;

أوراق من ذكرياتي ..الحلقة «35» 952

2009-03-21 04:50:47

ذات مرة كنا نعد خطة عمليات تدريبية دفاعية لقواتنا، وكان من المفاجآت أن الخبير الروسي غلط ووضع خطة هجوم القوات للجنوبية فاطلعت عليها بغير قصد.

ويبدو أن هذه الخطة كانت معه بالمصادفة، والخبراء السوفييت في الشمال والجنوب يتبادلون المعلومات فيما بينهم، دولة كبيرة لها قدراتها وإمكانياتها للحصول على المعلومات، وكان لدى الخبير السوفييتي خطة للقوات الجنوبية في حالة الهجوم على الشمال، ونشرت هذه الغلطة في حينه، في مجلة الحوادث اللبنانية، وهذه من الأدوار السياسية التي تلعبها الدول الكبيرة مع الدول الصغيرة المتخلفة والقاصرة في فهمها السياسي، فيكون الأمر ضدها دون أن تدري! هذه الصورة تؤكد وقوف الاتحاد السوفييتي السابق مع الإخوة في الجنوب، لكي يخدموا المصالح السوفييتية في شبه الجزيرة خلال أيام الحرب الباردة.

أسلحة سوفييتية من مصر

إن الأسلحة والمعدات التي استخدمناها في الحرب أصبح معظمها في حالة سيئة، ويحتاج بعضها إلى قطع غيار لإصلاحها ، وبعضها أصبح مستهلكاً لا يصلح، ولهذا كان العجز كبيراً فيها، وكنا نطلب من الخبراء الذين يعملون معنا إبلاغ حكومتهم بوضع التسلح المتدهور، وكذلك أبلغنا قيادتنا السياسية لكي تبذل جهدها مع الحكومة السوفييتية.

والخبراء كانوا ينفذون سياسة حكومتهم، كنا نطلب منهم قطع غيار للأسلحة على أساس الصداقة والعلاقة التقليدية بين الشعبين، ، وحينما علم الإخوة في السعودية حاجتنا إلى أسلحة سوفييتية بحثوا عن كمية من الأسلحة الروسية من مصر، لأنها محتاجة إلى أموال، كما قال الرئيس: السادات ، فتم عقد صفقة أسلحة سوفييتية مستخدمة في مصر ، وهي دبابات 34 T ومدفعية 24رطل وبعض الأسلحة الخفيفة "والقديمة" وكانت قيمة هذه الصفقة لمساعدة مصر في المجهود الحربي، لأننا لم نراجع الأسعار ولا نوعية السلاح ، تقديراً للشعب وللحكومة المصريان على مواقفهما معنا. وتركنا موضوع صفقة الشراء يتفق بشأنها الشيخ كمال أدهم رئيس الاستخبارات السعودية مع الحكومة المصرية، ووقعت هذا الاتفاق مع مصر من الطرف اليمني، وتم تحويل القيمة من المملكة العربية السعودية مباشرة إلى الحكومة المصرية.

الإخفاق المبكر لانقلاب 13 حزيران / يونيو 1974-1978م

إرهاصات انقلاب 13 حزيران / يونيو 1974م وبداية الخلاف السياسي مع حكومة القاضي عبدالله الحجري

في نهاية عام 1973م حدث تباين في الآراء مع القاضي عبدالله الحجري حول سياسته التي لا تتوافق مع سياسة الرئيس الذي يرى أن الحوار مع الأحزاب اليسارية من قوميين وبعثيين يؤدي إلى سحب البساط من تحت المزايدين في الجنوب ، وهم كما يقول الرئيس الإرياني :"أبناؤنا مسلمون ، ولا يمكن أن يكونوا ملحدين، وإنما لهم وجهات نظر سياسية واقتصادية وهذه الرؤية لا تمس المعتقد الديني". في حين أن سياسة القاضي عبدالله الحجري ترى غير ذلك في تعامله مع القوى اليسارية،وهي قناعته ورؤيته نحو الأحزاب القومية الشيوعية، لأنه يتمتع بثقافة دينية لها نهجها وسياستها.

