بقلم :ممدوح طه
رغم حرص العرب على نجاح الحوارات الوطنية كوسيلة ديمقراطية لحل أزمة الصراع على السلطة بين القوى السياسية المتنافسة على الحكم، إلا أننا مع ذلك نلاحظ، أن الحوارات ذاتها تواجه أزمة غياب «ثقافة الحوار» أحيانا، بعدم احترام الأقلية لرأى الغالبية أي «بديكتاتورية الأقلية»، أو بعدم احترام الأغلبية لرأي الأقلية بفرض الخيار القرار أي «باستبداد الغالبية»، بما يؤدي إلى فشل الحوار دون حل، لتبقى الأزمة، مفتوحة على كل الخيارات.
وأمامنا أكثر من مشهد لأكثر من تجربة عربية عانت فيها الديمقراطية من الأزمة إما بالانقلاب عليها من الخارج «عدوانا» برفض الاعتراف بنتائجها وحصارها ومحاولة إجهاضها، بمقاطعة حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا، ثم بإقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة حماس كما حدث في فلسطين!
أو بالانقلاب عليها من الداخل «عدوانا» لقطع الطريق على المسار الديمقراطي بالتمرد المسلح أو الاستيلاء على السلطة بالقوة كما في السودان، أو «تصحيحا» لفتح الطريق أمام المسار الديمقراطي حلا لأزمة «الانسداد الديمقراطي» بين مؤسسات الشرعية الثلاث وهى الرئاسة ومؤسسة البرلمان والحكومة، كما في موريتانيا.
وسبق أن قلنا أنه برغم مثالية «الديمقراطية» كآلية لحل مشكلة الصراع على السلطة، إلا أن أكثر من أزمة تجرى الحوارات بين أطرافها لحلها وصولا لسلطة وطنية توافقية تعبر عن غالبية الإرادة الشعبية، تشير بوضوح إلى أن تطبيق «الديمقراطية» بشكلها التقليدي الغربي القائم على التعددية السياسية والانتخابات النيابية يعاني من أزمة حقيقية!
تجربة الانتخابات الديمقراطية في فلسطين نتج عنها عدوان خارجي على الديمقراطية برفض «الغرب الديمقراطي» لنتائج الانتخابات المعترف بسلامتها في أغرب انقلاب ديمقراطي على الديمقراطية، ولم يكتف بالرفض بل تعداه إلى العزل والحصار للحكومة الديمقراطية المنتخبة لإرغامها على والقبول بشروط الرباعية الدولية التي هي نسخة من الشروط الإسرائيلية.
وبالتالي التنازل عن برنامجها الانتخابي الذي نال ثقة الغالبية الشعبية الفلسطينية، وارتكبت إسرائيل الديمقراطية، التي يصفها الغرب بأنها «واحة الديمقراطية في الشرق» جريمة خطيرة ضد الديمقراطية باختطاف أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين من ممثلي الحركة الفائزة بالانتخابات، في محاولة لإنقاص نصاب الغالبية البرلمانية، وسكت العالم الغربي الديمقراطي، مثلما سكت العالم العربي غير الديمقراطي على هذه الجريمة ومازال ساكتا حتى الآن.
كما وقع على هذه التجربة عدوان داخلي برفض الحركة الخاسرة في الانتخابات التي كانت ممسكة بالسلطة التعاون مع هذه الحكومة وسعت إلى إفشالها ثم إلى إقالتها، ليس فقط بل وتشكيل حكومة لتصريف الأعمال لا هي منتخبة ولا نالت تصديق المجلس التشريعي حسب الأصول الديمقراطية والدستورية.
ولما اعتبرت الحكومة المنتخبة أن إقالتها وتكليف غير المنتخب برئاسة الحكومة هو انقلاب سياسي من رئاسة السلطة على الديمقراطية، فرضت نفسها بالقوة في قطاع غزة ولاتزال إلى اليوم فيما اعتبره منافسوها انقلابا عسكريا على السلطة، والنتيجة في النهاية أن تفاقمت مشكلة الصراع على السلطة بسبب نتائج الانتخابات التي لم ترضي الغربي الديمقراطي ولا العربي غير الديمقراطي!
ولهذا فإن أكثر الموضوعات صعوبة في الحل في الحوار الوطني الفلسطيني الجاري في مصر كانت مسألة تشكيل الحكومة والانتخابات الرئاسية والنيابية، التي يدرك جميع أطراف الحوار أنه لابد من التوصل إلى توافق ما على حل مقبول من جميع الأطراف، حيث لم يعد من حق أحد استمرار الانقسام الوطني الفلسطيني.