طه العامري
شكل القرار الذي اتخذه مجلس القضاء الأعلى في اجتماعه برئاسة القاضي عصام السماوي رئيس مجلس القضاء الأعلى ما يمكن اعتباره رد اعتبار للسلطة القضائية ولدورها ولرسالتها وهيبتها ولكل نشاط السلطة القضائية التي تجمع بين الواجبين الواجب الديني والواجب الوطني، فالقضاء سلطان لا سلطان عليه والقضاء لا يجب أن يكون إلا سيفا للعدالة وجسرا يصل كل مظلوم بالحق الذي به نصنع السكينة والاستقرار، إذ أن أي استقرار لا يتحقق بدون عدالة ولا تنمية بدونها ولا وطن يمكن أن يكون ويعيش ويحقق كل من فيه تطلعاتهم بمعزل عن القانون والعدالة ومؤسسات سيادية وطنية مهمتها تحقيق العدالة وتطبيق القانون والسهر علي السكينة وحماية الاستقرار والأمن المجتمعي، وقد كان مجلس القضاء برئيسه وبكل أعضائه عند مستوى الأمل الشعبي والتطلعات الوطنية وعند تطلعات كل من يرجو العدالة ويترجى بريقها أن يسود ونورها أن يعم في كل أرجاء الوطن وقبل هذا في وجدان العامة من أبناء الشعب الذين تشكل لهم العدالة هدفاً وغاية مثلها مثل الماء والنار والكلأ، فالشراكة الدينية والوطنية والحضارية والاجتماعية بكل ما تحمل هذه المسميات من قيم ومفاهيم بصورة فردية أو جماعية، فأن العدالة هي الغاية المثلى التي بها يكون التقدم ويكون التطور وتكون التنمية ويكون الاستقرار والسكينة والعيش الآمن، فيما بالعدالة ومن خلالها تسود المنجزات وتسطر الشعوب أروع الملاحم البطولية والمآثر الحضارية وتترك الشعوب بصماتها علي هامات التاريخ وجبين العصر بفعل العدالة وما تزرع في السكينة الإنسانية من معاني الإقرار بالرضا والشعور بالطمانينة والرغبة في التفاعل الخلاق مع المكون الاجتماعي بكل مسمياته وشرائحه، فالخلود دوما للعدالة فهي الحقيقة المطلقة وهي دافع الله سبحانه وتعالي وغايته في إرسال الرسل والأنبياء وإنزال النواميس السماوية، فالأديان بكل مشاربها وتعاليمها جاءت لغاية واحدة وهي إحقاق العدالة، والأنبياء جاؤوا برسالتهم لهذه الغاية وجاء الدين الإسلامي علي يد رسولنا الكريم عليه الصلاة والتسليم ولذات الغاية _العدالة _ والقصاص الشرعي، موضحا حدود العقاب ومبادئ الثواب وكل ما يتصل برسوخ القيم الإنسانية التي عليها تقوم الحضارة وتتطور المجتمعات وتسمو المشاعر الإنسانية لتكون بجد _تجسيدا لإرادة الله _ التي أقامت الكون بما فيه وبما نعلم وما لا نعلم من مكوناته ويمكن ببساطة اختزال كل هذه الإرادة بعبارة واحدة هي ( العدالة) وللعدالة آليات وتشريعات ونواميس لتطبيقها وسلطات مخولة بأن تكون هي الحارسة والمنفذة للعدالة ولنصوصها التشريعية وقوانينها، وهو ما يجعلنا نرحب بما صدر عن مجلس القضاء الأعلى بخصوص الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق الشيخ / أحمد منصور الشوافي مدير مديرية خدير وهي الجريمة التي يصعب علي العاقل الرشيد مجرد تخيلها فكيف الحال بمن ارتكبها وهو يدرك أنه بجريمته هذه لا يستهدف فرداً بل شعباً ووطناً ودولة ومؤسسات وهنا يكون الفعل أن غابت قوانين الردع وقيم العدالة بداية لفساد في الأرض وانفلات لكل مكونات النسيج الوطني والترابط الاجتماعي، أن أي خلاف أن صح ومهما كان لا يؤدي إلي قتل النفس التي حرم الله قتلها، وما حدث من جرم بحق الشيخ أحمد منصور مدير مديرية خدير هو أن الجريمة جاءت مركبه ومضاعفة ففيها اعتداء بحق إنسان حرم الله قتله وهي كذلك اعتداء بحق موظف عام تحميه قوة وهيبة الدولة وهنا نجد أن من يقف وراء الجريمة قد تجاوز تعاليم الله سبحانه وتعالى وتجاهل قيم وقوانين الدولة، وارتكب جريمة هي بمثابة للفوضى والفساد أن لم تطبق العدالة بحق مرتكبيها وعلي قاعدة قوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة) ولماذا في (القصاص حياة) لأن في غياب القصاص يعني أن (الموت ) هو عنوان وهوية للكل والثار وثقافته هو _الموت_ ولهذا لجأ الناس لسلطة القانون درءا للفتنة وتغليب العقل وتمكين الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وسلطاتها السيادية الرادعة والعاملة علي حراسة السكينة وصيانة دماء الناس وأموالهم وأعراضهم هي الحكم فيما يعتمل بين الناس من ظواهر وحوادث وأحداث، وتغليب منطق الاحتكام لسلطة القانون وتمكين المؤسسات السيادية من تأدية واجبها القانوني والدستوري والتشريعي وفعل كهذا حين يأتي من الضحايا والمجني عليهم هو فعل حضاري ودليل وعي يفترض علي الكل أحترام مثل هذه المواقف واحترام أصحابها الذين يفكرون في لحظة غضب وقهر بوجود دولة وسلطات ومؤسسات سيادية يجب الرجوع إليها بحثا عن حق واضح ويمكن أخذه بسهولة، لكن الوعي والحكمة هما من يجسدان دليل المواطنة ويعبران عن نضوج ورغبة في جعل الدولة هي الجهة التي تحقق العدل وهذا منطق أصحاب الحق والواثقين بقدراتهم والمعبرين عن حقيقة انتمائهم للوطن والدولة ولمؤسساتهم السيادية، وهو ما يجعلنا نرحب بقرار وموقف مجلس القضاء الأعلى ونرحب بمواقف كل السلطات والمؤسسات القضائية وأجهزة الضبط القضائي التي تعاملت مع القضية بمسئولية وطنية وأملنا هو أن تواصل هذه الأجهزة مهمتها حتى الانتصار لدم الشيخ المغدور به ورفاقه الذين قضوا نحبهم جواره في واحدة من أكثر الجرائم بشاعة وغدرا وخيانة ولا يمت من ارتكبها ووقف خلفها وحرض عليها بصلة لقيم شعبنا وتقاليده ناهيكم أنه تحدي بجريمته كل القيم الوطنية والقوانين والتشريعات بل وتحدي الدولة بكل مؤسساتها ورموزها السيادية، وهذا ما يجعلنا نحذر بكثير من الصدق والجدية وبشعور وطني عام ونطالب بسرعة الانتصار للحق وتحقيق العدالة وإنزال العقاب العادل بالجناة والرادع حتى لا تكون فتنة ويكون الوطن مسرحا للفوضى والعبث. . تحية صادقة لكل حراس العدالة ولكل من يهمه تحقيق العدالة وتحقيق أمن واستقرار الوطن والمواطن وتجسيد كل توجهات القيادة السياسية التي تعمل جاهدة لتحقيق كل ممكنات الأمن والاستقرار للوطن والمواطن.
أن موقف وقرار مجلس القضاء الأعلى أنزل قدرا كبيرا من الثقة والطمأنينة في وجدان وذاكرة أسر الضحايا وأصدقاء المجني عليهم في ذات الوقت عبرا بكثير من الشفافية عن مسئولية وطنية وقضائية تتصل بدور ورسالة السلطات القضائية وواجبها الديني والقضائي والوطني ودورها في إحقاق العدالة والاقتصاص من كل مخالف للنواميس ومتجاوز للقيم والأمل هو أن يمضي مجلس القضاء وكل السلطات والأجهزة القضائية في تأدية دورها ورسالتها في هذه القضية وكل قضية تتصل بالعدل هدفا وغاية وقضية تظل هي محور الاهتمام الإنساني وقضية الأديان وجوهر الحياة الإنسانية وهذا ما نترقبه وننتظره من السلطات القضائية في قضية مقتل الشيخ / أحمد منصور الشوافي مدير مديرية خدير الذي ذهب ضحية الغدر والاستهتار بهيبة الدولة ودورها ورسالتها ومكانتها، وها نحن نترقب العدالة ليس للجاني وحسب بل وللوطن والشعب. .
ameritaha@gmailcom(a)