سراج الدين اليماني
وقد مر في الحلقة الماضية والتي خصصناها للكلام عن عقائد الشيعة في المهدي المنتظر وهنا نواصل ما بدأناه في الحلقة الماضية فأقول: كذلك جاء الخميني وطور هذه العقيدة وادعى أن نواب الإمام إذا كان فيهم المجتهد الجامع لشرائط الاجتهاد فله كذلك أن يقوم بالقتال، ومن أجل ذلك فإنه ألف كتابه "الحكومة الإسلامية" قبل ثورته على الشاه وقيام حكمه الذي سماه إسلامياً في إيران، حيث يقول فيه: "واليوم في عد الغيبة لا يوجد نص على شخص معين يدير شؤون الدولة، فما هو الرأي؟ هل تترك أحكام الإسلام معطلة؟ أم نرغب بأنفسنا عن الإسلام؟ أم نقول إن الإسلام جاء ليحكم الناس قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك؟ أو نقول إن الإسلام قد أهمل أمور تنظيم الدولة؟ ونحن نعلم أن عدم وجود الحكومة يعني ضياع ثغور الإسلام وانتهاكها، ويعني تخاذلنا عن أرضنا، هل يسمح بذلك في ديننا؟ أليست الحكومة تعني ضرورة من ضرورات الحياة؟ويقول في موضع آخر: "قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة؟ هل تبقى أحكام الإسلام معطلة يعمل الناس من خلالها ما يشاءون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟القوانين التي صدع بها نبي الإسلام وجهد في نشرها وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ. "الحكومة الإسلامية" (ص26-48). ثم يعمق الجراح باتهامه الشريعة بأنها غير صالحة إلا ما جاء به أسياده من الفرس أول الطاعنين في الشريعة وفي رب الشريعة ونبي الشريعة وأتباع هذه الشريعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين فقال: "إذاً فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية هو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف. ويقول أيضاً: "إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمام المعصوم، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك حتى يجعل هؤلاء النواب هم في منزلة الرسول عليه السلام فيقول: "وهم الحجة على الناس كما كان الرسول حجة الله عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم فإن الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك". ويقول أيضاً ويا له من قول: "إن هؤلاء النواب عن الإمام قد فوض إليهم الأنبياء جميعاً ما فوض الله إليهم، وائتمنهم على ما اؤتمنوا عليه". وهكذا جعل الخميني للنائب عن الإمام المهدي أن يقوم بكل أعمالهم، بل بجميع ما أسند للأنبياء حيث فوض إليهم جميع أعمال الأنبياء، فماذا بقى للأنبياء إذاً؟ والقيام بما أسند للمهدي كذلك، وعلى هذا الأساس قامت حكومة إيران حيث ينص دستورها على أن جيش الجمهورية الإسلامية لا يتحمل فقط مسؤولية وحفظ الحدود، وإنما يتكفل في الجهاد في سبيله في كافة أرجاء العالم، وينص الدستور كذلك أن دولة إيران قد أصبحت هي دولة المهدي، فيقول: "في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه تعتبر ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه".
"الدستور الإسلامي لجمهورية إيران" (ص16-18).
ولا شك أن الخميني بهذا المخترع الجديد والنقلة النوعية الهائلة للفكر الشيعي من وجوب التقية والاستتار، وانتظار المهدي إلى إظهار المعتقد، والبدء بالحرب والاستيلاء على كل صلاحيات المهدي الغائب، وقد خالف ما اتفق عليه أصحاب هذه المذاهب في جميع تاريخهم الطويل، وخالف النصوص القطعية عنهم بأن الخارج قبل المهدي كافر، ولكن لأن الخميني نجح سياسياً وأقام دولة بالفعل تحمل العقيدة والفكر الشيعي، وانتصر على خصومه فإن معظم مفكري الشيعة وقادتهم تحولوا لاعتناق آرائه، والتزام ما تعارفوا عليه "بخط الإمام"، فأصبح عند الشيعة المعاصرة ما يسمى اليوم بخط الإمام الخميني، ومعناه أن يقوم الفقيه بالنيابة عن المهدي في جميع أعماله من إقامة الدولة، وحرب المخالفين من أهل السنة والبراءة علانية مما يسمى بالمشركين، وهم غير الشيعة الإمامية الإثنى عشرية إلى جانب أهل السنة والبدء باستئصالهم وعدم انتظار المهدي للقيام بهذه المهمة.
وأكثر الذين انتقلوا إلى هذا الخط الجديد هم الشباب المتحمسون والعلماء الحركيون منهم المتأثرين بجهاد أهل السنة، وأما من كانوا في طبقة الخميني فإنهم عارضوه تمسكاً بما عندهم من النصوص ولكن سياسة دولة الخميني كانت التخلص البطيء منهم كما فعلوا بشريعة مداري وغيره، وكان من هذه السياسة التجميد والحصار حتى الموت.
أليست هذه هي نفسها عقيدة اليهود التي تعملها في المسلمين وخصوصاً من يقعون تحت قبضتها من إخواننا الفلسطينيين ومن جاورهم وفي نهاية العام المنصرم ما عملته في اجتياح غزة أكبر شاهد على هذا التشابه في استعمال العنف المفرط ضد المسلمين. <