بقلم / أبو زيد بن عبد القوي
قد يقول قائل أين تذهب من قول العلامة صالح المقبلي رحمه الله تعالى في كتاب العلم الشامخ : (ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيرا !! ) والذي تناقلته الألسنة ؟!! وماذا تقول وقد طارت هذه العبارة كل مطار وتم تداولها في كثير من كتب الأمصار ؟ بل وجد من المثقفين الأخيار من يتداولها وكأنها خبر أكيد من الأخبار ؟!! أقول تعالوا نزيل ما علق على هذه العبارة من غبار تصحيحا لمفاهيم الأخيار وتفهيما للجهال الأغمار من خلال الرجوع إلى كتاب المقبلي نفسه.
ماذا قال المقبلي
حتى نعرف ماذا قال المقبلي بالضبط رجعنا إلى كتابه العلم الشامخ فوجدنا في ص21 ما نصه :( وسألت آخر منظورا فيهم قدوة واعظا، إلا أنه ظاهر التعصب للمذهب، متظهر بتضليل سائر الفرق والحكم على خير الأمة بالهلاك سيما خير القرون صان الله ذلك الجانب المصون، ولو كان مذهب الزيدية صانهم الله تعالى مذهب هذا الرجل المشار إليه لصدق من قال فيهم ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً، وائتني برافضي صغير أخرج لك منه زنديقاً كبيراً ) وهو كلام واضح تمام الوضوح حيث نجده :
1- يتحدث عن شخص معاصر له ( جاء في الهامش أن اسمه أحمد بن سعد الدين ).
2- هذا الرجل يحكم على خير القرون بالهلاك.
3- قوله الواضح ( ولو كان مذهب الزيدية صانهم الله. . . ) نفي كامل وتام يفهمه العربي الذي يعرف معنى كلمة لو.
4- أعد قراءة كلام المقبلي ففيه كفاية ونسأل الله لنا ولكم الهداية وأن يبعدنا عن الغواية.
من هو الرافضي
رغم أن ما سبق نقله ثم بيانه قد وضح مقصود المقبلي ومرامه وأظهر براءة الزيدية صانهم الله تعالى من مذهب الرافضة إلا أننا سنزيد البيان أكثر بحيث يكون التفريق بين الرافضة والزيدية متيسر لكل البشر وأيسر الطرق لذلك هي نقل تعريف المقبلي للرافضة ومعرفة ما هنالك، والمقبلي قد عرف الرافضة في مواطن كثيرة شملها كتابه ومنها على سبيل المثال لا الإجمال يقول في ص391:( وعرف الأولين أن الرافضي : السباب والحاط على الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم - أعني الثلاثة -. . . . . . . . . ) وفي ص418 يقول :( فالخارجي يلعن أمير المؤمنين، والرافضي يلعن الخلفاء الراشدين ) فالرافضي قد بان واستبان من خلال هذا التعريف وأصبح معروفاً لكل إنسان فهل المقبلي يحكم على الزيدية بأنهم رافضة ؟!
هل الزيدية رافضة
حتى لا يقع التباس ويوسوس الوسواس الخناس لبعض الناس نفى المقبلي هذه التهمة عن الزيدية فقال في ص391 : ( وعرف الأولين أن الرافضي : السباب والحاط على الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم - أعني الثلاثة - وليس من مذهب الزيدية الرفض بهذا المعنى ) ثم وبعد أن ينقل تعريفات الإمام الذهبي رحمه الله للرافضة والشيعة بشكل مطول يقول في ص399 : ( فمن هذا يعلم أن الزيدية ليسوا من الرافضة بل ولا من غلاة الشيعة في عرف المتأخرين ولا في عرف السلف فإنهم الآن مستقر مذهبهم الترضي على عثمان وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم فضلاً عن الشيخين - أبي بكر وعمر رضي الله عنهما -، وقليل منهم يتوقف كتوقف متفسقة الخوارج في على رضي الله عنه ).
أنتم الرافضة !!
حتى لا ننسى ما أجمع عليه المؤرخون وأئمة الفرق والزيدية نُذكر الجميع بابتداء ذكر الرافضة وما سبب هذه التسمية نقلاً عن المقبلي نفسه دون غيره يقول العلامة المقبلي رحمه الله تعالى في ص452 : ( فإن مذهب الإمامية تكفير من لم يكن على مذهبهم كفراً صريحاً لا تأويلاً قالوا : لأن الأمة أنكرت ما علم من الدين ضرورة من النص على علي وعلى أئمتهم، والزيدية عندهم من جملة الكفار والزيدية تزعم أن تسمية الإمامية بالرافضة بسبب أنهم طلبوا من زيد بن علي رضي الله عنه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، فرفع من شأنهما وقال : نبرأ ممن تبرأ منهما فقالوا رفضناك يعنون لست بإمامنا ولا نخرج معك فقال أنتم الرافضة ) فلله در المقبلي الذي عرف قبل مئات السنين أن الإمامية يكفرون غيرهم والزيدية عندهم من جملة الكفار وبعض أهل العلم وفي عصر الإنترنت يعجز عن فهم هذه المسألة !! ولله در الإمام العظيم زيد بن علي رحمه الله تعالى والذي فضل الموت في ساحة الوغى على أن ينال من الشيخين العظيمين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولو بكلمة واحدة بل قال أنتم الرافضة !! فلا تقية في هذه القضية.
