حركة 13 حزيران / يونيو
بعد المؤامرة التي أطاحت بالرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني تمت في 13 حزيران / يونيو 1974، أصبح رئيسها المقدم إبراهيم الحميد ، طلبت مقابلة الحمدي الملك حسين مرة ثانية بتكليف من مجلس القيادة الجديدة، لكي أشرح الأسباب التي أدت إلى قيام الحركة. وفي مساء يوم 13 حزيران / يونيو اتصل بي الأخ إبراهيم الحمدي، وقال : لقد قمنا بانقلاب وشكلنا مجلس قيادة واختاروني رئيساً للمجلس، ولو كنت أنت هنا فإنك ستكون رئيس المجلس. أجبته : المهم في الأمر أنكم أنتم أنتم الزملاء والاخوة الذين عشنا المراحل كاملة في خدمة الثورة والوطن.
وحينها كان محمد الإرياني القائد العام في تشيكوسلوفاكيا في مهمة رسمية، وكان سفره في بداية شهر حزيران/ يونيو قبل سفري إلى الأردن بأسبوع، ربما كان ذلك "سيناريو" مرتباً لسفرنا من الانقلابيين، وبالنسبة إلى فكان قراري بالتشاور مع القاضي عبدالرحمن الإرياني وموافقته، ومسؤوليتي العسكرية لكي تتزود إدارتنا بالخبرات العسكرية الأردنية التي هي قريبة إلى عقيدتنا العسكرية، ولكي نخفف من الخبراء الروس ونستفيد من الخبراء الأردنيين في الدوائر والوحدات التي أصبح من الممكن أن يحل فيها خبراء عرب أردنيون أو مصريون بدلاً من الخبراء الروس حرصاً على أن تبقى القوات المسلحة بعيدة عن التاثير الحزبي، لقد طلبت من الخبراء الروس وأخبرتهم بواجباتم وهي تأهيل ضباطنا في الجانب الفني والتقني ، لأن معظم وحداتنا العسكرية محتاجة لصيانة الأسلحة السوفيتية أما قضايا الإدارة والتنظيم فيمكن أن نستفيد فيها من خبرات عربية. ومن تلك الاهتمامات رغبتنا في إعداد أطباء عسكريين، وتم ترشيح الأخ النقيب محمد علي مقبل مدير التوجيه المعنوي لدراسة الطب في موسكو،ونجحت الفكرة في إعداد طبيب من ضباط القوات المسلحة أول مرة وأصبح بعد ذلك وزيراً للصحة.
كنت على ثقة بأنه لا يمكن أن يحدث انقلاب اثناء وجودي في القوات المسلحة سواء بالمنطق أو بشكل آخر مهما كانت الأسباب ، لأنني أعرف القيادات الانقلابية بقدراتها العسكرية، ولدي معرفة بنوايا أفرادها بعضهم ضد بعض، والكراهية التي يحملها إبراهيم الحمدي للشيخ عبدالله والشيخ سنان وإخوانه، وكنت واثقاً من إقناعهم حينما أشعر بجدية القيام بالحركة، وكنت قادراً على إحباط الانقلاب، وهو ليس ادعاء وقد ذكر ذلك الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته.
وكذلك ما قاله الأخ مجاهد أبو شوارب حينما عاتبته بعد عودتي إلى صنعاء في 17 حزيران /يونيو 1974م، وقد كلف باستقبالي، وقلت له: لماذا لم تبلغوني بأن القرار قد اتخذتموه منذ فترة، ونحن زملاء وأصدقاء؟ أجابني قائلاً: لو كنت موجوداً - يا أخ حسين- ستقنعنا بمنطقك وقدرتك على التأثير فينا جميعاً، وبالتالي لا يمكن أن نقوم بانقلاب ، الشيء الثاني كنت ستعطلنا عسكرياً، وأحسن فرصة لنا كانت وأنت خارج البلاد، وأنا أقول ما قاله الأخ مجاهد، وهو الرجل الشجاع الصادق الوفي: لو كنت موجوداً -أقولها بكل ثقة- فإن الانقلاب ما كان ليحدث لقدرتي على التأثير في ضباط القوات المسلحة وقدرتي على هزيمة إبراهيم الحمدي بالمنطق وبالعقل، لأني كنت صمام الأمان له ولدي قدرة على إقناعه بالأسباب التي ذكرتها أولاً إن لم يتراجع عن قراره فكنت سأعطل انقلاب 13 حزيران / يونيو وهذا ما قاله كثيرون خلال زيارتي للقاهرة بعد 13 حزيران / يونيو وجه إلي أحد الصحفيين سؤالاً: لماذا السعودية مهتمة بالأحداث في اليمن ؟ قلت : لأنها دولة جارة لليمن، وبالتالي من حقها أن تكون مهمتة بما يدور فيها، لأن ذلك يؤثر فيها سلباً أو إيجاباً . هذه نظرتي إلى الوضع وإلى علاقتنا بالسعودية.
سيناريو التنفيذ
حينما غادرت صنعاء كان لدي الصورة كاملة بأن هناك شيئاً مدبراً لم أعرف الموعد لتنفيذه لقد عرفته من مصادر موثوق بها.. من سوريا ومن أمريكا كما مرّ . وفي وقت سابق عاتبني الأخ الأستاذ محمد نعمان والذي زارني الساعة الثالثة صباحاً بعد إللقاء بالسفير الأمريكي وقال لي : أنت تعرف عند من كنا ؟ قلت : نعم، قال: كنا مع السفير الأمريكي، هل معلوماتك أكثر من معلوماته وقدرتك على متابعة المعلومات داخلياً وخارجياً أكبر من متابعاته؟ أجبته: أعرف وأنت تعلم أن لهذا الكلام أساساً من الصحة، لكن هل يعقل أن أعترف للسفير أن قادة البلاد يتآمرون على أنفسهم، وأن الدولة تتآمر على نفسها، لو كان المتآمرون من خارج الدولة فسوف نتعامل مع هذه المعلومات بما ينبغي، ونتخذ الإجراءات الاحترازية، ولدينا القدرة للصرف على من هو خارج السلطة، قلت للأستاذ محمد نعمان : سينقلبون على أنفسهم، ولن أشارك في هذه المؤامرة ضد القاضي عبدالرحمن الإرياني رمز الوطن وضمير اليمن، ولكي يؤكد الشيخ سنان أبو لحوم بأنه المحرك الأول للانقلاب فقد طلب من أخيه المقدم محمد أبو لحوم قائد اللواء السادس مدرعات عقد اجتماعاً للانقلابيين في بيته برعاية الشيخ عبدالله الأحمر ورعايته ، وتعاهدوا جميعاً على الانقلاب يوم الأربعاء 13 حزيران / يونيو 1974م، والذين حضروا الاجتماع هم الإخوة: مجاهد أبو شوارب وإبراهيم الحمدي ومحمد أبو لحوم وعلي أبو لحوم وأحمد الغشمي وعبدالله الحمدي، برعاية الشيخين وأقسموا اليمين التي أوصلتهم إلى النهاية المحزنة التي أعاقت التطور وأفسدت الأخلاق والقيم. لقد تعاهدوا على مضايقة القاضي عبدالرحمن الإرياني.
وغادر الشيخ عبدالله صنعاء إلى خمر وهو غير"وحانق على الرئيس لكي يصعد المضايقات ليستقبل الرئيس ولهذا قرر الرئيس أن يرسل الأستاذ أحمد محمد نعمان عضو المجلس الجمهوري والشيخ سنان أبو لحوم إلى خمر لمعرفة نوايا الشيخ عبدالله وموقفه الأخير، ويرضي ضيمره قبل تقديم استقالته.
وعند لقائهم في خمر وجدوا أن الإخوة ثائرون وناقمون ، الشيخ عبدالله متأثر" وخائف" من سفك الدماء.. وعرف الرئيس الموقف النهائي من الأستاذ والشيخ سنان الذي كان له دور بارع في التمثيل بعدم موافقته أو اطلاعه على المؤامرة، وهو الرأس المدبر لانقلاب 13 حزيران / يونيو، كما أكد ذلك استقالته إلى رئيس وأعضاء مجلس الشورى ، قال فيها : "حرصاً على سلامة الوطن وعدم إراقة الدماء أقدم استقالتي " . لديه حكمة فيها سخرية "لا نتقاتل على طواحين الهواء ولا أقبل على نفسي أن تراق قطرة دم وأنا رئيس المجلس الجمهوري". وقدم استقالته إلى رئيس مجلس الشورى. ولكن الغلطة التاريخية التي اعترف بها الشيخ عبدالله في مذكراته بأنه لم يعرضها على المجلس، بل أحال الاستقالة إلى القيادة العسكرية وإلى العقيد إبراهيم الحمدي، مخالفة دستورية يتحملها رئيس مجلس الشورى، وخطأ سياسي في تاريخ الشيخ عبدالله الذي أنهى المكاسب الدستورية، وأصبحت الدولة تحكم انقلابياً من دون دستور ولا مؤسسات شرعية. وقدم الشيخ سنان أبو لحوم استقالته وليس له علاقة باستقالة المجلس ، وإنما ليوهم القاضي عبدالرحمن بأنه غير ضالع في الانقلاب ولم يصدق القاضي أن" مجاهداً وسنان" مشاركان في الانقلاب حتى ذهب إلى دمشق، وكان معه الأستاذ نعمان، الذي قال لي: لقد أقنعته أن سنان ومجاهداً مشاركان في الانقلاب، ونحن في الطائرة ذاهبين إلى دمشق.