بقلم :ممدوح طه
بغير استدعاء للذاكرة التاريخية البعيدة والقريبة، تفقد الأمة العربية رصيدها من الدروس الكبيرة الماضية بإيجابياتها وسلبياتها، في مواجهة التحديات الخطيرة الحاضرة بغيومها وإشراقاتها.
وفي رسم معالم طريقها إلى شكل المستقبل الذي تتطلع إليه شعوبها، للاستفادة بتجاربها الغنية المرة والحلوة خصوصا من دروس قدرتها على التعامل مع الأزمات، وفي دروس مهارة قادتها في كيفية السير عند المنحنيات، حتى لا تضطرب بوصلتها السياسية في تحديد وجهتها الجماعية نحو أهدافها الأصلية.
وهناك أكثر من علامة مضيئة على طريق القمم العربية تبقى ماثلة في الذاكرة العربية، دافعة ورافعة لاجتياز العقبات، وملهمة وملزمة للاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية الحالية التي تضع الأمة العربية أمام أعقد مفترق للطرق في تاريخها الحديث.
وهذا تطلب من المواقف التاريخية من قيادات عربية على مستوى المسؤولية التاريخية الارتفاع فوق دوافع الخلافات الموضوعية وفوق نوازع الحساسيات الذاتية بما يحول التحديات السلبية إلى استجابات إيجابية، ويقلب العقبات إلى دوافع قوية وروافع سياسية تحيل الانقسامات إلى تضامن، والمحن إلى منح، والهزائم إلى انتصارات.
ولعل هذا ما تحقق في قمة الدوحة العربية سياسيا خصوصا في الموقف العربي القوي من ملف السودان، والنسبي من ملف المصالحة العربية، والملف الفلسطيني، بدرجة لا بأس بها، تواصلا مع ما تحقق بدرجة لا بأس بها في قمة الكويت الإقتصادية وفي قمة الدوحة التشاورية العربية والإسلامية، وهو ما ننتظر تحقيقه في قمة الدوحة العربية - اللاتينية الحالية تنسيقا مع الكتل الإقليمية الإسلامية والأفريقية التي تناصر قضايانا العربية.
خصوصا مع تراجع مؤشرات التحرك نحو السلام وتصاعد التهديدات الصهيو غربية بعد شن الحروب العدوانية الإرهابية المجنونة ضد لبنان وضد غزة، بما يتوجب على الأمة العربية بل والإسلامية أن تواجه أصعب امتحاناتها، وعليها أن تقبل بأخطر مسؤولياتها لمواجهة أكبر تحدياتها.، بتجاوز الخلافات بالمصالحة الشاملة، وبتجاوز التفرق بالاتحاد الشامل، وبسد الثغرات في البنيان العربي بصياغة المشروع الاستراتيجي العربي.
ومع شلل مجلس الأمن، وتقاعس ما يسمى بالمجتمع الدولي عن فرض صحيح القانون الدولي على إسرائيل، ونشاطه فقط ضد القضايا العربية والإسلامية، فإن الأمة العربية والإسلامية عليها ألا تتجاهل الأخطار ولا تسقط في الأوهام بأنها تستهدف جزءا من أجزائها أو رأس نظام من نظمها.
وإنما كل ذلك هو مقدمات للتعامل معها جزءا جزءا حتى يتم الإطاحة بكل النظم وإخضاع كل الأجزاء للشروط الغربية خدمة للأهداف الصهيونية، بحيث لم يعد أمامها إلا الاعتماد على القوة الذاتية العربية وعلى التضامن الإسلامي القوي لمواجهة هذا الواقع.
ويلزم أن تعد استراتيجيتها الدفاعية لحماية الأمن الوطني والقومي العربي بما يضع القيادات العربية كلها على قمة المسؤولية، والشعوب العربية والإسلامية بكل ألوانها العرقية والطائفية والمذهبية والسياسية أمام مسؤوليات مصيرية على مستوى القمة في مواجهة ما يمكن أن يقرر مصيرها لعقود طويلة مقبلة.
وهذا ما يفرض على العالم العربي تعميق التضامن مع العالم الإسلامي ومع العالم الأفريقي ومع العالم اللاتيني، ويفرض على المنطقة العربية والإسلامية سواء على مستوى قمتها أو قاعدتها وعلى مستوى ساستها أو على مستوى إعلامها تجاوز خلافاتها وتجاذباتها ومواجهاتها الفرعية والالتفات إلى قضاياها ومبادئها وثوابتها الأساسية، حتى لا تسقط في مستنقعات الفتن مع أشقائها ضد نفسها، بل بالتضامن مع أشقائها وأصدقائها رغم خلافاتها ضد عدوان أعدائها.