لقد شرحت هذه المرحلة من حياتي في العمل العام وما واكبها من صعوبات ومتاعب ومواقف محزنة أثرت في سمعة بلادي التي ضحينا من أجلها وحافظنا على كرامتها وسيادتها وفي المدة من 1976 إلى 1978م مكثت في القاهرة متابعاً للأحداث مع زملائي لما يجري في اليمن
وخلالها لم أكن لا جئناً سياسياً ولم أطلب ذلك، وأقمت في القاهرة وظلت الحراسة معي من الأمن المصري وعوملت كشخصية سياسية مقيمة.. وعملت مع زملائي في القاهرة على تكتل إيجابي وطني، معارضة وطنية راقية حريصة على استقرار اليمن وأمنها وسلامتها، ونهج المعارضة الإيجابية التي شاركت فيها في القاهرة التجمع الوطني الإيجابي غير المبني على التآمر، وبرؤية وفكر قدمناه للنظام الحاكم في جميع وأفكاراً وبدائل للسياسات التي تمارسها سلطة لم تحقق الأمن والسلام وازدهار الوطن، وبرنامج العمل السياسي الذي توصلنا إليه في القاهرة تضمن رؤية كاملة للخروج من الأزمة دون المساس بسيادة الوطن أو الاستعانة بالخارج، هذه هي المعارضة الإيجابية.. التي تبنيناها في القاهرة مع نخبة من رجالات اليمن الذين صنعوا الثورة، وحافظوا على سيادة اليمن واستقلاله.
معارضة وطنية
كان الهدف من معارضتنا هو العمل بالنظام الديمقراطي، وتحقق أهدف الثورة،والعودة إلى الححكم وحدها وتتصرف بمقدرات الشعب، كنا نطالب بالعودة إلى النظام الديمقراطي المتمثل في انتخاب مجلس جمهوري أو رئيس جمهورية ومجلس شورى يصدر القوانين والتشريعات، وحكومة مؤهلة، لها برنامجها في بناء مؤسسات الدولة تكون قادرة على تطوير علاقتها الخارجية المنفتحة على جميع دول العالم، وتواصل العمل السياسي بتكوين الاتحاد اليمني، لكي تنتقل اليمن إلى النظام الحزبي. وهي بداية العمل الديمقراطي، وخطوة في اتجاه العمل بالتعددية الحزبية.
وخلال وجودي في مصر قررت أن ألتحق بجامعة القاهرة بكلية الآداب قسم التاريخ،وبعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977م توقفت عن المتابعة بالجامعة، لأنه حدث هام يستحق التوقف والاهتمام بمتابعة التطورات في بلادي. وكم أسفت لما حدث من مأساة محزنة.
تصالح الشيخين
يقال إن المصائب تجمع المابين! والشيخان اللذان لهما تاريخ في القضايا الوطنية والعمل السياسي وشاركا في صنع القرار منذ بداية ثورة 26 أيلول / سبتمبر 1962م، وجدا نفسيهما خارج اللعبة السياسية بعد أن تولت القيادة شخصية ليس لها علاقة بالثورة ولا بتنظيم الضباط الأحرار، ولم تشارك في العمل الوطني. وعملت على إبعادهم ومطاردة رجالهم حتى أخرجوا من المعادلة السياسية، هذا الوضع لا يمكن أن يكون مقبولاً لدى الشيخين عبدالله وسنان، وكذلك زعماء اليمن: الإرياني والنعمان والسلال والضباط الأحرار وغيرهم من رجال اليمن الذين عاصروا الحركة الوطنية منذ بدايتها وأصبحوا خارج العمل السياسي والوطني، وجاء بدلاً عنهم مجموعة من الغوغاء والمنتفعين والمستفيدين، وصال رجال الدولة ومؤسسها ورجال الثورة بعيدين، بل ومشردين ومطاردين. لقد تمكن المقدم أحمد الغشمي من الوصول إلى منصب رئيس الأركان بعد 13 حزيران/ يونيو بالانتخاب في جلسة عاصفة لمجلس القيادة برئاسة الحمدي، وتمكن من إقناع الرئيس إبراهيم الحمدي بأنه من أنصاره وأنه قادر على رداع المخالفين له من المشائخ وقادة الوحدات العسكرية المشاركين في انقلاب 13 حزيران/ يونيو، وفي وقت قصير تمكن من الوصول إلى رئاسة الدولة خلفاً للرئيس إبراهيم الحمدي.
إن أحمد الغشمي كان منسقاً مع الرئيس إبراهيم الحمدي قبل 13 حزيران / يونيو 1974م. كان قائد وحدة عسكرية مدربة ومؤهلة ناجحاً في قيادة، وتدرب مع عدد من الضباط الذين يسمعون بالضباط الفخريين بدورات تدريبية في مدرسة المدرعات عام 1964م وقد بذلت جهوداًَ كبيرة معهم حتى تمت الموافقة من القيادة المصرية وقتها بالتحاقهم بالدورة التدريبية في مدرسة المدرعات بصنعاء، وكانوا على مستوى المسؤولية والرغبة في التعليم، ونجحوا في الدورة التدريبية باقتدار، والتحقوا بالوحدات العسكرية، وشاركوا في الدفاع عن الثورة، وكانت قناعتي هي تأهيل الضباط لكي يؤدوا دورهم في أعمالهم بكفاءة. وكان المرحوم أحمد الغشمي نبيهاً ذكياً بالفطرة سريع الحفظ والبادرة يلتزم بما يتعد به وينفذه.
علاقتي بالغشمي
إن علاقتي مع ضباط القوات المسلحة كبيرة وواسعة لم أدع ذلك، ومنها صداقتي مع الأخ أحمد الغشمي،وهي قديمة من أوائل الستينات، لأن عرفت قدرته وذكاءه وتكونت علاقتي به وتوطدت في بداية الحصار في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967م، وحينما طلب مني أن يؤدي دوراً في معركة الدفاع عن صنعاء ويعين في عمل أوف ي أي موقع عسكري.
وبسبب حماسه الوطني واستعداده للدفاع عن الثورة والجمهورية اقترحت عليه أن يكون قائداً لقطاع همدان، وتتمركز في نقيل البياضي، وضخمت له المهمة لكي يقتنع بالعمل،ووافق عليها وهو جمهوري مع أسرته، وكان ثباته وقدرته على المشاركة ناجحة، ونجح في قيادة المناطق بقوة شخصيته وتعاون أخيه المرحوم الشيخ محمد حسين الغشمي، وهو من الشخصيات الجمهورية الوطنية,
وفي نهاية عام 1969م زارني الأخ المقدم محمد أبو لحوم قائد الكتيبة السادسة مدرعات في رئاسة الأركان، ورشح المقدم أحمد الغشمي رئيس عمليات الكتيبة السادسة مدرعات.. ورحبت بهذا الاقتراح، وفوراً توجهت إلى الفريق حسن العمري رئيس الوزراء والقائد العام، وطلبت منه الموافقة على إصدار قرار بتعيينه رئيس عمليات الكتيبة الذي وافق بدوره على تعيينه ووجه بإصدار القرار، وكتبت التوجيه بخطي لرئاسة الأركان بتعيينه رئيساً لعمليات الكتيبة السادسة كما يأتي:
الأخ رئيس الأركان العامة المحترم
يعين المقدم أحمد حسين الغشمي رئيساً لعمليات ك 6مدرع
التوقيع رئيس الوزراء والقائد العام
الفريق حسن العمري
وفور صدور القرار باشر عمله في الكتيبة السادسة رئيساً للعمليات وكان ضابطاً منضبطاً يؤدي واجبه بمثابرة وصبر، وتعاون مع الأخ محمد أبو لحوم بكل إخلاص وظل في الكتيبة ليلاً ونهاراً، واستطاع أن ينسج مع الضباط والأفراد علاقة جيدة في وقت قصير، وبعد أن أثبت جدارته في رئاسة عمليات الكتيبة السادسة رشحته لقيادة الكتيبة الأولى مدرعات وصدر قرار بعد ذلك بإجماع القيادة، واستطاع بحزمه وقوته السيطرة على الكتيبة الأولى التي كانت تعاني من ضعف القيادة. وأصبحت لشخصيته مكانتها وهيبتها في سلاح المدرعات الذي يقدره ويحترمه جميع الضباط.
واستطاع في فترة وجيزة الانسجام مع ضباط الكتيبة الأولى وتعاون معهم وأصبح قريباً منهم عسكرياً وروحياً وقيادياً. وكانت الكتيبة الأولى من أحسن الكتائب في القوات المسلحة ولا سيما بعد صدور قرار القيادة بدعم الكتيبة إلى لواء مدرع عام 1974م، وأصبح قطاع المندب ملحقاً باللواء الأول مدرع، وأصبح الثقل والمعيار الكبير في سلاح المدرعات "اللواء الأول" بقيادة المقدم أحمد الغشمي وزملائه الضباط وفي 13 حزيران / يونيو كان اللواء الأول العامل الحاسم والمرجح.
لقد أصبح المقدم أحمد الغشمي رئيس هيئة الأركان بعد انقلاب 13 حزيران / يونيو رقماً صعباً وغدا مؤثراً في صنع القرارات السياسية والعسكرية، وتمكن من السيطرة على الشخصية الذكية صاحب القرار السيادي المقدم إبراهيم الحمدي، وأطلعه على كل أسراره ونقاط ضعفه الشخصية والعامة، وتمكن الرجل من التأثير في كل أنصاره، ولهذا كانت ثقة الرئيس الحمدي به كبيرة ومكنته من الزيارات للدول العربية والأجنبية، ومنها مشاركته في إعادة افتتاح قناة السويس.