;

أوراق من ذكرياتي ..الحلقة «38» 816

2009-03-24 04:02:55

التخطيط لانقلاب

لقد كان للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -رحمه الله- موقف معارض من بعض التصرفات التي يراها الشيخ غير صائبة، ومنها موقفه من إقالة القاضي الحجري، ولم يكن لدى الشيخ عبدالله فكرة للانقلاب على الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني إلا أن موقف الشيخ سنان هو الذي أقنعه بالانقلاب، وكذلك أقنع إخوانه وعدداً من القادة بالاستعجال بحركة انقلابية، واتفق الشيخان على القيام بالحركة قبل أن يذهب الشيخ عبدالله الأحمر إلى الصين في 5 آذار/ مارس 1974م، ويؤكد على ذلك أنه في مساء يوم 3 آذار/ مارس فوجئت بعدد من الشخصيات الكبيرة تزورني في منزلي الساعة التاسعة مساءً، وهو منهم، وكذلك سنان أبو لحوم وأحمد علي المطري وإبراهيم الحمدي وعلي أبو لحوم وأحمد الغشمي ومحمد أبو لحوم، وبعد الترحيب بزيارتهم المفاجئة بدأ الشيخ عبدالله الحديث عن ضرورة قيام تغيير..! وكان الجميع متفقين على هذا الموقف سلفاً، فقلت لهم: من نُغير؟ إذا كنتم أنتم الحكام، هل تريدون أن نغير القاضي عبدالرحمن الإرياني؟ قالوا: نعم.. أجبتهم بأني لا أتفق معهم في هذا الرأي،ولا يمكن المساس برئيس الدولة، لأننا أقسمنا اليمين بأننا في سفينة واحدة وفي مركب واحد، وفي خندق واحد معه، وهو المظلة الواقية لكل أخطائنا وتصرفاتنا، وكنت صريحاً وصادقاً من دون دبلوماسية في الرد على مقترحهم، وأكدت بأني لا أشارك في مؤامرة ضد الرئيس.

وحينما سمع المقدم إبراهيم الحمدي -رحمه الله- جوابي ترك الاجتماع وتوجه إلى منزله.

وقد سبق أن حضرت اجتماعاً في منزل المقدم عام 1972م، وحين دعيت إليه، وكان عنده مجموعة من الإخوة القادة العسكريين منهم الأخ محمد الإرياني وعبدالله الحمدي ومحمد ابو لحوم وأحمد الغشمي وعلي أبو لحوم، ووصلت متأخراً الساعة التاسعة والنصف مساءً بعد دعوتي من القيادة،وكان الغرض من الاجتماع الاتفاق على إخراج الرئيس وأعضاء المجلس الجمهوري والشيخ عبدالله والشيخ سنان إلى الخارج في إجازة، وهذا الموقف حصل قبل استشهاد الشيخ محمد علي عثمان، وسألتهم ما الغرض من إخراجهم؟ وما أسباب إخراج زعمائنا؟

كان الجواب ساذجاً وتافهاً بأنهم يشعرون بخطورة الوضع، وأن القيادة الحالية لا تؤدي واجباتها في إدارة البلاد،ولهذا علينا أن نعمل على إخراجهم ونتولى الحكم ، وبعد استماعي للمبررات الواهية التي تدل على الجهل بحقيقة الأوضاع رفضت هذا المقترح، واعتبرته حماقة،وأبلغتهم بأني سأقدم استقالتي إلى رئيس المجلس الجمهوري، وكان رأي الأخ العقيد محمد الإرياني بأنه متحفظ على هذا الموقف.

وتراجعوا عن هذه الفكرة غير المسؤولة وهم الذين رأوا أن هؤلاء الزعماء من السهل إخراجهم دون دراسة رد الفعل والعواقب، لقد أفشلت الخطة، وفي اليوم الثاني ذهبت مع الزميل الأخ العزيز محمد الإرياني نائب القائد الأعلى لنقدم استقالتينا إلى رئيس المجلس الجمهوري في مكتبه،وسمع الأسباب التي أدت تقديم الاستقالة، وبحكمة الرئيس الحكيم والأب الحريص رفض الطلب، وقال: لن أقبل استقالتيكما، فنحن في زورق واحد، سوف نبقى معاً أو نخرج معاً من النظام ولا يمكن أن أتخلى عنكم. هكذا كان جوابه.

هذه هي المؤامرة المبكرة الأولى التي فكر فيها المرحوم إبراهيم الحمدي وبعض الإخوة بعد حرب 1972م، وعلمت مؤخراً أن هذا الاتفاق نوقش في تعز بعد أحداث التحركات العسكرية،وبعد إخفاقه في مهمته في قعطبه.

أما المؤامرة الثانية، فقد تمت حينما ذهب الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني إلى صلنفة في سوريا في آب/أغسطس عام 1973م، وكان غاضباً من الشيخ عبدالله الأحمر على بعض التصرفات، وقبل سفره كلفني بحمل رسائل إلى جلالة الملك فيصل والرئيس حافظ الأسد والرئيس أنور السادات، يشرح فيها عزمه على التخلي عن السلطة لكي يسلمها إلى الجيل الجديد. وبعد زيارتي لتلك الدول الثلاث حملني حكام هذه الدول رسائل جوابية، يبدون فيها مخاوفهم على اليمن إذا صمم الرئيس على الاستقالة، لأن استقرار اليمن وسلامتها مرهون ببقاء الرئيس في منصبه،وأنهم على استعداد لتقديم العون و المساعدة له لكي يستمر في القيادة وذهبت إلى صلنفة وسلمته الرسائل الجوابية التي قدرها ، وتراجع عن عزمه ووجهني بالعودة إلى صنعاء.

