زياد ابوشاويش
قمة تجمع الزعماء العرب لتدارس قضايانا المصيرية ولاتخاذ قرارات بحجم هذه القضايا لابد أن تحظى باهتمام المواطن العربي، وطبيعي أن يُرسم على وقع خطواتها آمال عريضة لغد أفضل، وفي أقل تقدير يتطلع إليها بايجابية حتى لو كانت لمجرد اللقاء بين الأشقاء وتبادل القبلات. فلماذا والحال كما أسلفنا لم تعد القمم كذلك وما عاد المواطن العربي يعلق عليها أية آمال؟ ولماذا لم تعد تحظى باهتمامه رغم حاجته الماسة للإحساس بالأمان والتفاؤل؟.
باختصار وحتى ننتقل لما نرجوه لقمة الدوحة وأهم ملفاتها المعروضة على القادة نجيب على السؤال السابق بكلمات تتردد على لسان المواطنين العرب في كل مكان وأظنها صحيحة جداً وهي أن هذه القمم أصبحت نسخة متكررة عن بعضها البعض وبأنها لم تتصدى لأي معضلة أوتحدي يواجه الأمة فيحفظ كرامتها. ولأننا نريد أن نضع النقاط على الحروف ابتداءً نقول أن النتائج وإن تشابهت بين قمة عربية وأخرى إلا أن هناك قمم ورؤساء قمم لعبوا دوراً أفضل من غيرهم في الفترات الفاصلة بينها، وكانت وكانوا أدوات توحيد وتضامن وأخرى عكس ذلك.
اليوم نحن أمام قمة الدوحة وقد سبقتها قمة دمشق التي حاول البعض إفشالها عبر تغييب البعض عنها أو إرباك قيادتها بوضع شروط للمشاركة غير مقبولة فكانت رغم ذلك أنجح القمم وأكثرها دلالة على قدرتنا على التصدي للتحديات لو صدقت النوايا ووحدنا صفوفنا، ويُحسب للرئيس بشار الأسد حرصه على تمثيل مصالح الأمة كرئيس للقمة خير تمثيل، وكذلك إيجابية خطواته من أجل التحضير السليم لقمة الدوحة وتسليم رئاستها لقطر في أفضل ظرف عربي ممكن عبر حوارات وتفاعلات نشطة استهدفت إجراء مصالحات ونزع ألغام وغير ذلك مما شهدته العاصمة السورية دمشق وعواصم أخرى خلال الشهر الحالي وما سبق.
قمة الدوحة العادية تأتي بعد القمة الاستثنائية لدعم غزة وبعد قمة الكويت الاقتصادية، كما أنها ستتواصل لتنعقد معها القمة العربية - الأمريكية الجنوبية، وكما نلاحظ هناك صعوبات وعراقيل توضع أمام القمة، ويمكن وصف بعضها بأنه متعمد وغايته إفشال هذه القمة من منطلقات متعددة لا أجد ضرورة سوى لتصنيفها إلى نوعين، الأول نكاية في قطر الدولة المضيفة، والثاني لإفشال المصالحة وعدم التزام البعض بتبعات هذه المصالحة ومترتباتها.
وبافتراض أن القطريين بدعم سوريا وبعض الدول العربية الأخرى نجحوا في تجاوز العراقيل والصعوبات فإنهم سيجدون أنفسهم وكذلك باقي المؤتمرين أمام استحقاقات متنوعة وكبيرة بما فيها ملف المصالحات العربية وكيف يمكن استكمال حلقاتها للوصول إلى نتيجة يمكن أن ترضي الجماهير العربية، وتشكل أساساً قوياً لحل باقي القضايا والأزمات.
جوهر المسألة في هذا الملف تكمن في كيفية التعاطي مع القضايا المفصلية والأحداث الدراماتيكية وسبل مواجهتها، حيث تتوافق في أغلبها رؤية البلدان العربية لمستوى خطورة هذه القضايا وخلفياتها سواء أكان ذلك في المواجهة مع العدو الصهيوني وشرعية المقاومة، أو في إدارة العلاقات العربية الداخلية ومع حلفاء إسرائيل ومناصريها أو داعمي المقاومة ومسانديها.
إن الاتفاق على التشخيص في الغالب الأعم لا ينعكس في اتفاق مماثل على وضع العلاج المناسب، وذلك يعود لعدة عوامل أبرزها وجود توجهات وظروف مختلفة لكل دولة، والمصلحة المتباينة تجاه بعض الأطراف الخارجية وبالأخص تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
تكمن مشكلة التضامن العربي وصعوبة المصالحة العربية في أمرين:الأول تباين مستوى الاستقرار وثبات الحكم في معظم الدول العربية، وهذه مسألة موضوعية يحتاج علاجها لوقت طويل، والثاني في فقدان القواسم المشتركة أو المصالح المشتركة وتوفرها مع دول غير عربية وانعكاس ذلك على تكييف القضايا لتنسجم مع هذه المصالح.
