زياد أبو شاويش
بعد مضي ست سنوات على غزو العراق يتحدث الأمريكيون عن خطط جديدة أو استرتيجية جديدة يختطها الرئيس أوباما في العراق مغايرة لاستراتيجية سلفه، ويعتقد البعض منهم أن سياسة الرئيس الحالي أفضل من زاوية مصالح الشعب الأمريكي والخروج المشرف لقواته الغازية من العراق، وحين سؤل وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس عن ذلك وإمكانية إعلان الانتصار في الحرب الأطول التي تخوضها بلاده منذ نشأت قال أن هذا الأمر يجب أن يترك للمؤرخين وأنه لا يملك إجابة شافية عليه.
والآن لو سألنا أي مواطن عراقي باستثناء القادمين على ظهور دبابات الاحتلال عن حال العراق قبل الغزو وبعده فإن إجابة الأغلبية الساحقة ستكون لصالح عراق ما قبل الغزو والقتل والتدمير، وبحساب رقمي بسيط فيما يتعلق بكافة مجالات النمو والتقدم ومحدداتها المعروفة فإن الأرقام توضح الفارق الكبير وخاصة في مجال التعليم والبحث العلمي والصحة والعمالة والبنية التحتية وغيرها من المجالات التي حاول الحصار الأمريكي الظالم تخريبها، هذا الحصار الذي ألحق بالعراقيين الأذى،وحاول التمهيد لانقلاب عسكري داخلي ولكنه فشل.
الحقيقة التي يجب أن توضح قبل الإسترسال في تناول أسئلة المستقبل العراقي وإمكانية انتهاء مفاعيل الغزو أو انسحاب كامل القوات الغازية، قلنا قبل ذلك لابد من تذكير الجميع بأن غزو العراق لم يكن بسبب أسلحة الدمار الشامل التي اعترف بوش وادارته المحافظة بالخطأ في تقدير وجودها، ولا كان لطغيان النظام العراقي في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي وصدام حسين، أو من أجل خلق حياة ديمقراطية وفرصة أفضل للشعب العراقي على حد زعم الادارة السابقة والحالية، بل كان حسب كل الوثائق التي تنشر في الولايات المتحدة وتصريحات جريسبان مدير ادارة الاحتياطي الفدرالي النقدي السابق من أجل النفط العراقي والاستيلاء على منابعه وضمان السيطرة الأمريكية عليها لفترة طويلة ومن ثم استمرار التفوق الأمريكي والتفرد على الصعيد العالمي، وكون احتياطات العراق النفطية تساوي أربعة أضعاف المخزون النفطي الأمريكي الذي لم يعد إنتاجه يفي باحتياجات أمريكا منذ زمن بعيد.
إن تأكيد هذه الحقيقة جاء من خلال التغير الجوهري الذي طرأ على سياسة أوباما المعلنة قبل الانتخابات وما أعلنه بعدها، فكما تابعنا وسمعنا منه تصريحه الأشهر حول هذه المسالة حين قال أثناء حملته الانتخابية أن الحرب على العراق "ماكان ينبغي شنها أبداً" ثم عاد اليوم ليلعق كل هذا ليس بالابقاء على عدد كبير من القوات يصل إلى خمسين ألفاً حتى آب (أغسطس) من عام 2010 وهو ما يخالف وعوده بانسحاب سريع ومكثف يصل إلى لواء كامل كل شهر، بل بتبني معظم إن لم نقل كل خطة بوش في العراق بما في ذلك تاريخ الانسحاب المحدد من سلفه بنهاية عام2011.
ولو كان السيد أوباما يرغب حقاً في تغيير خطط سلفه الأحمق ويتخلى عن مغامرة المحافظين الجدد الخطيرة والدموية في العراق لقام على الأقل بتغيير الطاقم القيادي في البنتاجون والمشرف على هذه الحرب في عهد سلفه سواء في الموقع الأول بوزارة الدفاع أو في هيئة أركان القوات المتواجدة في العراق. إن ما يلفت الانتباه في كل ما تحدث بشأنه رئيس الادارة الامريكية الجديدة حول موضوع العراق هو عدم تطرقه حتى اللحظة في أي خطاب لموضوع النفط والذي يعتبر الجائزة الكبرى لغزو العراق حسب المخططين والمروجين لهذه الحرب، ويبدو أن ذلك يعود لاطمئنان هؤلاء بأن الوجود الأمريكي في العراق سيكون ممتداً ولن تنتهي سيطرة الولايات المتحدة على شؤون العراق بعد تاريخ الانسحاب المعلن حيث ستبقى السيطرة الجوية والبرية لأمريكا ولن يتمكن الجيش العراقي من تطوير قدراته الحالية والتي تؤهله فقط لدور أقرب للشرطة منه لجيش محترف قادر على الدفاع عن وطنه أو شن حرب خارجية شرقاً أو غرباً... وتحديداً ضد اسرائيل.
