نبيل مصطفى الدفعي
من أهم القواعد الذي اتبعها عندما أريد أن أخزن القات هو التخزين لوحدي في البيت وذلك بهدف الاستفادة من الوقت كالقراءة أو الكتابة ونادراً ما اخترق هذه القاعدة في حالة دعوة تلقيتها من الأهل أو الأصدقاء لحضور جلسة تخزين قات خارج البيت.وفي إحدى جلسات تخزين القات التي حضرتها واخترقت فيها قاعدتي كان لها أثر كبير في نفسي لأنها كانت مع حشد من الأصدقاء والمعاريف منهم المثقف والإعلامي والطبيب والمهندس وذوي مناصب لا بأس بها، تم فيها إثارة موضوع هام وحساس حول مظاهر العولمة في الشكل والمضمون في البث الفضائي العربي ودار حوار بين الجميع عن مدى تأثير البث الفضائي في إلغاء الحدود وإلغاء الخصوصيات ومسخ الهوية العربية وإيجاد نوع من الثقافة الجديدة.ونظراً لأهمية ما دار من حوار هام وما تركه في نفسي من أثر حول كيفية تفكير بعض عقول مثقفينا والذي تتطابق مع تفكير بعض عقول مثقفينا العرب بل وغيرهم من العقول العربية إزاء هذه القضايا وقضايا أخرى تخص تاريخنا كعرب.بداية انقسم المتحاورون إلى فريقين فريق مقتنع بأن ما يطلق عليه العولمة ليس إلا مخطط هدفه الأساسي القضاء على الثقافة العربية وطمس الهوية العربية، بينما كانت قناعة الفريق الآخر هي أن العولمة والفضائيات توجد نوعاً من الثقافة الجديدة وتنتشر في العالم كله وتؤثر بالفعل على جميع الثقافات وليس على الثقافة العربية وحدها.
وكنت من أنصار الرأي الآخر حيث أنني لا أحبذ المؤامرة لكنني اكتشفت من تطور المناقشة أن أنصار نظرية المؤامرة كانوا كثيرين وانبرأ بعضهم يؤكد أن هناك مخططاً يعتمد للقضاء متعمد للقضاء على العرب، وأن الهدف الرئيسي للعولمة هو القضاء علينا نحن بالذات وطمس وهويتنا وثقافتنا وإن الفضائيات ليست إلا إحدى الوسائل لتحقيق هذا الهدف بالذات، ولما كنت أكره هذا الإحساس بالاضطهاد الذي يحولنا إلى شعوب مريضة بالباروانويا فقد رفضت وغيري هذه الفكرة من أساسها، لكن المقتنعين أصروا على تأكيدها واستمر الجدال وتحول لينصب على الحديث عن أمجادنا كعرب وأننا أصل الحضارة، وأن العلم بدأ على أيدينا، وأننا أصل كل النظريات العلمية التي وجدت وتطورت في العالم، وتحدث البعض عن أن الحضارة قد بدأت عندنا وانتقلت بعد ذلك إلى الشعوب الأخرى التي أخذتها عنا ولاحظت أن بعض المتحدثين بل الواقع كثيرين منهم قد استهواهم بشدة هذا الحديث عن الأمجاد الغابرة وانطلقوا يعددون فروع العلم ويحددون أسماء العرب الأوائل وما قدموه للعالم.هذا هو موجز لأبرز ما تم طرحه ومناقشته باعتقادي ليس بالمهم فالمهم حقاً أن نواجه أنفسنا بصدق وشجاعة ونتساءل هل نحن مصابون بعقدة الاضطهاد؟ هل أصبحنا نعيش على ذكرى أمجادنا الغابرة التي لم تجدد ونرفض أن نصدق أن العالم قد تطور بعدها بدوننا؟ وهكذا ننظر إلى كل الاختراعات وإلى كل وسائل التقدم العلمية الحديثة والمذهلة محاولين أن نثبت أننا الأصل في كل شيء، اعترف بأني أكتأبت لإحساسي بأننا نعاني بحق من تضخيم الذات فنحن لا نكف عن الحديث عن حضارة سبعة آلاف سنة وتقدم العرب الأوائل وكل هذا حقيقي ومعروف ولكن لا العلم ولا العالم قد توقف عن هذا فنحن نعيش عصر يقدم العلم فيه كل يوم جديداً مذهلاً، فهل نظل نحن نتحدث عن أمجاد غابرة؟!
لقد بدأت الحضارة وانتقلت من شعوب إلى أخرى وقد أخذنا دورنا ثم توقفنا طويلاً، لقد كانت لنا أمجادنا لكننا لا يمكن أن نتوقف عندها ولا يمكن أن نغفل أن الغرب قد بنى على هذا المجد مئات الاختراعات وخطى خطوات واسعة بينما توقفنا نحن عند التغني بهذه الأمجاد والتي تحولت بالفعل إلى مسكنات تهدئ إحباطنا وتخدعنا بدلاً من أن تدفعنا.
كلمة أخيرة ... من غير المعقول أن تتحول أمجادنا إلى مسكنات وتتحول هويتنا إلى تضخيم الذات، وتتحول ثقافتنا إلى الهدف الوحيد الذي قامت من أجله ضربة العولمة والفضائيات وكل ما يقوم عليه النظام العالمي الجديد، والله من وراء القصد.<