بقلم :ممدوح طه
برغم أن ما قامت وتقوم به إسرائيل الصهيونية حاليا من جرائم حرب أكبرها جريمة الاحتلال وجرائم ضد الإنسانية أكبرها جريمة الحصار اللاإنساني ضد الشعب الفلسطيني في غزة الصامدة على مشهد من أنظار الرأي العام العالمي كله جمعت كل جرائم الحرب وبينها جريمة «الإبادة الجماعية» بالقتل الجماعي والحصار الإنساني والتهجير القسري، إلا أن الصهاينة وحلفاءهم الغربيين يحاولون بقرارات مجلس الأمن وقرار المحكمة الجنائية تحويل أنظار العالم إلى السودان بعيدا عن فلسطين وإلى «دارفور» بعيدا عن «غزة»!
وبرغم أن هناك احتلالا إسرائيليا وأميركيا غير مشروع للأرض العربية في العراق وفي الجولان السوري وفي جنوب لبنان مازال قائما يستوجب المقاومة المشروعة بالقانون الدولي، تقف أميركا وأوروبا في مجلس الأمن على رأسها لا على قدميها، تبرئ المجرمين بالاحتلال وبالإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وتجرم المقاومين للجرائم دولاً ومنظمات وأفراداً أيضاً، بل وتفرض عليهم العقوبات وتلاحقهم بالتهديدات!
في حين تسلح المتمردين في السودان وتغطيهم سياسيا بقرارات من مجلس الأمن ومن المحكمة الدولية، وتحرضهم على رفض السلام والدعوة للانفصال بهدف تقسيم السودان لتسهيل استعماره من جديد، بينما أميركا مع إسرائيل مازالتا في فلسطين والسودان تقفان اليوم أمام محكمة الضمير الإنساني كأكبر مجرمي الحروب بما يستوجب العقاب الدولي!
لقد حاولت الدوائر الصهيوأميركية سياسيا وإعلاميا ترويج مصطلح «الإبادة الجماعية» وإلصاق التهمة بالحكومة السودانية ثم بالرئيس السوداني وكأنهم وحدهم من يحملون السلاح في الحرب الأهلية، التي بدأها المتمردون بدعم فرنسي، لكنهم فشلوا بعد نفي اللجان الدولية لتقصي الحقائق، ان ما يجرى في دارفور من نزاع مسلح بين المتمردين والحكومة لا تنطبق عليه مواصفات تلك الجريمة..
وحينما يحاول مدعى المحكمة الجنائية قانونيا وقضائيا مواصلة ما فشلت فيه السياسة وعجز عنه الإعلام، إلصاق تهمة الإبادة الجماعية بالرئيس السوداني تعسفا خدمة لأهداف سياسية غربية وصهيونية، فما ذلك إلا محاولة لإبعاد الأنظار عن مطالبات الرأي العام العربي والغربي للمحاكم الدولية والأوروبية بمحاكمة الرئيس الأميركي السابق «جورج بوش» والرئيس الإسرائيلي الحالي «إيهود أولمرت» على ما ارتكبوه في فلسطين والعراق من جرائم..
فإننا نتساءل، ألا ينطبق التوصيف الدولي لجريمة الإبادة الجماعية على ما تقوم به «الدولة الصهيونية اليهودية» ضد الشعب الفلسطيني، وعلى ما يحدث في العراق وأفغانستان وباكستان على يد الاحتلال الأميركي..؟..
لكن يبدو أن المشكلة ليست في قوة القانون ولكن في قانون القوة القادرة على فرض تطبيق القانون في ظل اختلال معادلات القوى بين العرب المجزأين والغرب المتحدين..كما أن المشكلة ليست في عدالة القانون الدولي، ولكن في ظلم بعض المنفذين لهذا القانون، وفي تجاهل الاحتكام إلى صحيح القانون وسوء تفسير نصوصه، تبعا لمعادلات القوى السياسية في مجلس الأمن الذي يحرك المدعي العام بل والمحكمة الجنائية..
وتبقى مطالبة الرأي العام العربي بل والغربي بتطبيق صحيح القانون الدولي بمساواة وبلا تسييس لمنع وقوع هذه الجريمة سواء في غزة أو في بغداد أو كابول أو دارفور، وتفعيل التصدي لمرتكبيها بالمحاكمة والعقاب، دون انتقائية أو معايير مزدوجة كما يفعل أدعياء الديمقراطية العالمية في أميركا وأدعياء حقوق الإنسان في أوروبا!