عصام المطري
النزر القليل من الناس هم الذين يقفون ملياً أمام ذواتهم يتعرفون عليها ويمدونها بعوامل الرقي والتحضر، فيرغبون بالعمل الجماعي، ويحذرون من ويلات العمل الفردي المضني، وهم كذلك يسارعون بالخيرات، ويقطفون من الورد أجمله وأحسنه، ويتفانون في خدمة الجماعة الإنسانية المسلمة لأن دأبهم الخير. . !!، وهم ماضون إلى خير. . . ، تجمعهم كلمة الله عز وجل ودينه السماوي الخاتم، ويحلو لهم العيش في كنف الإسلام، أعزاء لا أذلة، فينشطون في مناصرة قضايا الأمة الإسلامية والعربية، ويبلغون في ذلك الذروة السامقة، والهوة الساحقة الفاغرة، فنشاطهم نشاط، ودأبهم دأب. . . !!، درجوا على المحبة في العمل، والعمل الجماعي من أجل الله. . . ، فيمضون في ثبات واثقين بما زينهم الله من تعاليم وشرائع وحجج فقهية بالغة الأثر والتأثر، فأهلاً بالإسلام.
* ولا يستطيع أولئك النفر السير في مدارك الكمال، والقطف من هدي الإسلام إلا إذا كانوا على جانب كبير من الإعداد والتهيئة الذاتية التي تبدأ بتهذيب الذات، فالذي لا يهذب ذاته ليس له نصيب في الإسلام وفي العمل الجماعي له، ذلك لأن الإسلام وحدة شعورية ومنظومة متكاملة من التهذيب النفسي ومن الإتقان. . !! كيف لا. . . ؟ والإسلام يعد رجاله على أفضل هيئة وفي جانب من الوقار، يتعهدهم بالعناية وبالرعاية الخالصة من أجل أن يكونوا سيوفاً في الحق ورصاصاً في الوغى، ودروعاً عند اشتداد الخطر. . إنهم وحدة متكاملة، ونسق واحد موحد عشقوا الجنة، وتمادوا كثيراً في دحر الظلام، وقهر المستحيل، فكانوا على أحسن وضع من التهذيب ومن العناية بالذات عناية أكيدة، ملزمة لا معلمة، تزدان فيها النظافة.
* ثم أن الإسلام دعا إلى تهذيب الذات، والاهتمام بها أي الذات جوهراً ومظهراً، فمن تهذيب الذات جوهرياً دعا الإسلام إلى حسن المراقبة الذاتية. . مراقبة الله في الصغيرة وفي الكبيرة، وتعهد النفس البشرية بالاهتمام والعناية والرعاية من أجل الوصول إلى الكمال البشري، ومن أجل إيجاد رجال ربانيين يحررون الأمة الإسلامية والعربية من الضعف والوهن الذي أصابها في مقتل، ويحررون الديار العربية والإسلامية من المحتل الأجنبي الدخيل الذي عاث في الأرض فساداً، وأهلك الحرث والنسل، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وحطم بنيان الأمة الإسلامية والعربية في فلسطين المحتلة. . الحرة الأبية التي صارت النكسة للأمة الإسلامية والعربية، فأين عمر بن الخطاب؟ وأين صلاح الدين الأيوبي؟
* أما تهذيب الذات في جانب المظهر فقد دعا الإسلام إليه، فهذا النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من أنفق ثلث ماله في الطيب فما خسر"، فهي ليست بالخسارة عندما تنفق ثلث مالك بالطيب وتجمل ذاتك بالطيب، وتهتم بتهذيب ذاتك مظهرياً، وتأمر السنة النبوية المطهرة بأن من لديه شعر فليكرمه بالدهن وبتمشيطه وهذه لعمري واحدة من الدعوات إلى الاعتناء بالمظهر وتهذيب الذات تهذيباً خالصاً يحقق العناية بتهذيب جوهرها، فليس أدل على الأمر بتهذيب الذات من أمر النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين بالغسل يوم الجمعة وبالتطيب، وبلبس الجديد في صلاة العيدين، إنهما دعوة إلى تهذيب الذات وتجميله وتحسينه من أجل أن يكون عند مستوى التعاليم والشرائع المحمدية.
* ويمكن أن نصل بتهذيب الذات إلى أبعد مستوى ممكن، فتهذيب الذات يشتمل على الورع والتقى، فكن ورعاً تقياً تكمل تهذيب ذاتك، فلا تقل من الكلام إلا ما يرضي ربك وخالقك، ولا تخالط من الناس إلا من ترى فيه التقى والصلاح، فهذب ذاتك، واتخذ من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قدوة صالحة ومثلاً أعلى في تهذيب الذات، ومن الصحابة رضوان الله عليهم، واقرأ في سير الصحابة ورجال حول الرسول، واقرأ للخلفاء الراشدين، فقد وقع بين يدي كتاب قيم ممتاز وجميل هو خلفاء الرسول لخالد محمد خالد اقتنيه واقرأ للخمسة الخلفاء الراشدين تزداد علماً وفهماً وتهذيباً للذات راقياً وجيداً وممتازاً.
* هذب ذاتك واجعل ذلك من قوام تكوين شخصيتك الفريدة، فأنت ومن خلال تهذيب الذات سوف تصل إلى المحامد وسوف تتخطى بعبع الإخفاق والفشل والهزيمة النفسية، وتهذيب الذات تنميق الذات نفسياً وطرد القلق والوساوس والأوهام فلا تقف عند تلك الوساوس والشكوك والأوهام والإحباطات والإرهاصات فكن حريصاً على تهذيب ذاتك واتعلم واستزيد من المعلومات والمعارف التي تتعرض لها يومياً أو إسبوعياً في محيط قراءتك الحرة والإطلاع المضني في الكتب والمجلات والصحف اليومية والاسبوعية، فتهذيب الذات يعني القراءة والإطلاع المستزيد في الكتب والمجلات والصحف اليومية والأسبوعية من أجل كمال الشخصية.
* وأحب أن أهمس في أذنيك أن العافية السياسية والعمل الجماعي للإسلام لن يتأتى إلا من خلال تهذيب الذات، واحتمال المخاطر في هذا الميدان، فتهذيب الذات سيكون عوناً لك على المخاطر، وستدرأ المزيد منها فجمل ذاتك وهذب ذاتك تكن أفضل الناس، وعليك بأصحاب الورع والتقى وعليك بإصتحاب العلم والعلماء واقتفي أثرهم وكون أسرة راقية وأمرهم على تهذيب ذواتهم وأن ذلك سلماً للمجد والسؤدد والرفعة والتقدم، فحاول مرةً أخرى لتهذيب ذاتك، واحذر من أهل النفاق والشقاق وخاطب ذاتك بأفضل الأساليب ولا تحتقر الذات يوماً والله المستعان.