إن ما يفسر حدة الخطاب الإعلامي في المواجهات المتعددة بين بعض الدول العربية هو بالضبط ما أشرنا إليه حول تكييف القضايا لتوافق المصالح مع تسويق خادع لحرص على مصالح الأمة.
ربما لا يتسع المجال لاستحضار الشواهد التاريخية على تفرق العرب وسقوط ممالكهم، لكن المؤكد أن ظروفاً كالتي نواجهها أدت في الماضي إلى تنازع وانقسامات وصراعات أنتجت ضياعاً للحقوق والهيبة وأسدلت ستاراً من الظلام على أمجاد لا زلنا نتفاخر بها حتى يومنا هذا.
إن إحساس الأمن والاستقرار عبر ربط الدولة الفلانية بطرف أجنبي قوي، وكذلك لجوء الدولة الفلانية لطرف أجنبي آخر من أجل حماية مصالحها وتأمين ثبات نظامها يشكل الانعكاس النموذجي لحالة التفكك والخذلان التي يمكن أن تمر بأي أمة، ولو توفر لدينا بعض الثقة في أنفسنا وحسن النية تجاه بعضنا البعض لأوجدنا حلاً ناجعاً لحالة الخوف والتوجس التي أشرنا لها في التو. وعليه فإن تخوفاتنا المشروعة تجاه نتائج قمة الدوحة يمكن أن تجد علاجها في تحديد نقاط الخلاف والاتفاق دون مواربة أو غموض والتركيز على الاتفاق ووضع آلية محددة لإدارة الخلافات، وهذه تنطبق على العلاقات بين القوى الفلسطينية المتصارعة أيضاً.
إننا من باب تسهيل المقاربة لنتائج القمة وسعينا لإنجاحها ولو نظرياً نضع أمام القارىء عناوين أهم الملفات التي يجب الاتفاق حولها، ووضع آلية لإدارة ما نفشل في التوافق حوله منها.
1 - الملف الفلسطيني وكيف نتعاون للمساعدة على رأب الصدع بين صفوف القوى والفصائل الفلسطينية وصولاً للمصالحة والاتفاق على القواسم المشتركة دون تدخل مباشر.
2 - ملف مبادرة السلام العربية وبقاءها قيد التداول من عدمه وتحديد مدة زمنية لذلك.
3 - ملف العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكيفية التعامل معها على أرضية المصالح العربية والقواسم المشتركة كجيران ومقاربة الخلاف معها بهذه الروحية.
4 - ملف العلاقة مع الإدارة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية وموقفها من الحقوق العربية .
5 - ملف المحكمة الجنائية الدولية وقضية الرئيس البشير ومذكرة التوقيف بحقه واستطراداً قضية دارفور بأبعادها المختلفة وكيف نخرج من هذا القطوع المؤلم.
6 - الملف الاقتصادي في ظل الأزمة العالمية واستعادة صناديقنا السيادية وودائعنا من الدول الغربية والبحث عن سبل استثمارها في الوطن العربي.
7 - الموقف من المقاومة المسلحة للمشروع الصهيوني ارتباطاً بالممارسات والمواقف الإسرائيلية تجاه الحقوق العربية وعملية السلام، وعدم التدخل في تكتيكات المقاومة وتوقيتاتها.
هذه هي أهم القضايا الواجب معالجتها في قمة الدوحة بخلاف العديد من المسائل الأخرى بما فيها الخلافات بين بعض الدول بعينها وأخرى على بعض المماحكات والعناوين الفرعية.
إن بقاء الاختلاف والخلاف على بعض النقاط لا يعني أن نختلف كلياً ونغادر بل يجب أن نحدد آلية لإدارتها بعد أن نؤكد اتفاقنا على باقي القضايا ونقر جميعاً أن تطابق نظرتنا للقضايا هو أمر مستحيل وأنه ستبقى قضايا، وتستجد مسائل نختلف حولها وهذا طبيعي، وقد أكد على هذه الرؤية والمفاهيم الرئيس بشار الأسد في لقائه الشامل مع صحيفة السفير اللبنانية قبل يومين، ومن هنا يمكننا الاطمئنان إلى أن قمة الدوحة برغم تخوفاتنا المشروعة ستكون في ظل أجواء تسودها روح المنطق والعقلانية وبأنها ستكمل ما بدأته قمة دمشق ورئيسها لترميم العلاقات العربية، وهذا بدوره سيكون عاملاً حاسماً في نجاح القمة العربية- الأمريكية الجنوبية.<
Zead51@hotmail.com