عبدالوارث النجري
منذ زمن بعيد ولا نزال نتعايش في المدن والقرى أبناء وطن واحد، يجمعنا الأمل والطموح والمعاناة، ولم تكن تفصل بين أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية سوى براميل التشطير وبطائق النظامين القائمين حينها، جاءت بعدها الوحدة المباركة في الثاني والعشرين من مايو 90م لتجسد روح التلاحم والوحدة والإخاء بين أبناء الشعب الواحد، ورغم ظهور ما يزيد عن عشرين حزباً سياسياً داخل البلاد إلا أن الجميع كانت تربطهم الكثير من الثوابت الوطنية التي لا حياد أو تراجع أو تنازل عنها، لكن ما يشهده الشارع اليوم يختلف تماماً عما قبل وما بعد ال 22 مايو 90م وحتى ما بعد حرب صيف 94م اليوم هناك مساحة رأي وإعلام أوسع لكن للأسف هناك في نفس الوقت من يحاول أن يوظف الكثير من تلك الوسائل الإعلامية لتحقيق مخططات خارجية تسعى لإسقاط اليمن في وحل الحروب القبلية من جديد، يأتي هذا في الوقت الذي تسعى فيه القيادة السياسية للقضاء على ظاهرتي الثأر والحروب القبلية من خلال التوسط باتفاقات صلح للعام والعامين والثلاثة، لكن من لا خير فيهم لا زالوا يعملون جاهدين على إذكاء فتيل الحرب من خلال إثارة النعرات القبلية والتعصب الأعمى والمناطقية في الوقت الذي نجدهم بين الحين والآخر يشنون حملاتهم ضد القبيلة والأعراف القبلية وكذا العمل على محاربة الأنشطة الدينية والخيرية تارة باسم الإرهاب وتارة باسم المذهبية والطائفية وهم نفسهم من يدعو إلى المزيد من الإباحية والحرية الغربية وحقوق المرأة والتركيز على الثقافة الجنسية من خلال نشر أخبارها والحديث حول الجنس والتحرش الجنسي في إعلامهم وإعلاناتهم.
إعلامي اليوم في عصر الانترنت والعولمة تناسى الكثير من القيم والمبادئ التي كنا ولا نزال نتفاخر بها بين الأمم، إعلامي اليوم تناسى الثوابت الوطنية، وكيف نحب الوطن ونفديه بالغالي والنفيس ونقف في وجه كل من يحاول النيل منه، لقد تناسى إعلامي وصحفي هذه الأيام كيف ناضل الأحرار ضد الإمامة والاستعمار في بلادنا في الوقت الذي نسمع ونشاهد كيف يهتم الإعلام الخارجي بمناضلي بلدانهم وحكاياتهم هذا ليس تحاملاً مني على الأخوة الإعلاميين والصحفيين الذين أعد نفسي واحداً منهم، ولكنه الواقع الذي نلمسه ونقرأه في مطبوعاتهم الأسبوعية واليومية ومواقعهم الإلكترونية، وعلى سبيل المثال يوم أمس وأنا أطالع إحدى الصحف الأسبوعية وجدت فقط على صدر الصفحة الأولى أكثر من عنوان مناطقي بحت منها "إغتصاب طفل دحباشي"، وعنوان آخر يقول: "ما هي بروتوكولات حكماء تعز؟"، وعنوان ثالث يقول: "من يحكم عدن؟ ومن هم ورثة الجنوب؟"، وعنوان رابع يقول: "ذماريون لكن مناطقيون"، وعنوان خامس يقول: "ما لم ينشر عن مقتل طالب من همدان"، هذه العناوين لوحدها تجسد ثقافة مناطقية صرفة وتغذي ثقافة الكراهية بين أبناء الجسد الواحد، وهذا ما ينبئ عن وجود مخطط يسعى إلى إثارة النعرات القبلية والمناطقية داخل البلاد من جديد، وما تلك الصحف وكتابها وأصحابها سوى وسيلة رخيصة لتحقيق ذلك المخطط العدواني الخارجي، خاصة وأن ظهوره قد جاء متزامناً مع اتفاق الأحزاب السياسية في البلاد على تأجيل الانتخابات النيابية لمدة عامين قادمين، الأمر الذي يؤكد أن العدو الذي فشل في محاولته للنيل من اليمن وإسقاطه في وحل الحروب عن طريق الأحزاب السياسية وخلافاتها وحواراتها السابقة، يحاول اليوم تحقيق هدفه من خلال إثارة النعرات القبلية والمناطقية سعياً لإحداث القلاقل في أكثر من محافظة بل وعلى مستوى المديريات ومن ثم عجز نظام صنعاء عن السيطرة ولكن هيهات له ذلك فلا يزال في الوطن أبناء أوفياء مخلصون ومتفانون في سبيله. <