لقد أوضحت سياسة القاضي عبدالله الحجري ورؤيته في تمسكه بثقافته الدينية وخلفيته الإدارية الحاسمة، وجديته في التعامل مع الشباب والأحزاب السياسية، وسياسة القاضي عبدالرحمن الإرياني ، تنطلق من الوسطية، ويؤكد ذلك خطابه التاريخي الذي قال فيه: "لا نقبل الحزبية، سواء جاءت لنا بقرون الشيطان أو بمسوح الرهبان"، وهو رجل معرفة وفقه وسياسة واسعة، واختلاطه بكثير من زعماء العالم ساعده على المعرفة والقبول بكل جديد ، ولديه مرونة يستخدمها في التعامل مع القوى السياسية الجديدة، ويعيش العصر بكل تطوراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية برؤية معاصرة، في حين أن آراء القاضي الحجري تختلف عن سياسة الرئيس، وله فكرت السياسي في التعامل مع القوى الجديدة، ويرى أن التعامل معها يجب أن يكون من منطلق ومنظور إسلامي بحثت، كما ذكرت سابقاً.

هذه هي الأسباب التي أدت إلى أن يقرر الرئيس الإرياني مع زملائه أعضاء المجلس الجمهوري وبعض الشخصيات السياسية المشاركين في الحكم المؤثرين في صنع القرار في تلك المرحلة إقالة حكومة الحجري، ولا سيما بعد الخلاف السياسي مع نائبه الأستاذ محمد أحمد نعمان، لهذا تقرر تكليف شخصية سياسية مجربة بتشكيل حكومة جديدة، تعمل بالسياسة التي ترسمها القيادة السياسية، ولا تتعارض معها، لكي تستوعب الشباب وتستفيد من قدراتهم وإقناعهم بأن يعملوا جميعاً لما فيه مصلحة اليمن واستقراره.

والجدير بالذكر أن رجال القوى السياسية المؤثرة في صنع القرار هم الأستاذ الكبير محمد أحمد نعمان والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم والشيخ أحمد علي المطري، إلى جانب القيادة العسكرية التي لها مكانتها في قيادة القوات المسلحة.

وللشيخين عبدالله وسنان موقفان مختلفان، إذ كل منهما يعمل لتوجهاته السياسية، وبينهما الرئيس الإرياني يفكر بعقلية الزعيم السياسي الحكيم، الحريص على مصلحة الوطن، ويبحث عن حلول توحد الرؤى لما فيه خدمة الوطن وسلامته، ويدرك أن الجيران في المملكة العربية السعودية لا يرغبون في التعاون مع الأستاذ محسن العيني، الذي يطمح الشيخ سنان أن يعود لرئاسة الحكومة. وموقف الشيخ عبدالله وقناعته هي في استمرار القاضي عبدالله الحجري رئيساً للحكومة، وهذا التباين ظهر بوضوح بعد حركة 13 حزيران / يونيو 1974م.

تخمرت فكرة إقالة حكومة القاضي الحجري قبل انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في لاهور بباكستان نهاية عام 1973م، ولهذا كلفني الرئيس بالتواصل مع الإخوة السعوديين، لإبداء رغبته بزيارتهم قبل انعقاد المؤتمر، قابلت جلالة الملك فيصل رحمه الله الذي استقبلني الساعة الثانية عشرة مساء وأطلعته على تلك الرغبة فكلف المرحوم المستشار الدكتور رشاد فرعون بإعداد الدعوة لتسليمها لفخامة الرئيس بعد عودتي إلى صنعاء.

توضيح الحقائق

وبما أنني أسجل المواقف والأحداث للتاريخ ، فإن من الواجب الأخلاقي أن أذكر المواقف والاحداث من دون مبالغة ومنها الاشادة بحنكة وحكمة فخامة الرئيس الذي كان يستغل كل المناسبات للحوار مع الاشقاء لتحقيق المصلحة الوطنية، وتعميق العلاقة الاخوية مع الاخوة في المملكة.

