالب المستقبل بالكامل لكن بعض الذين لا يحبون الأستاذ النعمان قالوا أعلن الإفلاس وهو لم يعلنه،بل أعلن الصورة الحقيقية بما نطلق عليه اليوم الشفافية عن الوضع الاقتصادي في اليمن. واوضح الحقيقة المرة عندما عرفها المجتمع ولم يتقبلها، وكان الأستاذ نعمام بشجاعته وتاريخه الطويل النضالي وإحساسه بخطورة المسؤولية التي يتحملها في ذلك الوقت، صارح الناص بالحقائق، ولا سيما أن المطامع قد ازدادت بعد السلام. ولكي لا يستمر البعض في الحاحه على المطامع والرغبات والميزانيات والاحتياجات والمطالب المزايدة والمكايدة لذلك الرجل العظيم.
هذه الحقيقة التي أوضحها الأستاذ الراحل الكبير احمد محمد نعمان في بيانه الوزاري، اراد أن يتحمل المجتمع مسؤولية، ويعرف حقيقة الوضع الاقتصادي، ويتحمل الجميع المسؤولية معه. لم يكن وارداً في تقكيره، أن يعلن إفلاس الدولة. لكن الحاقدين عليه أرادوا أن يستغل صدق الأستاذ نعمان، إن الأستاذ السياسي المحنك كان مدركاً للوضع الاقتصادي من وقت مبكر أظهر حقيقة الاقتصاد اليمني الذي نعيشه اليوم، والآن ندفع ثمنها، ويتحمل الشعب اليمني تبعاتها وثمنها..وما أشبه اليوم بالبارحة!.
بطل النصر يتولى الحكومة الأخيرة
بعد استقالة حكومة الأستاذ أحمد محمد نعمان كلف الفريق حسن العمري بتشكيل حكومة جديدة فباشر أعماله بروح العسكري الشجاع، وبدأ عمله بطمأنة الشعب، وهذه من خصائص الفريق، واطمأن الناس بأن بطل النصر سيحقق الخير والعيش الكريم بحزمه وإدارته ونظافة يده. وقد ذكرت قضية سيارة المرحوم عبدالله حمران مثالاً على الحزم والحرص على المال العام ، لكي يعتمد الشعب اليمني على إمكانياته، وكيلاً نبقى رهناً لأحد ، ولهذا كان عنوان بيان حكومته الوزراي "التقشف فدائيتنا"، هذه من الخصائص المهمة التي تميز بها الفريق العمري وتلك ايضاً من خصائص الأستاذ نعمان التي تميز بها، مع الفراق في أسلوب الزعيمين، وكلها تصب في مصلحة اليمن والمحافظة على سيادتها واستقلال قرارها واعتمادها على نفسها.
مواقف برزت بعد مغادرة العمري
بعد مغادرة الفريق حسن العمري للعلاج، وكان الأخ العقيد محمد الإرياني نائب القائد العام في زيارة رسمية لليبيا، دعاني الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني إلى منزله، وقال : ماذا نعمل..؟ قلت: الذي تراه أنت رئيس الدولة،قال : من يحل في القيادة العامة؟ ومن يحل في المجلس الجمهوري؟ أريد أن تكون أنت القائد العام أو إبراهيم الحميد أو محمد الإرياني، ويكون أحدكم عضواً في المجلس الجمهوري، وكان معي في هذا اللقاء المقدم إبراهيم الحمدي قادئ الاحتياط العام.
قلت له : فخامة الرئيس -يا سيدي- الحديث في هذا الموضوع يأتي قبل أوانه والأخ محمد الإرياني مسافر في ليبيا، أرى أن يؤجل هذا الموضوع إلى حين عودته ونتفق على ذلك. وانتهت المقابلة، وبعد الموضوع إلى حين عودته ونتفق على ذلك. وانتهت المقابلة، وبعد خروجنا وجدت إبراهيم الحمدي غاضباً مني ومتألماً جداً، قال لي : لماذا تتكلم هذا الكلام؟ أجبته: لأن زميلنا محمد الإرياني نائب القائد العام مسافر، وقبل ساعة غادر الفريق، والآن الساعة الثانية عشرة ظهراً، هذا الموضوع يحتاج إلى دارسة متأنية من دون أن نستعجل في قرار سياسي كبير ونبدي رأينا؟!
كان الرئيس سعيداً بخروج الفريق حسن العمري بسلام ، ولم يحدث إشكال، وحريصاً على سلامة الوطن، وكان ممتناً لأنني وفقت في إقناع الفريق حسن العمري بالسفر للعلاج، وهذا تقدير طبيعي من رئيس الدولة، لهذا كان عاطفياً في الموقف المتسرع حينما تكلم معنا بما يفكر في لسد الفراغ في القيادة والمجلس الجمهوري "أحدكم قائد عام والآخر عضو مجلس جمهوري بالاتفاق بينكما" ولهذا أجلت اتخاذ القرار، وعاتبني إبراهيم وأصررت على موقفي بأن هذا أمر لا بد منه ، وحرصاً مني على موقف الرئيس ذهبت إليه بعد العصر من اليوم نفسه قلت له: يا قاضي عبدالرحمن، أنت رئيس الدولة بحكمتك وحنكتك السياسية،وأنت الرجل الحكيم ورئيس الدولة، تعرض علينا قرارات هامة في استعجال ومن دون دراسة، قال: لماذا يا ولد حسين!؟ كان هناك عبارتان أعتز بهما: يسميني الولد حسين ويتكلم معي بالعبارة التبجيلية "انتو": "لماذا ما أعجبكم الكلام؟" قلت له: نحن العسكريين إذا شجعتنا على السلطة فسنكون مشكلة عليك وعلي البلد، الشيء الآخر ليس بالضرورة أن يكون عضو المجلس الجمهوري عسكرياً، وأرى أن يكون مدنياً. وهذه مصلحة لك ، وللوطن، وكان هذا الموقف السياسي والحريص على الدولة والكلام الصادق، قد عزز من الثقة لدى القاضي الرئيس عبدالرحمن الإرياني، وبعد ذلك عرضت وجهت نظري في الموقف وقلت له: أرى ألا يعين قائد عام، استحدث منصباً جديداً "نائب القائد الأعلى لفترة" وأنت القائد الأعلى للقوات المسلحة تتابع ما يحدث في قيادة الجيش، وتكون مرجعنا في اتخاذ القرارات والتعيين في المراكز القيادية الهامة، ولكي لا يفتح باب للطموحات بين العسكريين، أقترح أن يكون عضو المجلس الجمهوري مدنياً، يتم التشاور حوله مع من تريد من رجال الدولة لاختياره . ووجد أن وجهة نظري صادقة، بعد ذلك تم التشاور مع عدد من رجال الدولة بترشيح القاضي عبدالله الحجري عضواً في المجلس الجمهوري ، وانتخبه مجلس الشورى ، وكذا عُين العقيد محمد الإرياني نائباً للقائد الأعلى.
هذا الموقف وهذه الرؤية الصائبة ضاعفت ثقة الرئيس بي، لما أبديته من رؤية صائبة وضعتها أمامه، لأني أراها بمنظار وطني وبمسؤولية متجردة عن الأهواء الشخصية والرغبات والمطامح.
وكذلك عين الأخ العقيد محمد الإرياني نائباً للقائد الأعلى، وكان سعيداً لهذا المقترح.
وبعد صدور تلك القرارات كان المرحوم إبراهيم الحمدي غير مرتاح لها ، والرئيس ومعظم رجال الدولة يرون أن سفر الفريق للعلاج بصورة طبيعية ترك انطباعاً جيداً لعظمة العمري الذي خرج من الحكم في تلك المرحلة المعقدة قبلياً وعسكرياً وسياسياً، بتلك الصورة السلمية التي ذكرتها ، إنها قمة الوطنية والمثالية لذلك الفريق في اتخاذ ذلك الموقف، وقدم استقالته إلى مجلس الشورى،وقبلها المجلس في 4 أيلول / سبتمبر عام 1971م، وطويت صفحة الفريق حسن العمري.
حكومة جديدة
كلف الأستاذ محسن العيني بتشكيل الحكومة خلفاً لحكومة الفريق، فطلب المجس الجمهوري منه أن يعمل على إعادة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية،كان بعض الأشخاص لا يعرفون أهمية إعادة علاقات الدول الكبرى، التي لم تقم علاقات دبلوماسية مع اليمن، فكان من واجبات الحكومة أن تعمل على هذا، ونتجاوز الصعاب في إعادتها.
وسياسة الدولة مهمة بضرورة إقامة علاقات دبلوماسية مع كل دول العالم، وكان يعبر عن هذه الرغبة توجه الرئيس عبدالرحمن الإرياني وغيره من الشخصيات المدركة لأهمية العلاقات الدولية عامة، واعترافها بالجمهورية العربية اليمنية، ومنهم العسكريون الحريصون على تلك السياسة.
ولهذا كلفني الرئيس أن أكون مسؤولاً عن التواصل مع راعي المصالح الأمريكية في اليمن جورج شتاين، وكذلك مع ديفيد نيوتن الذي عين سفيراً لأمريكا في اليمن في عقد الثمانينات، وأبديت له رغبة بلادنا في إعادة العلاقة مع الولايات المتحدة الإمريكية والخطوات الدبلوماسية بناء على التوجه السياسي لقيادتنا الرشيدة التي ترغب في إعادة العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العام.<