وحينما عدت زارني الأخ إبراهيم الحمدي والعقيد محمد الإرياني وكانوا موافقين على استقالة الرئيس، وتسرعا في حديثهما معي بشرح الأوضاع الداخلية وأن البلد في خطر والوضع خطير، وأن الأمر لا يحتمل استمراره ، وعلينا أن نعمل على قبول الاستقالة،وهذا الموقف من الإرهاصات.

قلت لهم : ما الحل؟ قال إبراهيم الحمدي : علينا أن نقتسم السلطة، أنت رئيس أو محمد الإرياني، وأحدنا رئيس حكومة وثالثنا قائد عام. قلت لهم : هذا الكلام أرفضه رفضاً باتاً، وأنتم تعرفون موقفي، لا اقبل التآمر، وقبول استقالة الرئيس ليس من حقنا ولدينا مؤسسة دستورية "مجلس الشورى" هو الذي يقبل الاستقالة أو يرفضها ويختار البديل.

وبعد هذا النقاش أخبرتهم بأني حملت رسائل من جلالة الملك فيصل والرئيس حافظ الأسد والرئيس السادات يطلبون من الرئيس الاستمرار في الحكم وسوف يقدمون كل ما تحتاجه اليمن بعد ذلك قلت لهم : بلغني أن مظاهرات ستقوم في إب وتعز تطالب الرئيس بالعودة. حينما سمعوا الخبر، صعقوا وقلقوا مما ذكرته لهم من الرسائل والمظاهرات، وتراجعوا عن موقفهم، وقالوا: إذن ما الحل؟ وكررت كلامي لهم إن الدول المؤثرة مصر وسورية والسعودية تطلب من القاضي الاستمرار في الحكم ، وسوف تقف بجانبه للمحافظة على استقرار اليمن وعلى النظام.

التراجع عن المؤامرة

بعد ذلك تراجعوا ، وأسجل هذا للتاريخ ، والغرض منه توضيح بعض المواقف لكي يطلع الباحث والمهتم بأحداث تلك المرحلة ، وبما حدث في حينه سألوني : ما العمل؟ فقلت : ماذا ترون؟ قالوا : نعقد اجتماعاً في منزلك لدراسة الموقف بعد الظهر،وندعو كبار الإخوة المسؤولين، ويذهب وفد إلى سوريا لمطالبة الرئيس بالعودة واستمراره في قيادة البلاد، ولا سيما بعد ما سمعناه منك من تأييد أهم الدول العربية لعودته واستمراره في الحكم. وتم الاجتماع في منزلي مع عدد من كبار المسؤولين، ومنهم الأخ إبراهيم ومحمد الإرياني والشيخ أحمد المطري ومحمد الرباعي وغيرهم، وتوجهنا في اليوم الثاني في طائرة خاصة إلى دمشق وبعدها إلى صلنفة.

واتفقنا على أن يكون إبراهيم الحمدي رئيساً للوفد، لأنه نائب رئيس الوزراء، وذهبنا جميعاً للمطالبة بعودة الرئيس ليمارس سلطاته كاملة.

وعند مقابلته تكلم إبراهيم الحمدي نيابة عن الوفد ، وكان خطيباً بارعاً ناشد القاضي بالعدول عن قرار الاستقالة، ولم أعرف إبراهيم الحمدي خطيباً متمكناً إلا في ذلك اليوم ، وفي خطابه ذاك، وتغيرت الصورة من شخصية تبحث عن تغيير النظام إلى شخص يؤكد قدرة الرئيس، وأهمية بقائه. وقد سبقنا إلى صلنفة الشيخ سنان أبو لحوم ومحمد أحمد نعمان، يطالبان الرئيس بعودته كذلك، واستجاب لتلك الدعوة بالعودة، وشعر بأن بعض هؤلاء غير صادقين ، بل إنهم من أسباب الاستقالة فعاد إلى صنعاء في أيلول/ سبتمبر عام 1973م، واحتفلنا بأعياد الثورة بعد عودته وكانت الخطابات والتهاني في تلك المناسبة تؤكد وقوف الشعب اليمني مع زعيمه وقائده فخامة الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني ، لكني تذكرت ما قاله للوفد الذي زاره في صلنفة بتلك العبارات الصادقة والأمينة حينما قال: "يا أولادي أقدر كل ما قلتموه وأثق بإخلاصكم ومشاعركم، لكن الإناء إذ ا امتلأ بالماء يجب على الآخرين البحث عن إناء آخر، يحفظ الماء ، ولست مزايداً أو مبالغاً لكي أبحث عن أعذار أو أسباب لترك السلطة، فأنا أشعر أنني امتلأت، وربما يأتي غيري من الشباب"، وبعد نقاش طويل أكد في كلامه "ابحثوا عن إناء آخر غيري"، وجرت عدة لقاءات انحصرت في عدد محدود من الوفد استطعنا إقناعه بالعودة بعد أن عرفنا بعض الأسباب التي عبر عنها بالاستقالة.

ومن النقاط التي اتفقنا عليها تكوين لجنة من الشخصيات السياسية والعسكرية والقبلية، وكنت ممثلاً للجانب العسكري. ومهمة هذه اللجنة ترشيح عدد من الشخصيات الوطنية والتهيئة لانتخاب رئيس وأعضاء للمجلس الجمهوري نهاية عام 1974م خلفاً للمجلس المنتهية بهذا التاريخ.<

 

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد