تصفيات مبكرة
بعد هذه التصفيات كلف الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني محافظ البنك المركزي برئاسة الحكومة، واستقال وزير الإعلام الأستاذ أحمد دهمش ونشر تلك الرسالة الشهيرة الناقدة الموجهة ضد إبراهيم الحمدي التي كان من ضمن ما ورد فيها " كنا نظنك سيف بن ذي يزن وإذا بك سيف من خشب!"،وتجمدت الأوضاع وأصبحت السيطرة على مناطق البلاد محدودة وجمد النشاط السياسي بتعليق مجلس الشورى،وانحسرت سلطة الدولة، وأصبحت نقطة الأزرقين نهاية سلطة الدولة فيها شمالاً.
كان الرئيس الحمدي يراسلني لكنه لم يشتك من أحد، وإنما كان يقول: إنه يتحمل هموماً وصعوبات كبيرة، ويقول في رسائله يكفيك أنك خرجت من هذه الهموم التي نحن فيها، وقبل شهرين من اغتياله بمدارس الأولاد،وهو عذر مقبول وقد استخدمه بعض الأشخاص في فترات سابقة.
سفيراً في مصر
إن العمل الدبلوماسي والسياحي يحتاج إلى فهم ومعرفة ومن حسن حظي بأني كنت قبل التعيين ملماً بالأحداث العربية وعلاقة اليمن بمصر، ودرست العلوم العسكرية وشاركت مع كبار القادة المصريين في الدفاع عن الثورة والجمهورية منذ عام 1962م، وكنت ضمن المعتقلين مع الحكومة اليمنية وزملائي الضباط، ورغم ذلك ظلت علاقتي جيدة مع الإخوة المصريين بعد انسحاب الجيش المصري، كنت على صلة وعلاقة طبية بالسفير محمد عبدالمبدئ، أول سفير لمصر في اليمن عام 1969م، وتعرفت عليه في تعز قبل أن ينتقل إلى صنعاء، وكنت على صلة بالإخوة المسؤولين وغيرهم، خلال زياراتي الرسمية إلى القاهرة والتعاون المستمر مع القيادات العسكرية ولا سيما خلال حرب 6 تشرين أول/ أكتوبر وإغلاق باب المندب، لقد عرفت وتعاملت وتصادقت مع القيادات المصرية بمختلف مستوياتها القيادية العليا، وعرفت الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس أنور السادات والرئيس حسني مبارك، وهو قائد للقوات الجوية والمشير عبدالغني الجمصي والمشير أحمد إسماعيل وإسماعيل فهمي وزير الخارجية -رحمه الله- وأمين هويدي وزير الحربية ورئيس المخابرات والفريق القاضي ، والفريق المرتجي والفريق كمال حسن علي رئيس وزراء مصر وغيرهم من المسؤولين السياسيين والعسكريين. ومعظم القادة العسكريين المشاركين في الدفاع عن الثورة حتى انسحابهم من اليمن، لقد تعاونت وتعرفت على كبار الصحفيين والمثقفين المصريين ومنهم عبدالرحمن الشرقاوي، وزكريا نبيل، ومصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين، والسيدة مريم روبين، ويوسف الشريف، ومحمد عوده، وعادل رضا، وجلال كشك وغيرهم، هذه المعرفة ساعدتني في عملي الدبلوماسي سفيراً لليمن في مصر، ولهذه العلاقة الأخوية والمعرفة الواسعة لقادة مصر، وبالرئيس أنور السادات شخصياً ، والسفير أحمد فؤاد عبدالحي السفير الثاني بعد انسحاب القوات المصرية في عام 1967م أعطى صورة كاملة عن المرشح حسين محمد المسوري كي يكون سفيراً في مصر.. إضافة إلى أن مصر دولة كبيرة، لديها المعلومات من الخارجية والمخابرات وأمن الدولة، مصر دولة مؤسسات قديرة في متابعة الأحداث والتطورات في اليمن خاصة.
وبعد وصولي القاهرة مباشرة قابلت وزير الخارجية المرحوم السيد إسماعيل فهمي وقدمت له نسخة من أوراق الاعتماد وقال: أنت من اليوم اعتبر نفسك سفيراً تمارس عملك مع كل الجهات، بما في ذلك رئاسة الجمهورية.
وكنت أحضر كل مناسبة بما في ذلك دعوات رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وكل الجهات المصرية وأتبادل الزيارات والاجتماعات مع السفراء العرب والأجانب المعتمدين في مصر، وبعد عدة شهور عرفت أنه طلب تأخير تقديم أوراق اعتمادي، ولم أبلغ من الجهات الرسمية في مصر، وتعاملوا معي بكل لباقة، وكنت أدعي في كل مناسبة وأحضر اجتماعات ومقابلات مع المسؤولين المصريين، كنت معروفاً وكنت واحداً من السفراء العرب النشطين والحاضرين في كل المناسبات، والحضور جزء من العمل الدبلوماسي، وهو ليس حضوراً تلك المرحلة هامة في العلاقات العربية القوية مع مصر بعد الانتصار الكبير الذي حققته في 6 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973م.
