بقلم :ممدوح طه
من المتوقع أن تنجح مسيرة المحامين المدعومة من الأحزاب السياسية الباكستانية المعارضة والتي أطلق عليها «مسيرة الزحف الكبير» في الوصول إلى العاصمة «إسلام أباد»، رغم الإجراءات الأمنية الضخمة ورغم اعتقال المئات من المحامين المتظاهرين المطالبين بعودة رئيس المحكمة الباكستانية العليا المعزول افتخار شودري وزملائه القضاة، ومن السياسيين المعارضين المتفجرين بالغضب من القرار السياسي بغطاء قضائي بنزع الأهلية السياسية من زعيم المعارضة الباكستانية رئيس الوزراء الأسبق «نواز شريف» بما يمنعه من ممارسة حقوقه السياسية ومنعه من الترشح في الانتخابات.
وبعدما وضع الرئيس الباكستاني «آصف زرداري» نفسه في قلب العاصفة السياسية مكررا نفس المشهد المجافى للديمقراطية بمصادرة الحقوق السياسية لقادة المعارضة، والتعدي على استقلال القضاء، وهو ما أدى إلى إجبار «الرئيس الجنرال برويز مشرف» على التنحي مجافيا بذلك الصفة الديمقراطية للحكم المدني وهدف عودة الحقوق السياسية والمدنية تحت ظل الديمقراطية وهو ما ناضل من أجله «حزب الشعب» الباكستاني نفسه بزعامة زوجته الراحلة بناظير بوتو وحزب «الرابطة الإسلامية» بزعامة نواز شريف.
ويتوقع المراقبون أن تشهد باكستان هذه الأيام نتائج حاسمة إما بتصحيح الممارسة الديمقراطية الحكومية وتلبية مطالب المعارضة، أو بالمواجهة السياسية أو الأمنية الدامية مع القانونيين والسياسيين إذا ما أصر الرئيس زرداري على رفض عودة القضاة وإلغاء الحكم الصادر ضد زعيم المعارضة الباكستانية.
ومع إصرار مسيرة التظاهر السلمية على مواصلة سيرها نحو «إسلام أباد» بالرغم من تصدي القوات الأمنية وشبه العسكرية لمنعها، ومع تفجر المظاهرات في مدن باكستانية أخري مثل مدينة «لاهور» دعما لهذه المسيرة، ومع محاولة الجيش حث الحكومة على الحل السياسي منعا من تهديد الاستقرار أو حدوث مواجهات دامية قد تطيح بالنظام، ومع تدخل السفراء الأجانب الأميركي والبريطاني مع طرفي الأزمة خشية أن يؤدي تفاقم المواجهة بين المعارضة والنظام إلى انشغال الحكومة عن مواصلة دورها المطلوب منها في التعاون مع الغرب لمحاربة الأصوليين المسلمين الباكستانيين والأفغان.
ربما لا تتمكن القوات الأمنية من إيقاف المسيرة بعد أن قطعت أربعة أيام في الطريق من مدينة كراتشي إلى العاصمة، ومن منع المحامين والسياسيين من الاعتصام المفتوح أمام البرلمان، احتجاجا على تعنت الحكومة برفض إعادة القضاة المعزولين بقرار من الرئيس الباكستاني السابق الجنرال «برويز» أثار عليه المحامين والمعارضة قبل عامين وهو الأمر الذي تفاقم مع تعنته مع زعماء المعارضة حينها «نواز شريف» و«بناظير بوتو» زوجة «الرئيس الحالي» زرداري «الذي يقف نفس الموقف مع زعيم المعارضة الحالية شريف» بعدما رفض الائتلاف مع زرداري إلا بعد عودة القضاة.
ما جرى في باكستان خلال الأيام القليلة الماضية يؤشر على غياب الديمقراطية الحقيقية في باكستان، فإن الأسباب تقريبا التي أدت إلى مظاهرات المعارضة في الشارع الباكستاني ضد حكم الجنرال برويز الذي وصف حكمه ب «الديكتاتورية العسكرية»، هي نفس الأسباب التي تدفع المعارضة إلى التظاهر ضد حكم الرئيس زرداري الذي يوصف حكمه الآن بالديكتاتورية السياسية، بعد أن ظن الجميع بعد الانتخابات أنه الحكم الديمقراطي، وبالمقارنة ربما يبدو أن برويز لم يكن ديكتاتورا، مثلما يبدو زرداري ليس ديمقراطيا!