بقلم / ممدوح طه
برغم ما يبدو من مثالية «الديمقراطية» كآلية لحل مشكلة الصراع على السلطة، إلا أن تطبيق «الديمقراطية» بشكلها التقليدي الغربي القائم على التعددية السياسية والانتخابات النيابية في أكثر من موقع على أرض الواقع العربي والغربي معا لم يثبت نجاحاً حقيقياً بل يعاني من أزمة حقيقية، فأكثر من أزمة سواء في عالمنا العربي أو في العالم الثالث عموما تجرى الوساطات فيها حاليا لعقد الحوارات بين أطرافها لحلها وصولا لسلطة وطنية توافقية تعبر عن غالبية الإرادة الشعبية، بإشراك أطراف الأزمة في الحكم أو في القرار، تشير بوضوح إلى ملامح تلك الأزمة.
عربياً لدينا مثلاً مشكلة صراع على السلطة في فلسطين بسبب الانتخابات ويجرى حالياً حوار وطني بوساطة مصرية سعياً للحل.. ولدينا مشكلة صراع على السلطة في موريتانيا بسبب الانقلابات، ويجرى حوار وطني لحله بوساطة ليبية.. ولدينا صراع السلطة والثروة في السودان بسبب التمرد المسلح بعض الحركات وتجرى مساعي قطرية وعربية وأفريقية للتوصل إلى حلول.
ومشكلة الصراع على السلطة السياسية بين الأطراف الوطنية المتنافسة طموحا في المشاركة أو السيطرة بصنع القرار الوطني، تتقاطع معها في أغلب الأحيان مشكلة الصراع على الأوطان بين الأطراف الأجنبية المتنافسة طمعا في السيطرة على الثروة الوطنية، فالديمقراطية التقليدية التي يروجها الغرب لنا باعتبار أنها هي الحل في هذا العالم، نتج عنها في واقع الحال عند التطبيق أكثر من مشكلة لا تزال تبحث عن حل، حين سببت من المشاكل والصراعات الوطنية السياسية أو المسلحة ما هو أكبر وأخطر من مشكلة الصراع على السلطة بحيث باتت الأوطان الأكبر من أي سلطة مهددة بالفوضى أو الدكتاتورية أو بالعقوبات الدولية أو بالتدخل الأجنبي باسم الدفاع عن الديمقراطية.
غير أن العدوان على الديمقراطية تتعدد أطرافه، الخارجية سواء بالانقلاب على نتائجها أو بالاحتلال واغتصاب الوطن، والداخلية بالانقلاب أو باغتصاب السلطة عل عكس إرادة الشعب، وتتعدد أشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية وهى في كل الأحوال معتدى عليها من أنصارها وخصومها.
وهى في صورتها العربية الراهنة إما غائبة أو غائمة، أو شكلية، أو جزئية.. فهل معنى ذلك أن الديمقراطية في أزمة؟.. نعم. وهل الأزمة في التطبيق وليس في النظرية؟.. غالبا. وهل يكون الحل في الانقلابات العسكرية أو الديكتاتورية؟.. لا.. بل هو في احترام غالبية الإرادة الشعبية الحقيقة التي تعكس واقع علاقات القوي السياسية الوطنية بغير تحكم أو تلاعب داخلي، وأيضا بغير تدخل خارجي أو ارتهان لأجندات غير وطنية. لكن ذلك كله مهما اختلفت أشكال النظم السياسية أو تعددت مواد القوانين الانتخابية يبقى مشروطاً بشرط رئيسي هو أن تكون هذه الإرادة الشعبية التي تعلن عنها نتائج الانتخابات هي الإرادة الشعبية الحقيقية.
كما أن ذلك مرهون بمدى قدرة الإرادة الشعبية بالوسائل المشروعة على إعلاء وإعلان صوتها بحرية وفرض إرادتها التي هي مصدر الشرعية، دون قدرة الأجهزة الحكومية على قمع وتزييف هذه الإرادة لصالح استمرار ها في السلطة ومواصلة السياسات التي لا يرضى عنها الشعب، بدهاء أو بغباء.. لا يهم، لكن شرط الحرية، الأساسي لحصول أى شعب على حقوقه الإنسانية وأدائه لواجباته الوطنية، لا يتحقق وجوده إلا بغياب أسباب الفقر وأدوات القهر، والتلازم الوثيق بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية.<