تأخير أوراق الاعتماد
لقد صدمت وخجلت حينما علمت بتأجيل أوراق اعتمادي لتعييني سفيراً في مصر من الرئيس إبراهيم الحمدي الذي طلب ذلك بعد مرور عدة شهور من تعييني، وهي سابقة خطيرة وغير مسؤولة وغير أخلاقية، شوهت صورة الدولة، وأصبحت في وضع مخجل وحرج.
كنت أشارك في اجتماعات مجلس الدفاع العربي وكل الاجتماعات المهمة، ولا أدري أن هناك اتصالاً مع الرئيس السادات من الرئيس الحمدي بتأجيل تقديم أوراق اعتمادي، وفهمت متأخراً. وبالرغم من ذلك واصلت ممارسة عملي وأقمت الحفلات في المناسبات الوطنية، ودعوت جميع الإخوان اليمنيين في مصر بمناسبة أعياد أيلول/ سبتمبر والذين كان لهم ظروف سياسية، وكذلك المسؤولين المصريين وسفراء الدول العربية والأجنبية، كما دعوت الإخوة السياسيين المقيمين في مصر، ومنهم المشير عبدالله السلال والدكتور عبدالرحمن البيضاني، والفريق حسن العمري، واللواء عبدالله جزيلان، وغيرهم.
غضب الرئيس إبراهيم الحمدي مما قمت به لأداء واجبي،وأرسلت له تقريراً مفصلاً بعد معرفتي بغضبه، وذكرت في التقرير أني دعوت الإخوة اليمنيين في المعهد الجديد عهد 13 حزيران/ يونيو، ودعوتي لكل الشخصيات التي كان لها موقف من النظام السابق يعد مكسباً لعهدك.
لقد تحملت المسؤولية بشرف، وقبلت أن أعمل مع النظام الجديد، وأخلاقياتي تحتم علي أن أؤدي واجبي بشرف وبأمانة، وألا أقبل عملاً سياسياً دون أن أحترم الدولة التي شرفتني بهذا المنصب.
وكتبت له بهذا المعنى، وطلبت منه أن يعتمد رواتب شهرية للإخوة الموجودين في مصر، وأن ينهي لجوءهم السياسي، ويعمل على إعادتهم إلى الوطن. وبعد ذلك شكرني على تلك النصيحة ووافق على اعتماد الرواتب، وواجبي في السفارة أن أحافظ على أبناء اليمن، وأن أقرب وجهة نظرهم مع النظام خدمة للوطن، ونجح ذلك المسعى الوطني.
لقد كونت علاقة طيبة مع سفارة الجنوب مع الأخ السفير عبد الملك إسماعيل، ثم مع الأخ السفير راشد محمد ثابت، وتبادلنا الزيارات في المناسبات وعملنا على تنسيق المواقف بحس يمني وحدوي وقمت بزيارات إلى الأخ محمد علي هيثم وجماعته والمرحوم عبدالقوي مكاوي وجماعته وكل اليمنيين، ولم أتأخر ولم أبتعد عن أحد، لأني أمثل اليمن، وهؤلاء أبناؤها ورجالها الذين تبوؤوا مناصب كبيرة في قيادتها. والعمل السياسي والدبلوماسي هو أن تحترم الدولة وتعمل على تبصيرها.. هذا التعامل مع الإخوة اليمنيين شماليين وجنوبيين معارضين أو مع النظام يؤكد احترامي للدولة. ومما أكد ذلك حينما مر من القاهرة الأخ عبدالله عبدالعالم عضو مجلس القيادة بعد زيارته للاتحاد السوفيتي، بلغت الإخوة في وزارة الدفاع المصرية بمروره واستقبله المشير عبدالغني الجمصي وزير الحربية في المطار، ومعه القادة في القوات المسلحة المصرية، وفي اليوم الثاني أقمت له حفلة غداء حضرها الجمصي وزير الحربية، ومحمد رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية المصري، ووزير الثقافة ووزير التعليم العالي وقادة الجيش المصري تكريماً لعضو مجلس القيادة عبدالله عبدالعالم، وحينما علم الأخ الرئيس إبراهيم الحمدي احتجّ وقال: لماذا هذا الاحتفال والتكريم للأخ عبدالله عبدالعالم وهو مار فقط؟ أجبته: إن هذا تكريم لعضو مجلس القيادة وتكريم لليمن، ويشرفني بصفتي سفيراً أن يحتفى به من قبل الدولة الزائر لها أو المار بها، والسفير الممثل لدولته يؤدي واجبه ويحترم
ش