ولهذه الغاية تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعقد اتفاقات ومباحثات مع الأكراد في الشمال لبناء قاعدة جوية على غرار الموجودة في تركيا، كما تؤكد مؤشرات كثيرة على بقاء قوات قتالية جاهزة للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق إن اقتضت الضرورة حماية النظام الموالي في بغداد تحت إسم قوات تدريب أو بحجة مكافحة الارهاب ومواجهة تنظيم القاعدة وحماية المصالح الأمريكية يتفق الطرفان على عددها ولا تخضع للاتفاق الأمني الذي وقع نهاية العام الماضي.
إن عدم تحقيق النصر في العراق حتى اللحظة ولفترة طويلة قادمة يعني حرمان الولايات المتحدة من جائزتها النفطية، الأمر الذي يعني استمرار السيطرة ومفاعيل الغزو التي نراها تنخر في الجسد العراقي المدمي، وهو ما يعني أن الحرب ستستمر وأن المقاومة ستبقى متيقظة ويدها على الزناد لفترة طويلة قادمة حسب ما يقوله بعض الكتاب الأمريكيين.
إن إجابتنا أو مقاربتنا لبقاء الوجود الأمريكي في العراق بما هو وارد أعلاه لنجيب عن أكثر الأسئلة إقلاقاً للمواطن العربي في العراق وخارجه لا تعني أن إمكانية تكرار ما حدث في فيتنام غير واردة فهذا لا ينسجم مع المنطق ذلك أن تبدلاً في أولويات الادارة الحالية على ضوء تطور الحرب في أفغانستان وظهور مؤشرات جدية على استحالة الحصول على الجائزة عبر مقاومة عراقية عنيفة ومتجددة وعلى مختلف الصعد سيضع نهاية سريعة للاحتلال، كما أن موضوع العراق لم يعد في اولويات المواطن الأمريكي كالسابق، مضافاً لكل ما تقدم الأزمة الاقتصادية الخانقة.
إن باقي الأسئلة المقلقة ترتبط بالسؤال السابق، أو بالأحرى سيكون حل المشاكل العالقة في العراق وهي كبيرة ومتنوعة رهن بزوال الاحتلال أو بقائه، وبقدر ما ينجح العراقيون في توحيد صفوفهم على قاعدة طرد الاحتلال واتمام المصالحة من هذه الخلفية ستكون الاجابة على كل الاسئلة أسهل وفي متناول العراقيين. إن علاقة الأكراد بالدولة المركزية والعرب ستكون أكثر انسجاماً وفي خدمة وحدة العراق وتطوره في حال انتهاء الاحتلال الأمريكي، وهو ما ينطبق على قضية كركوك والموصل، وبشكل أكبر على عنوان البعد الطائفي والمذهبي لتشكيل العراق الجديد الخالي من هذه النزعة التي جاءت مع الاحتلال وتطورت بارادته وتخطيطه، وستكون المصالحة بعيدة عن مظلة الاحتلال ولمصلحة كل المكونات العراقية وأحزابها السياسية بما فيها حزب البعث والجيش العراقي السابق جنوداً وضباط دافعوا عن بلدهم قدر ما استطاعوا وليس من حق أحد تجاهلهم.
بعد ست سنوات من الغزو الأمريكي الهمجي على العراق واتضاح حقيقة هذا الغزو وأهدافه آن للعراقيين أن يتوحدوا خلف شعار تحرير العراق وإزالة آثار العدوان تمهيداً لبرنامج تنمية شامل وعلى كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يقدم للشعب العراقي فرصة لم يتمكن منها منذ سنوات طويلة بسبب الحصار الأمريكي الظالم، ولترسيخ ديمقراطية حقيقية بدون مظلة أمريكية.
Zead51@hotmail.com