بقلم :ممدوح طه
للأمة العربية أكثر من موقع استراتيجي عالمي وإقليمي هام جغرافي، وجيوسياسي، وحضاري وديني من المفروض أن يتيح لهم من عناصر الوزن والتأثير والقوة في المنظمات والتجمعات الدولية ما يمكنهم من احتلال مكانة أكبر من المكان، وكثير من أسباب العزة والقدرة وليس الضعف والهوان. .
فعلى المستوى الدولي هناك دولة عربية من بين عشرين دولة اقتصادية كبرى في العالم، هي المملكة العربية السعودية ممثلة بعاهلها الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة العشرين التي عقدت قبل يومين في لندن لبحث كيفية الخروج من الأزمة المالية العالمية ، ومن بين خمس عشرة دولة بينها الدول الخمس العظمي في العالم، هناك دولة عربية هي الجماهيرية العربية الليبية تتولى حاليا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي.
وعلى المستوى الإقليمي تترأس ليبيا العربية «الاتحاد الأفريقي»، فيما تترأس مصر العربية «الاتحاد الأورو متوسطي»، وتحظى السعودية بمكانة دينية كبرى في العالم الإسلامي باعتبارها منبع الرسالة الإسلامية وحاضنة الحرمين الشريفين، وهي عوامل قوة تبقى غير فاعلة أو مؤثرة عربيا بغير وحدة عربية تحتشد فيها كل عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية والبشرية. .
وبينما يتوفر لأقطار الوطن العربي من عوامل ودوافع الوحدة أو حتى الاتحاد ما لا يتوافر لغيره من التجمعات الإقليمية المحيطة بالوطن العربي مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي أهمها أن الوطن العربي كان متوحدا في دولة عربية إسلامية واحدة قبل أن يتجزأ بفعل التدخل العسكري الغربي بعد هزيمة تركيا مركز هذه الدولة في الحرب العالمية الأولى، وسقوط هذا الوطن تحت الحكم الاستعماري المباشر لهؤلاء المستعمرين الغربيين البريطانيين والفرنسيين.
وكان من المنطق التاريخي أن يعود إلى وحدته الأولى بعد استقلاله الرسمي وتكوين منظمته العربية بعد «محادثات الوحدة العربية» التي أجراها حكام الدول العربية المستقلة والتي أسفرت عن تأسيس الجامعة العربية، إلا أن «المنظمة العربية» الوليدة التي من المفروض أن تكون تعبيرا عن «النظام العربي» جاءت تعبيرا عن النظام العربي الرسمي فقط وليس عن النظام العربي بشقيه الرسمي والشعبي. . مما يتطلب تطويرها إلى كيان اتحادي.
إن ذلك يعني أن ستة عقود من عمر الجامعة كانت أكثر من كافية لو توفرت الجدية والإرادة السياسية اللازمة لتحقيق أهداف الشعب العربي التي انتظرها بعد تأسيس الجامعة، من تحرير كامل الأرض العربية المحتلة ومن إنجاز هدف الاتحاد العربي ومن دفع التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتأكيد قواعد الحرية السياسية للمواطن العربي وتوفير الاستجابات اللازمة للتحديات الجديدة التي تفرضها على أمتنا المتغيرات العالمية الجديدة، والتهديدات الصهيونية الجديدة. .
وبالتالي فإن الجامعة الآن وهي تواجه محاولات بمشاريع «أورو متوسطية» لشق صفوفها بل ومحاولات لإلغائها بتنظيمات «شرق أوسطية» فاشلة وفقا لمشاريع من خارج المنطقة تريد تذويب الهوية العربية وتفكيك النظام العربي، يلزمها تقوية مؤسساتها وتوسيع صلاحياتها وتطبيق اتفاقياتها وتحويلها إلى مظلة اتحادية عربية لتكوين كيان اتحادي عربي استجابة لأول أهدافها، ليحتل موقعا مؤثرا يتلاءم مع مكانه ومكانته، ويستجيب لتحديات عصره الذي لا يعترف إلا بالكيانات الكبرى.
الأمة العربية ليست أمة ضعيفة ولا مهزومة بقدر ما هي أمة مفككة ومأزومة، فلديها الكثير من أسباب القوة إذا توحدت تحت أي شكل من أشكال الوحدة. . لكن مصادر قوتها موزعة على أجزائها الاثنين وعشرين، وهذا هو الأدعى للتكامل والاتحاد وليس العكس للتجمع الأمة الواحدة في كيان اتحادي واحد. <