وأذكر ممن ساعدوا الدولة الشيخ محمد الزايدي وعلي بن علي الزايدي وعبدالله محمد الزايدي وبن هذال وآل طعيمان ومحمد كريشان من جهم، ومن نهم الشيخ سنان أبو لحوم، والشيخ راجح أبو لحوم، والمقدم محمد أبو لحوم، ومعظم مشائخ نهم، وكان لي الشرف أني كلفت بهذه المهمة لقيادة الحملة بقوة لواء مدعم لدخول مأرب. لقد تعاون معنا عدد من مشائخ مأرب وأعيانها، وآل العرادة والأشراف وابن مقلد وآل جلال وآل معيلي وغيرهم من المشائخ، وكان لدخول الدولة إلى مأرب أثره الكبير. وعُدّ نصراً جديداً للجمهورية، وبعد السيطرة الكاملة على المحافظتين طلب مني عدد من السفراء المعتمدين في اليمن من الدول العربية والصديقة زيارة المدينة بعد بسط الدولة سلطتها على المحافظة، وزاروا المحافظتين، واطمأنوا من قدرة الدولة على السيطرة على كل أراضيها.
ولقد سألني بعض مشائخ عبيدة حول التنسيق مع الجيران فأبلغتهم بأن هذا أمر طبيعي، لأن المملكة تحترم سيادة اليمن على أراضيها ولا خوف على هذا الموضوع، وأصبحت علاقتنا بعد المصالحة الوطنية مع المملكة في حالة طبيعية، وتنسيق وتعاون في كل القضايا التي تهم أمن البلدين وعلاقتنا ممتازة.
وبعد الاستقرار الأمني والإداري في محافظتي مأرب والجوف كلفني الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني بالذهاب إلى السعودية برسالة إلى جلالة المغفور له الملك فيصل،لشرح التطورات الأخيرة في المناطق الشرقية وأوضاعها، وكذلك أوضاع الإخوة النازحين من جنوب الوطن الذين تعرضوا للتشريد من النظام الماركسي الشيوعي الذي نهب ممتلكاتهم وأراضيهم وهم يعيشون في وادي عبيدة، وأصبحنا قلقين من امتداد النشاط اليساري إلى هذه المناطق في غياب الدولة،ولهذا تحملنا أعباء كبيرة وتمكنا من تثبيت وجودنا في المحافظتين، وطلبت من جلالة الملك المساعدة للتغلب على الأوضاع المتردية، لمواجهة المدّ اليساري في هذه المناطق، وكان الجواب الأخوي الصادق الحكيم من جلالة الملك فيصل الذي تفهم هذا الجهد الكبير الذي بذلته الدولة في المناطق الشرقية، ورحب بهذه الخطوة، وقدر جهود الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني وحكومة القاضي عبدالله الحجري في هذا النجاح الذي يخدم الأمن والاستقرار في جنوب الجزيرة، وحملني رسالة جوابية للرئيس، أكد فيها وقوف المملكة مع اليمن في كل خطواتها التي تحافظ على أمنها واستقرارها ورخائها ووعد أن تقدم المملكة كل العون والمساعدة لكي تتمكن اليمن من سيطرتها على أراضيها،والمحافظة على سلامة أبنائها، تلك كانت أبرز النجاحات التاريخية التي أرست دعائم الأمن والاستقرار، وسيطرت على كل شبر من أراضي الجمهورية العربية اليمنية في تلك المرحلة الصعبة الحرجة،وبالإمكانيات المتواضعة التي أديرت بحكمة وعزيمة صادقة في حكومة القاضي عبدالله الحجري.
المرحلة الأخيرة في إعادة تنظيم القوات المسلحة
لقد واجهت حقيقة قدرتنا العسكرية حينما ثبتنا الدولة في مأرب والجوف،ووجدت أننا بحاجة إلى مواصلة تنظيم الوحدات وتدريبها، وكذلك تم دمج بعض وحدات المشاة منها لواء الثورة ولواء الوحدة وتم تسميته اللوء الأول، وكذلك الحاجة إلى تجميع الدبابات الموزعة في بعض المناطق، وإعادة هيكلتها إلى كتائب، ومنها كتائب المدرعات، الأولى والسادسة والثانية، وكذلك جمعنا قطع المدفعية الموزعة في عدد من المناطق، وأعيد تدريبها وهيكلتها إلى كتائب منظمة ومدربة،وكذلك أعيدت هيكلة الوحدات من جميع الأسلحة في المحافظات وعين أكفأ الضباط الإداريين لإعادة تنظيم جميع الإدارات،واستعنا بعدد من الخبرات العربية لتطويرها، كذلك وجدت أهمية لبناء وحدات مقاتلة جديدة وهكذا أسسنا قوات المجد في حجة وعمران بقيادة الأخ العميد مجاهد أبو شوارب، وقوات العمالقة في ذمار بقيادة الأخ المرحوم المقدم مجاهد أبو شوارب،وقوات العمالقة في ذمار بقيادة الأخ المرحوم المقدم عبدالله الحمدي، وأعدت تلك الوحدات إعداداً جيداً، وعُين فيها ضباط أكفاء منهم الأخ اللواء علي صلاح والأخ أحمد حنظل وغيرهم من الضباط المخلصين لوطنهم وكانت فكرة تجسيد وحدات جديدة قد درست عام 1972م بعد حرب الحدود في المناطق الجنوبية، وبدأنا تنفيذها بناء على قرار القيادة السياسية، بتجنيد لواء المجد، ثم طورنا القرار إلى ثلاثة ألوية بعد دخول مأرب والجوف.
قوات العمالقة
كما عملنا على بناء وحدات جديدة في منطقة ذمار بعد حملة رداع على محمد علي جرعون الذي قام بعملية التمرد، لكي يكون له شأن في النظام الجمهوري بعد المصالحة الوطنية،فتحركت حملة بقيادة الفريق حسن العمري إلى رداع، وكنت معه في هذه الحملة مع عدد من القادة العسكريين ،ودرسنا وضع المنطقة وأهمية وجود حامية عسكرية قادرة على بسط نفوذ الدولة ومقاومة التخريب في المنطقة الوسطى ، وأقرت القيادتان السياسية والعسكرية تعيين الأخ المرحوم المقدم عبدالله الحمدي قائد لواء العمالقة عام 1971م، الذي أصبح قوة بعد دمج بعض الوحدات إليه بموجب خطة القيادة العسكرية التي أوضحت أهمية وجود حامية عسكرية في المنطقة الوسطى.
وكنا مهتمين بتوسيع قاعدة القوات المسلحة، فطبقنا إستراتيجية جديدة في وضع قوات نظامية عسكرية حديثة في منطقة مهمة مثل ذمار،وبعد مضي مدة على إنشاء هذه الوحدة لاحظنا للأخ المقدم إبراهيم الحمدي اهتماماً خاصاً بها، ولا سيما بعد تعيينه نائباً للقائد العام، واتضح فيما بعد أن اهتمامه بها جزء من خطته في الإعداد لحركة 13 حزيران/ يونيو 1974م، وسياسة القيادة لم تدرك ذلك، لأن خطتنا كانت إيجاد وحدة جديدة، تمثل إضافة نوعية في القوات المسلحة لحماية الوطن والدفاع عن سيادته وحماية أراضيه ، ولثقتنا بالأخوين إبراهيم الحمدي وعبدالله الحمدي، لم نفكر أن الرعاية الخاصة من الأخ المقدم إبراهيم الحمدي كانت لأغراض سياسية انقلابية، لمشاركة في حركة 13 حزيران/ يونيو التي أعاقت التطور والبناء، وفتحت باباً جديداً للانقلابات والطموحات المؤسفة التي فقد الوطن فيها عدداً من رجاله بعد ذلك.
القوات الجوية والبحرية
كان الوضع في القوات الجوية والبحرية متواضعاً جداً ،وإمكانياتنا محدودة في القوانين وكان الفضل للإخوة السوريين في حرب السبعين وهو العامل المساعد الذي أهل عدداً من الطيارين اليمنيين، ولم نتمكن من الحصول على الطائرات المقاتلة للقوات الجوية وكذلك وضع القوات البحرية، التي تعتمد في تسليحها على الاتحاد السوفيتي سابقاً. وفي السنوات الأخيرة قبل المصالحة الوطنية أبلغونا رسمياً بأنهم لن يقدموا لنا معونات عسكرية، وعلينا أن نسعى للسلام مع الجيران، كما ذكرت ذلك سابقاً، وبعد المصالحة لم يقدموا لنا أي معونات عسكرية رغم أننا كنا بحاجة إلى قطع الغيار للأسلحة القديمة، وبعد إلحاح شديد أعطونا بعضها، مما ساعدنا على تجميع الأسلحة الموزعة في المناطق العسكرية التي أصبح وضعها مستقراً بعد المصالحة.. الأمر الذي أتاح لنا أن نبذل جهوداً كبيرة في تأهيل الضباط في الداخل والخارج، وأرسلنا عدة بعثات إلى عدد من الدول الشقيقة والصديقة مثل سورية والعراق والمملكة السعودية وإيران، وبعثنا عدداً من ضباط الثورة لعقد دورات أركان حرب في السعودية، ومنهم الأخ المقدم علي بن علي الجائفي، والمرحوم المقدم ناجي علي الأشول ، وأرسلنا عدداً من الضباط إلى الاتحاد السوفيتي لعقد دورات متقدمة في المجالات الفنية والتقنية، وضاعفنا من عدد الخبراء السوفييت في المجال الفني ، لكي نؤهل ضباطنا لصيانة الأسلحة والاعتماد على الصيانة المحلية. لقد تحدثت في اللقاءات السابقة عن علاقتنا بألمانيا خلال زيارتي لها للحصول على مساعدات فنية طبية، كذلك طلبنا تأهيل عدد من الضباط في المعاهد العسكرية، كان لدينا عدد من الخبراء الروس في الشمال وكذلك في الجنوب، وهذه معضلة كنا نعانيها.
ومما لا شكل فيه أن عواطف الخبراء الروس أو الاتحاد السوفييتي السابق كانت وقتها مع الإخوة في الجنوب أكثر مما هي معنا، ولا سيما بعد المصالحة الوطنية، لأننا ضد الشيوعية وضد الإلحاد، وبلدنا عربي إسلامي، وليس لدينا سياسة نمركس بها اليمن أو ندعي الاشتراكية،لكي نعمل ببعض الأفكار الموجودة في أدبيات الحزب الشيوعي السوفييتي. والإخوان في الجنوب كانت علاقتهم وثيقة بهم وبألمانيا الشرقية والصين، وخطابهم الإعلامي والسياسي يشيد بالاشتراكية العلمية التي شوهت صورة اليمن لمحاربة الإمبريالية العالمية والرجعية العربية، هذا البلد الفقير المتخلف يتطاول على الدول الكبيرة بشعارات لا تخدم الوطن والمواطن، بل تعرضت اليمن إلى متاعب كبيرة بسبب ذلك الخطاب الديماغوجي السياسي الإعلامي الأجوف.