لا تقل ائتني بزيدي. !!
فإياك إياك يا عبد الله أن تعيد تكرار هذه الجملة ( ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً ) بعد أن وضحنا لك مرام المقبلي وقصده من خلال نقل كامل عبارته ثم اتبعنا ذلك بالصريح من أقواله وتبرئته للزيدية من هذه الفرية وهي سب صحابة خير البرية بل ولا زال أئمة الزيدية ينفون هذه التهمة ويتحدون أن يستطيع أحد إثباتها على أحد من خيار أهل البيت أو الزيدية. قال الإمام زيد رحمه الله تعالى : ( ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيرا ) المنية والأمل ص101 للمهدي أحمد بن يحي المرتضى.
وقال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني رحمه الله تعالى - ت411ه - : ( ما أعلم أن أحدا من العترة يسب الصحابة، ومن قال ذلك فقد كذب ) قراءة في نظرية الإمامة عند الزيدية ص15 للعلامة المحقق محمد يحي عزان. وقال الإمام عبد الله بن حمزة رحمه الله تعالى : ( ولا يمكن أحداً أن يصحح دعواه على أحد من سلفنا الصالح أنهم نالوا من المشايخ أو سبوهم ) إرشاد الغبي ص48 للإمام العلامة الشوكاني. وقال الإمام يحي بن حمزة رحمه الله تعالى : ( فأما القول بالتكفير والتفسيق في حق الصحابة فلم يؤثر عن أحد من أكابر أهل البيت وأفاضلهم كما حكيناه وقررناه، وهو مردود على ناقله ) إرشاد الغبي ص52. وفي الأخير إذا وجدت من يسب صحابة خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه رافضي ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالزيدية ولو ادعى أنه زيدي فحاله حال ذلك الرافضي أحمد بن سعد الدين الذي ذكره العلامة المقبلي في كتابه العلم الشامخ وبسببه قال عبارته المشهورة والتي قصد بها هذا الرافضي وليس الزيدية.
خواطر
تراث أهل اليمن والزيدية
مما يؤسف له أن تراث أهل اليمن والزيدية العلمي الضخم غالبيته العظمى لا يزال مخطوطاً لم يطبع !! بل في الجامع الكبير أكثر من 70 ألفاً من المخطوطات الهامة جداً لم تجد طريقها للطبع !! ومما يؤسف له أيضاً أن بعض ما طبع قد قام بتحقيقه بعض الأخوة العرب مشكورين !! وحصل بعضهم على رسالة دكتوراه عن طريق تحقيق هذه الكتب المميزة والفريدة مثل كتاب " تاج علوم الأدب وقانون كلام العرب " للإمام المهدي أحمد بن يحي المرتضى ( ت 840ه رحمه الله تعالى ) وقد حققه الدكتور العراقي نوري ياسين حسين وقال في المقدمة ص5 : ( وقد أثار انتباهي من البداية أن تراثنا العربي والإسلامي في بلاد اليمن تراث عظيم كماً ونوعاً وهو مع هذا لم يحظ بالعناية الكافية من الدارسين والباحثين ولم يحقق منه أو ينشر إلا النزر اليسير ) فلعل طلبة الدكتوراة والماجستير يقتدون بهذا العراقي ويجعلون رسائلهم في تحقيق كتب التراث وهي بالآلاف. أن الشعوب تهتم بتراثها على ضعفه وركاكته ونحن أهملنا تراثنا على قوته وجودته وقد ظهر في اليمن أئمة وعلماء نوابغ وسأذكر بعضهم على سبيل المثال لا الإجمال ومنهم يحي بن حمزة و محمد بن الحسن الديلمي والمهدي أحمد بن يحي المرتضى وصالح المقبلي ومحمد بن إبراهيم الوزير ومحمد بن إسماعيل الأمير ومحمد بن علي الشوكاني والسياغي والقاسم بن محمد و يحي بن الحسين بن القاسم بن محمد وغيرهم الكثير رحمهم الله جميعاً.
فتح باب الاجتهاد
في الوقت الذي أغلقت المذاهب الإسلامية باب الاجتهاد فتح المذهب الزيدي باب الاجتهاد على مصراعيه وكان فتح باب الاجتهاد قد خرج علماء يتقيدون بالدليل وترك التقليد ولقيت كتبهم قبولاً عظيماً في العالم الإسلامي وظهرت مدرسة جديدة نبذت التقليد وراء ظهرها وكانت الرائدة في الاعتماد على الدليل مثل العلامة الإمام محمد بن إبراهيم الوزير صاحب "الروض الباسم" و"العواصم والقواصم" والإمام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير صاحب "سبل السلام" والإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني صاحب "نيل الأوطار"وهؤلاء الأفذاذ وغيرهم ظهروا في المناطق التي كان يسودها المذهب الزيدي بينما المناطق التي كان يسودها المذهب الشافعي لم يخرج منها عالم بنفس درجة المذكورين سابقاً.
ألف عام من التاريخ
ينبغي أن ننظر إلى تاريخ اليمن نظرة علمية منصفة متزنة ومن ذلك ومما ينبغي التذكير به أن أئمة الزيدية حكموا اليمن أكثر من ألف عام لكن كان حكمهم يضيق ويتسع !! وقد شاركهم وعاصرهم في حكم اليمن دول ودويلات مثل الدولة الزيادية والدولة الصليحية والرسولية والزريعية والطاهرية. . . . الخ والعجيب أن كل هذه الدول لم تترك لنا تراثاً علمياً فذاً مثلما تركته الدولة الزيدية بل هناك صفحات هامة ومطوية تحكي جهاد الأئمة لتعليم الإسلام وإزالة المنكرات وقمع الباطنية وسأحاول إن شاء الله تعالى التطرق لهذا الأمر في القريب العاجل كما أن الغالبية العظمى من حكام اليمن الزيدية كانوا من العلماء المجتهدين وقد تعجبت من هذا وتساءلت كيف أستطاع هؤلاء التوفيق بين مشاكل الحكم وبين طلب العلم والتأليف ولعلها سابقة فريدة في التاريخ تستحق الدراسة الموسعة. الدكتور المحطوري
والمذهب الاثنى عشري !!
هناك فرق شاسع بين الزيدية والاثنى عشرية ومن اطلع على كتب الاثنى عشرية وجد فيها ما لا يخطر على بال إنسان !! وقد قرأت مقابلة مع الدكتور العلامة المرتضى بن زيد المحطوري في صحيفة الثقافية العدد 252 بتاريخ 22/7/2004م ذكر فيها الدكتور المحطوري بعض الحقائق الهامة عن الاثنى عشرية لذلك سأنقل للقارئ الكريم بعض أقوال الدكتور المرتضى والتي وردت في المقابلة مع صحيفة الثقافية لأهميتها.
1- كتب يهودية مجوسية !!
يذكر الدكتور المحطوري كيف هجمت الكتب الجعفرية وكيف أُعجب بها البعض - وفيها الكفر البواح - بحجة أنها تدافع عن أهل البيت فحذرهم وقال أنها كتب يهود ومجوس. يقول العلامة المحطوري ( فهجمت الكتب الجعفرية وأنا أناطح والله يشهد وأقول يا أخوان هذا غلط حتى أن من الكتب ما كان يقول بأن الشمس تنادي يا علي يا واحد أحد - كفر بواح - ويروج له ويأتوني بالكتب معبرين عن إعجابهم بها وكيف أنها تدافع عن أهل البيت قلت هذا الكتاب يهودي مجوسي اتقوا الله )
2- بيننا وبين الجعفرية مثل ما بين السماء والأرض !!
حقيقة واضحة كالشمس قالها الدكتور المرتضى المحطوري بكل صراحة يقول : ( عموما بيننا وبين الجعفرية مثل ما بين السماء والأرض. . وأي هاشمي عنده عقل ما يتبع المذهب الجعفري أبداً ) وأرجوا من القارئ أن يعيد قراءة كلام الدكتور المحطوري ليعرف مقدار الفرق بين الزيدية والجعفرية وليعرف أيضاً أن أي صاحب عقل لا يتبع المذهب الجعفري.
3- الزيدية من شرار الخلق !!
نعم هذا هو ما تنطق به كتب الجعفرية عن الزيدية وقد اطلع الدكتور المرتضى على هذه الكتب فنقل لنا ما في كتبهم مجيباً على سؤال الصحيفة ( إذن ما دمت تجزم أن إيران تحقد على الزيدية أكثر من الوهابية. . ألا يكون دعم إيران موجهاً أصلاً ضد الزيدية ؟ فقال الدكتور المرتضي المحطوري : طبعاً أكيد والإيرانيون عندهم شيء من الدبلوماسية فقد أتى أحدهم وقال : نحن لا نرتاح للزيدية ولكن هذا لأجلكم. وهذا صحيح فهناك في الجعفري أن الزيدية من شرار الخلق وأنها أضر على آل البيت من النواصب. . . وكلام كثير )
ماذا بعد ؟!
موعدنا غداً في بحث فريد وجديد لم يسبق إليه في العالم الإسلامي والله الموفق