وبعد عودتي الى صنعاء سلمته الدعوة واخبرته بموافقة جلالة الملك فيصل الفورية قبل موعد مؤتمر القمة الاسلامي في لاهور، وهكذا توجه الرئيس الى مؤتمر القمة الاسلامي وتوقف في طريقه لزيارة المملكة العربية السعودية في الرياض يوم الخامس من كانون الاول /ديسمبر عام 1973م، واستقبل استقبالاً رسمياً. وفور وصوله اجتمع بجلالة الملك فيصل اجتماعاً هاماً ومطولاً، وشرح الحالة الاقتصادية في اليمن وما تحتاج اليه من دعم جدي بموجب الوعود التي وعد بها جلالته في الزيارة السابقة، وكان في حديثه ما يشير الى العتب الاخوي على المملكة، لان مساعدتها كانت محدودة جداً ولم تحقق الآمال التي كان يحلم بها اليمنيون.

كما شرح الرئيس موقفه من القوى السياسية الجديدة التي يثار حولها جدل واسع، وكيف يتعامل معها بصدر رحب ، لان المعلومات التي تبلغ المملكة فيها مبالغة وتسيء للعلاقة الاخوية بين الدولتين، وتشوه صورة الحكم الرشيد للرئيس القاضي عبدالرحمن الارياني الذي نادى بالسلام وحققه، والذي دعا في كل المراحل الى اهمية العلاقة مع السعودية والحرص عليها، وبالرغم من تلك المواقف الناصعة والصادقة يبالغ الحاقدون، ويثيرون مخاوف المملكة من حوار الرئيس مع القوى الجديدة التي يتعامل معها بحنكة الزعيم الحكيم، والاب الحريص على ابنائه.

كما تحدث الرئيس بعتب شديد عن التعامل مع بعض المسؤولين اليمنيين مباشرة، وتجاهل السلطة الشرعية في صنعاء، وطلب من جلالة الملك التوقف عن المساعدات المالية المعتمدة لبعض الشخصيات السياسية والقبلية التي اصبحت مسؤولة في الدولة، وعد الاستمرار في تسليم الميزانيات لتلك الشخصيات مساساً بسيادة الدولة، كما كان يكررها في اجتماعاته وجلساته.

وتطرق اول مرة للكلام على اهمية التعامل مع الدولة ومؤسساتها حرصاً على سلامة العلاقة الاخوية مع المملكة, ورأى الدعم المالي لهذه الجهات او الاشخاص يؤثر على علاقة اليمن بالسعودية، وان التعاون الاقتصادي والمالي يجب ان يتم بين الحكومتين والقيادتين وابدى الرئيس رفضه الشديد ان تكون اليمن (الشمال) ممراً لاي نشاط عسكري ضد الشطر الجنوبي سابقاً، لان القيادتين السياسية والعسكرية اجمعتا على عدم السماح باستمرار دعم المعارضين من اراضي الشمال. هذه هي المواضيع الشائكة والصعبة والهامة التي تحدث عنها فخامة الرئيس مع جلالة الملك ، وكنت الشخص الوحيد الذي حضر هذا اللقاء الهام، وفي هذا الاجتماع كان جلالة الملك مصغياً لحديثه، وكان منفعلاً لسماع ما شرحه، وظهر على ملامحه بنظراته الثاقبة وذكائه الحاد الذي يوحي بأن هذه المواضيع التي طرحت عليه لا يراها مناسبة وتحتاج الى مراجعة ودراسة، وجلالة الملك لن يعلق على تلك المواضيع من دون دراسة وتشاور مع اخوانه ومستشاريه.

هذا اللقاء المهم التاريخي من اهم اللقاءات في تاريخ علاقة اليمن بالمملكة وكان موقف القاضي موقفاً تاريخياً يسجل له في انصع صفحاته، لصدقه مع جلالة الملك فيصل، وحرصه على كرامة شعبه وسيادة الوطن، وخلال الحديث ظهرت انفعالات جلالة الملك بامساك عباءته شمالاً ويميناً في اشارة ودلالة واضحة على عدم رضاه عما سمعه من فخامة الرئيس، وهذا يدل على الصبر والحنكة والقدرة التي يتمتع بها جلالته في المواقف الهامة.

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد