;

أوراق من ذكرياتي ..الحلقة «44» 900

2009-03-31 04:12:12

تقديم أوراق الاعتماد

من المواقف التي لا يرتضيها المرء لبلده أن توقف أوراق اعتماد السفير الذي يمثلها لدى دولة أخرى، لقد أبلغت قبل انعقاد مؤتمر القمة في الرباط عام 1974بأني عضو في الوفد الذي سيحضر مؤتمر القمة، لأني سفير ومندوب دائم في الجامعة العربية، وخلال مرور الرئيس الحمدي بالقاهرة، اصطحبني في طائرته لحضور مؤتمر القمة في اكتوبر عام 1974م وسكنت معه بناءً على طلبه في "الفيلا" التي يسكن فيها، وكانت فرصة للحديث حيث تناقشنا طويلاً، وقال: لماذا لم تحدد موقفك من الشيخ عبدالله الأحمر، والشيخ سنان أبو لحوم ، ومحسن العيني، لكي أعينك في مركز كبير في الدولة؟ قلت له: أنا معك، لكني لا أستطيع أن أحدد موقفاً ضدهم، لأنهم إخواني وأصدقائي، وجمعنا تاريخ طويل، إضافة إلى أنهم ممن صنعوا عهدك ثم قال: سوف أعينك نائبي إذا حددت موقفك، قلت له : اعذرني من هذا التحديد. ولم يعجبه ردي وغضب وبعد هذا اللقاء توجهنا إلى قاعة المؤتمر، ومصادفة التقينا بالرئيس أنور السادات في الطريق إلى قاعة المؤتمر، وحينما شاهده قال: "يا حمدي" - كان يخاطبه هكذا- "إيه يا حمدي مش حتخلي الراجل يشتغل يروح يقدم أوراق اعتماده"، أجاب : "أنا أخرته، لكي يشغل منصباً كبيراً في الداخل". اضطر أن يجيب جواباً دبلوماسياً، "أنا كنت أحاول أقنعه بأن يشتغل معي، لأني على ثقة بالكفاءة والقدرة التي يتمتع بها"، ثم قال إبراهيم للسادات "ولكن بعدين اتفقنا وأقنعني أن سفارتنا بمصر مهمة لتطوير العلاقات بين البلدين".

رد عليه السادات:"طيب ما تخليه يروح يقدم أوراق اعتماده"، قال:"خلاص اعتبره سفيراً رسمياً"، وبعد هذه المقابلة علمت أن الرئيس إبراهيم الحمدي أوقف أوراق اعتمادي، بعدها ذهبنا إلى الجزائر لحضور مؤتمر القمة الإسلامي وشاهدني الرئيس السادات مرة ثانية في قاعة المؤتمرات، قال لي: "إيه ما تروح؟" أجبته: حينما تعود سأكون في القاهرة لكي أقدم أوراق اعتمادي إليك فقال: "أنا حبلغ حسين الشافعي لتقدم أوراق اعتمادك إليه قبل ما تغير رأيه الراجل بعدما يرجع صنعاء روح!"وعدت إلى القاهرة وقدمت أوراق اعتمادي لنائب الرئيس السيد حسين الشافعي، وهذا الموقف من ذكرياتي المحزنة.

وبالرغم من تلك المواقف المؤسفة كنت أطلب من الإخوان مراجعة مواقفهم وأهمية التعاون مع الرئيس الحمدي ولم أسع لتوسيع الخلاف، ولم أنقل إليهم ما سمت منه، حين كان معظم الانقلابيين يأتون إلى القاهرة في زيارات خاصة وزيارات عمل، والتقيت بمعظمهم ومنهم الرئيس إبراهيم الحمدي والمقدم أحمد الغشمي اللذان التقيت بهما في زيارتين. ومنها مشاركة المقدم أحمد الغشمي في افتتاح قناة السويس في حزيران/ يونيو 1975م، وكنت معه في فندق "شبرد" ليلاً ونهاراً، وفي اليوم الثالث لوصوله التقى منفرداً بالرئيس السادات، وقال لي : "تروح تستريح في المنزل ونلتقي غداً"، وفوجئت بمقابلته للرئيس السادات د ون حضوري، ودون حضور وكيل الخارجية الأخ حسين العمري عضو الوفد، لقد عاتبته على عدم اصطحابي معه، بصفتي سفيراً لليمن، لكنه صارحني وقال : طلب مني الرئيس إبراهيم الحمدي ألا تكون معي في هذه الزيارة. وصدمت لهذا الموقف المؤسف الذي يقلل من مكانتي في الدولة التي أمثل بلادي ورئيسي فيها، وبعد هذا الموقف صارحني بصورة ذكية برفضه لسياسة وسلوك الرئيس إبراهيم، ولم أعلق على كلامه.

الشيخ الأحمر مع السادات

زار القاهرة الرئيس إبراهيم الحمدي في 9 تموز/ يوليو 1974م بعد الانقلاب بعدة أسابيع،ومعه الشيخ عبدالله الأحمر وعدد من أعضاء مجلس القيادة، وفي 27 تموز/ يوليو من العام نفسه 1974م فوجئت بزيارة الشيخ عبدالله الأحمر، وحينما سألته: ما طبيعة الزيارة؟ قال: جئت أحمل رسالة للرئيس أنور السادات. فاستغربت. . قلت: هل أنت تحمل رسالة من إبراهيم الحمدي للسادات؟ كبيرة عليك! قال: "لا لا، لا تتكلمش بالكلام هذا، ما معنا إلا إبراهيم، ورئيسنا إبراهيم، مش كل يوم عنفعل لنا رئيس" هكذا كانت إجابته بجد من دون مجاملة. وصدمت لهذا الرد، وبجوابه القاطع المانع!

لقد اعتقد الشيخ عبدالله خطأ أنه قادر أن يكون شريكاً في النظام ،كما كان مع القاضي عبدالرحمن الإرياني، وأنه سيتعامل مع إبراهيم الحمدي بالأسلوب الذي تعامل به معه ، وهناك فرق كبير في العلاقات والأخلاق والثقة والمواقف الوطنية التي جمعت بينهما.

لم يكن الشيخ يتوقع أنه سيقابل الرئيس السادات خلال ساعات، وسألني متى المقابلة"خلال كم يوم؟" قلت له: لا أدري، لكني قد بلغت رئاسة الجمهورية. وبعد ساعات بلغوني بأن الرئيس السادات في انتظار الشيخ عبدالله الساعة الخامسة في برج العرب، فاستغرب الشيخ عبدالله لهذه السرعة وقال: "علاقتك بالمصريين كبيرة؟" قلت له:"نعم علاقة قديمة وحديثة". ذهبنا إلى برج العرب لمقابلة الرئيس السادات وسلمه الشيخ الرسالة وبدأ يتحدث معه حديثاً عاماً عن الأخوة والعلاقات اليمنية المصرية الجديدة في اليمن، وكرر إشادته بالرئيس إبراهيم الحمدي وسياسته الحكيمة في الحكم، وقبل نهاية اللقاء استأذنت الرئيس السادات بالخروج لكي أتيح الفرصة للشيخ، فيما لو كان لديه رسالة خاصة، فما كان من الرئيس السادات إلا أن قال بصوت عالٍ، بطريقته المعروفة" اقعد! أنت أخونا وابننا ما فيش حاجة تستخبي عليك، وأنت سفير اليمن هنا!"، فجلست وانتهت المقابلة بالمجاملات والتطلع إلى المستقبل، وإلى التعاون في المجال الاقتصادي والتعليمي والثقافي. . وغير ذلك.

ولم يكن لهذه الزيارة معنى أو موضوع. . وربما أراد الرئيس الحمدي إشغال الشيخ عبدالله وتضييع أوقات رجل كبير في الدولة، له دوره السياسي الكبير ومسؤوليته الشعبية والقبلية كبيرة، ليذهب إلى مصر برسالة ليس لها أهمية، والرئيس إبراهيم زار مصر في التاسع من الشهر نفسه، واجتمع بالرئيس السادات في الإسكندرية مع الوفد المرافق، ومعه: الشيخ عبدلله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم وأحمد الغشمي ودرهم أبو لحوم، وحضرت اللقاء، ويومها شرح الرئيس إبراهيم ومعه قادة انقلاب 13 حزيران/ يونيو أهدافه لبناء الدولة ومؤسساتها والقضاء على الانفلات الإداري. واعتقد الرئيس إبراهيم بأن الإخوة في مصر والرئيس السادات لا يعرفون الأسباب الحقيقية لقيام الحركة. وفي نهاية المقابلة تحدث الرئيس السادات، مخاطباً الشيخ عبدالله والشيخ سنان "سيبوا الراجل يشتغل ما تعطلوهش"، لأنه يعتقد أن المشائخ لهم دور في تعطيل العمل المؤسسي والتطور في البلاد، وبأنهم وراء انقلاب 13 حزيران/ يونيو، لكي يخدموا مصالحهم وأهدافهم.

وهذه رؤية السادات منذ أن تولى قضية اليمن قبل الثورة، وخلال وجود القوات المصرية في اليمن، وكان يرى أن اليمن تأخرت نتيجة تدخلات المشائخ في شؤون الدولة وأنهم يرفضون قيام دولة مؤسسات دستورية تنظم حياة المجتمع وحياة الأمة، وكرر "اتركوا الراجل يشتغل، سيبوه ما تعطلوهش، كفاية"، ثم التفت إلى إبراهيم الحمدي،وقال له : "لو ما سابوكش هاتهم عندي!" وموقف الرئيس السادات ينسجم مع سخرية الأستاذ احمد نعمان الذي ذكر في إحدى رسائله أن الشيخ سنان يتدخل في كل القضايا السياسية والاقتصادية، وأنه يجتمع بالدكاترة الاقتصاديين ويوجههم من دون علم ولا معرفة، ومن غير تخصص في الشؤون الاقتصادية!.

كانت رسالة الرئيس السادات واضحة لهم ولأي سياسي يفهم المغزى فيما قاله الرئيس السادات في نهاية الاجتماع. والرسالة واضحة والاتهام لهم مباشر بقوله:"سيبوا الراجل يشتغل وإلا!!".

المطالبة بسلطة مدنية

إن الخلافات والصراعات السياسية بين أعضاء مجلس القيادة تواصلت ، ولقد علمت بأن بعض أعضاء مجلس القيادة كان يطالب بانتقال السلطة من مجلس القيادة إلى المدنيين والعودة إلى رئاسة الجمهورية أو المجلس الجمهوري. وفي النهاية ضاق الرئيس إبراهيم الحمدي بهذه المطالب التي لا تنسجم مع توجهاته وأفكاره، وشكا من ذلك التوجه الذي سيقلص صلاحياته،ولهذا اتخذ قراراً بإقالة حكومة الأستاذ محسن العيني في بداية كانون الثاني / يناير 1975م، وكلف بها الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني في 26 كانون الثاني/ يناير 1975م، وكان الشيخ عبدالله موافقاً على إقالة حكومة العيني التي يعدها بعثية، وولاؤها للشيخ سنان أبو لحوم وإخوانه، ويؤكد للرئيس الحمدي أنه مطمئن لتوجهاته، وبعد هذه الخطوة اتخذ الرئيس قراراً بإقالة العميد مجاهد أبو شوارب من منصب نائب القائد العام، وهنا تفجر الموقف. <

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد