محمد ناصر الحزمي
قسَّم أهل العلم أحكام الشرع إلى قسمين:
أوامر يسمونها معقولة المعنى: وهي التي يمكن بالنظر أن يعرفوا عللها ويستخرجوا ويستنبطوا حكمها.
وأوامر غير معقولة المعنى: أي التي لا يعرفون لها علة ولا تظهر لهم من ورائها حكمة وهذه يطلقون عليها لفظ الأحكام التعبدية؛ أي أنها تفعل على سبيل التعبد والاستسلام ولا دخل للعقل فيها، فعدد ركعات الصلوات المقررة "4" للظهر والعصر والعشاء و"3" للمغرب و"2" للصبح أمر تعبدي لا دخل للعقل فيه، ولماذا كانت الزكاة بهذه المقادير المعلومة ولم تكن أكثر قليلاً أو أقل قليلاً؟ أمر تعبدي لا دخل للعقل فيه، وفي الحج تذهب فتطوف حول الكعبة المشرفة وهي حجارة وتقبل الحجر الأسود، بل وتجاهد وتزاحم في الوصول إليه، لماذا؟ هل لأن حجارة الكعبة أغلى ثمناً أو لأنها أجمل منظراً؟ لا. . فأنت تعظمها طاعة لله وامتثالاً لأمره.
ويرحم الله عمر حين كان يقبل الحجر ويقول: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وهذا الذي فعله عمر رضي الله عنه هو التطبيق الحقيقي لمعنى الإسلام، فإن الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له ولرسوله بالطاعة، إن الله تعالى بهذا النوع من الأوامر يختبر عباده ويبتليهم هل سيتسلمون له ويذعنون لأوامره ويقدمون أمره على كل أمر؟ أم أنهم سيتفلسفون على الله ويعارضون أحكمه ويقدمون ما استحسنته عقولهم وأهواؤهم على ما استحسنه الله وشرعه لهم، وهذا ما هو حادث اليوم أن البعض رفع شعار تعطيل الإسلام من النصوص والأحكام، فإن كان تأصيل الحكم حديثاً عطله، وإن كان قرآنا أوله، بحجة أن هذا الحكم أو هذا التشريع لم يناسب العقل ولا أدري أي عقل؟ عقل الجاهل الذي لا يفقه من الإسلام شيء، أم عقل المبهور بحضارة الغرب، ولم يفرق بين الانتفاع بها والانبهار بها، أم عقل السكران، فمن المعترف به أن العقول تختلف من شخص إلى آخر، ولهذا فنحن بحاجة إلى سبعة مليار حكم لكل مسألة عدد سكان العالم إن أغلب من يطرح مثل هذه الأطروحات قد لا يكون لديهم أبجديات العلم التي تؤهلهم للاجتهاد في الأحكام الشرعية بل البعض بمجرد أن لديه قلم وورقة وصحيفة يكتب فيها إذ به يناطح الأحكام الشرعية وإذا جئته بالحكم الشرعي من كلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يقول لك هذا رأيك فحول الحكم الشرعي المتعارف عليه منذ أربعة عشر قرناً إلى رأي يقبل أو يرد، وقد ربما لا يجيد إلا السب والشتم لمن لا يوافقه قال تعالى عن مثل هذا الصنف: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا"، ما هي مبرراتهم؟ قال تعالى: "ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقا".
هدفنا أن نظهر الإسلام بالمظهر الحسن والتوفيق بين الإسلام والعصر أو الواقع، هدفنا إزالة ما علق بالإسلام من المشوهات، هدفنا أن يرانا الغرب بصورة حسنة، وإلى ذلك من التراهات والعجيب أنهم يقدسون ما يأتي من الغرب تقديساً لا يريدون لأحد أن يناقشه، وخير مثال على ذلك تعصبهم لسن الزواج "17" عاماً ورفضهم سن "15" الذي خرج من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية مؤخراً وهو أمر مجمع عليه، فأحكام الإسلام رأي قابل للأخذ والرد وأوامر الغرب لا يجوز مناقشتها عند هذا الصنف من الناس، سألتني إحدى الصحفيات عن ما هو الحجاب؟ فقلت لها: كل ما يغطي زينة المرأة واستشهدت لها بقوله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن. . . " إلى آخر الآية أتدرون ما كان جوابها؟ قالت: يعني أننا نطرحها بمتحف، هل يعقل أن مسلمة عاقلة ترد على آيات الله بهذه السخرية؟ فقلت لها: يا أختي هذا كلام الله ونحن مأمورون أن نستسلم له ما دمنا مسلمين؟ فما كان منها إلا أن قطعت اللقاء، قد يكتب البعض بحسن نية ولكن جانبه الصواب إلا أن البعض الآخر أصيب بلوثة عقلية، وردة علنية مثل من يسمون بالمستنيرين الحداثيين من العلمانيين، هذه النبتة الخبيثة التي أحسنت الظن بآرائها، وأسلمت القياد لعقولها، وأساءت الظن بربها وسفهت شرعة نبيها، فلا غرابة بعد كل ذلك أن تفتح لهم الأبواب ليطعنوا في دين الله وأحكامه ظاهراً تارة وباطناً تارة أخرى تحت ستار ما يسمى بحرية الفكر والبحث العلمي وغير ذلك من المسميات، وللأسف إن ممن ينتسبون إلى الحركات الإسلامية ممن يطلق عليهم "إسلاميين حداثيين"، وهم في الحقيقة محدثين سلكوا مثل هذا المسلك بل سلم منهم اليهود والنصارى والعلمانيين ولم يسلم من ألسنتهم العلماء والدعاة، يعيشون فكر الانهزام ويريدون من الأمة أن تسير وفق هذا الفكر نسأل الله لنا ولهم الهداية وإلى لقاء آخر إن شاء الله. <