عبد الجبار سعد
في مقابلة الإعلامي أنور الأشول ( الفضائية اليمنية ) مع أم الفتى عبد الرحمن العجيري الذي فجر نفسه في حضرموت بعد أن اصطادته بالخديعة حبائل المكر الصهيوني الصليبي المتلبس بعباءة الجهاد الإسلامي. . بدا المشهد مأساويا مبكيا على التحقيق فقد تحول السخط الكبير من الجميع من سخط على الفتى إلى سخط على القوى الخفية التي تقذف بهؤلاء الفتيان الصغار الأتقياء الأنقياء في جوف النار.
*****
الأم المفجوعة بدا أنها بذلت جهدها في تربية الفتى وتنشئته على القيم الإسلامية وإن كان يبدو بعض الغلو استجابة لنوع شائع في التربية الإسلامية القائمة هذه الأيام والتي تجعل الغناء مثلا من المحرمات على الإطلاق بدون استثناء ولا تفصيل وهو أمر لم يجمع عليه أهل العلم وقد بينته فتاوى الأئمة السلف والمعاصرين وفي كل قضية كهذه يحتاج الأمر توسعا وشرحا مستفيضا قام به الأئمة في القديم والحديث.
المهم أن التحريم المطلق لهذه وأمثالها ليس مما أجمع عليه المسلمون.
*****
ونعتقد أن الغلو في التربية يجعل السقوط في مهاوي الفتنة أقرب إلى من يقع في هذا الغلو لأن شريعة الإسلام قامت على الحنيفية السمحة. . وعلى الفسحة وليس على التشدد والغلو "ولا يشاد هذا الدين أحد ٌ إلا غلبه".
وما يهمنا هنا هو أن الأم المسكينة بذلت جهدها في التربية. . والفتى لم يقصر في الاستجابة وكان من حفظة القرآن وكان مثالا طيبا في المسلك. . على أن هناك أمران بينتها الأم في شرحها عن الفتى. .
أولهما مشاهد المآسي التي تعرض على الفضائيات خصوصا مآسي ضحايا غزة وهي التي كان يتأملها الفتى ويبكي وهذه حقيقة تجعل كل ذي غيرة يتفجر غضبا وحقدا على قوى الشر العالمي المهيمن وتفتح بابا للفتنة. .
وثانيهما. . تغير في سلوك مرتبط باللباس وتشدد في التعامل مع بعض القنوات الهابطة وما أكثرها وهي التي يمكن أن تعرض في التلفزيون في المنزل بحيث بدأ يتدخل في حذفها وهو أمر لم يكن يرضي أمه كما تقول. . وهي التي وإن كانت لا تحبذها لكنها كانت تبقيها و تترك للجميع حرية الاختيار بعد التربية والتحذير والتبيان. .
****
وطريقة الأم هذه لعمري طريقة راقية في السلوك. . ولكن الفتى بدأ يتمرد عليها ويجعل من فهمه واعتقاداته وتفضيلاته أمورا غير قابلة للنقاش بل بدأ يفرضها على الجميع ويكرههم على القبول بها وربما قبلوا منه ذلك مجاملة أو اقتناعا. . وهذا هو الأمر المذموم ليس لأنه سكوت عن أمر بمعروف ونهي عن منكركما يعتقد هو. . ولكن لأن المعروف والمنكر لدى فتى في مقتبل العمر هي أمور غير واضحة المعالم وليس من حقه أن يتصرف على أساس ماعلمه عنها من علم ناقص مهما كانت له أدلته في بعضها وبدت له واضحة ومحفوظة عن ظهر قلب. . لأن لدى غيره بالتأكيد أدلة أخرى ربما كانت أكثر وضوحا لم يعلمها هو ولم يقم من يعلمه الأولى بتعليمه إياها بل اكتفوا بتعليمه أدلة اختيارهم من الأقوال وكتموا غيرها وهذه طريقة ضالة مضلة ابتلينا بها هذه الأيام حتى على أيدي علماء نجلّ علمهم ونكبر سعة تحصيلهم ولكنهم وللأسف أصبحوا في كل قضية لا يوردون إلا ما يوافق اختيارهم وهواهم وهم يعلمون حق العلم أن هناك اختيارات أخرى لها نفس الحجية ونفس القوة في الدلالة ومع ذلك يخفونها ويبعدونها عن التداول. . كأن الدين الحق ماوافق هواهم ومالم يوافق هواهم فليس دينا حتى لو وردت به الآيات والأحاديث وحتى لو قبله غيرهم من العلماء.
*****
ونعود الآن إلى الفتى موضع المكر والخداع فإذا ترك له أهله الحبل على الغارب وقبل منه من في البيت هذه التصرفات باعتبارها الحق فقد أعطوه براءة من الجهل. . واعترافا بأن مسلكه هو الحق وأن ما كان يجري في البيت قبل ذلك هو الباطل وأنه قد أقام معهم على الشرك والكفر والنفاق والجاهلية. . . . إلخ من هذه الدعاوى الجاهلة والمغالية المخادعة. . وهنا تبدأ الكوارث والمآسي ويصبح من حوله من الأهل أعداء بل يصبح كل المجتمع كذلك ويصبح من يعلمونه الغلو والتشدد هم وحدهم الطائفة الناجية والتي هي على الحق وهي القابضة على الدين كالقابض على الجمر في زمن الغرباء فيغادر الأهل والمجتمع الذي يعيش فيه إلى حيث رأينا. . وإنا لله وإنا إليه راجعون.