;

حول البرلمان والعدالة والجريمة النكراء 627

2009-04-08 03:28:27

طه العامري

ربما تكون المواجهة التي تدور بين "مجلس النواب" من جهة و"السلطة القضائية" من جهة أخرى هي الأولى من نوعها في تاريخ الحياة الديمقراطية والسياسة اليمنية، إذ لم يحدث أن شهدت الحياة البرلمانية مواجهة مماثلة حتى في مراحل الأزمات السياسية والخصومات الحزبية في صورة تجسد وتعبر عن حقيقة الحراك الديمقراطي الوطني مع الأخذ في الاعتبار المآخذ التي نأخذها على أداء البرلمان من خلال مواقف بعض "النواب" الذين لم يستوعبوا الفرق بين منصب ومهم وزير العدل وبين المؤسسات القضائية مثل النيابة العامة ومجلس القضاء الأعلى والمحاكم وكل أجهزة الضبط القضائي التي تنحصر علاقة وزير العدل بها على الجانب الإداري وحسب، لكن الوزير لا سلطة له على مهام وصلاحيات وتخصصات مكونات السلطة القضائية بكل مسمياتها ومستوياتها، وتلك حقيقة دستورية لم يستوعبها بعض أعضاء مجلس النواب وفيهم من لا يفقه الدستور والقانون ولم يسبق له أن قرأ أياً منهما.

في ذات السياق فإن الطريقة التي تعامل بها مجلس النواب مع قضية مقتل الشيخ/ أحمد منصور الشوافي مدير مديرية خدير والذي وجد فيه المتهم متلبس في مسرح الجريمة وهذا ما تؤكده أدلة أجهزة الضبط القضائي بعكس ما ذهب إليه تقرير اللجنة البرلمانية التي تشكلت ونزلت ميدانياً بهدف استقراء الحقيقة فكان أن استندت "اللجنة في تقريرها" إلى شهادة مدير أمن مديرية خدير الذي قدم معلومات غير دقيقة للجنة البرلمانية التي اعتمدت شهادة "خصم" غير "محايد".

ويمثل بنظر أسرة "المجني عليه" طرفاً كبقية الأطراف المتورطة بالجريمة، وحين استندت لجنة المجلس لشهادته التي أخذتها اللجنة من الرجل باعتباره المسؤول عن أمن المنطقة وموظف عام وجهة سيادية أو يمثل الجهة السيادية المعنية بحماية الأمن والاستقرار وأرواح الناس وتحقيق السكينة، لكن هذا المسؤول والمعني بكل الواجبات التي تم سردها لم يكن في هذا المستوى من المسؤولية لحكم القانون وللوظيفة التي أوكلت إليه ليقوم بها حسب الدستور والقانون ولكنه دخل ضمن أطراف المعادلة السلبية التي شكلت مجتمعة وبكل أدوارها هذه الصورة "العبثية" والملطخة بأطياف الفوضى فكانت الحصيلة جريمة نكراء يصعب التخاذل أمامها كونها تستهدف السكينة والاستقرار والأمن العام وتستهدف النظام والقانون ودور ومكانة الدولة بكل مؤسساتها السيادية الوطنية، فالجريمة ليست بالمطلق بحصيلتها الجنائية لكنها أيضاً بتبعاتها الدستورية والقانونية وبوقعها على السكينة والنسيج الاجتماعي والأمن الوطني كما هي أي الجريمة بدوافعها ومسرحها وضحيتها، فإذا كانت الدوافع تعني قطعياً الانتقاص من هيبة ومكانة الدولة ومؤسساتها السياسية الوطنية فإن مسرحها كان مرفق حكومي عام لا يجب أن يكون مسرحاً لارتكاب جريمة حرمها الله، والدولة والقانون، فمسرح الجريمة يفترض أن يكون حصناً للعدالة وواحة للأمن والاستقرار وملاذاً آمناً لكل باحث عن الأمن والأمان والطمأنينة، ثم وهذا الأدهى والأمر أن يكون المجني عليه موظفاً عام أوكلت إليه الدولة مهمة رعاية جزء من المسؤولية الوطنية وفي نطاق جغرافي محدد لكن هناك من لم يعجبه فعل الدولة والحكومة فلجأ لطريق التمرد والفوضى وتحدي الدولة والنظام العام وإقلاق السكينة وتعريض النسيج الاجتماعي لحالة عدم الاستقرار مستعيناً بمكانته وأنصاره وحصانة برلمانية في لحظة كان التواطؤ واضح لم يستوعب البعض من أعضاء البرلمان تفاصيل الجريمة وأبعادها الاجتماعية وتبعاتها الدستورية والقانونية والقضائية، بل ذهب البعض من النواب الذين أخذتهم العزة بالآثم بعيداً في تفسير حصانة النائب دون اعتبار بتوصيف أو أعطاء من يمكن أن يتقبل مثل هذا العدوان إلا من كان كافراً بكل قيم الاستقرار والأمن والتلاحم الوطني وبالتالي يدفع الناس إلى دائرة الفوضى والعبث والاحتراب الاجتماعي. . !!

والمؤسف أن يذهب بعض أعضاء المجلس وفي هذه المرحلة التي يفترض فيها التلاحم المؤسسي والتكامل الوطني إلى فتح صراع في مواجهة السلطة القضائية والسلطة التنفيذية بدون وعي أو فهم لتبعات مثل هذه المواجهة وفي هذا المنعطف التاريخي من مسارنا الوطني الملبد بمثل هذه السلوكيات والممارسات التي تشوش كل الصور الإيجابية المشرقة التي ما إن تحاول بريق أطيافها السطوع حتى تجد سحب التشويش تتناثر في سماء الوطن بفعل هذه التصرفات الغير حضارية والتي وأياً كانت دوافعها فهي غير مبررة خاصة من قبل مجلس النواب الذي يفترض فيه حماية النظام والدستور والقانون وحماية النسيج الاجتماعي الوطني وإحقاق السكينة والاستقرار في ربوع الوطن وليس مسؤولاً عن "أعضائه" فهم لا يمكن أن يكونوا فوق القانون والدستور والسلطة القضائية وأجهزة الضبط القضائي وهي المؤسسات المعنية بإحقاق العدل والسكينة والاقتصاص من كل متجاوز للنظام والدستور ولو كان نائباً برلمانياً أو حاملاً لحصانة أياً كانت هذه الحصانة فلا حصانة لمتهم أمام السلطات القضائية ولا يحق لمجلس النواب وأعضائه العمل على تشويش العدالة والتأثير على مجريات القضايا المنظورة أمام القضاء وإلا فقد المجلس دستوريته فالمسألة هنا ليست تعصباً ومناصرة واصطفافاً بغرض حماية نائب أو نواب إن كان للقضاء كلمة أو ملاحظة على هذا النائب أو النواب، والتعصب أمام هذه القضايا والاصطفاف في مواجهة العدالة أو التهديد بعزل الوزير الذي لم يستوعب بعض أعضاء المجلس علاقته بالسلطات القضائية ومدى صلاحياته بل ذهبوا يطالبون الوزير باختراق القانون ومخالفة الدستور ويحرضونه بصورة مقايضة عنوانها إما أن تعمل كما نريد وتوافق على ما نطلب أو عزلك؟

وهنا دعونا نتصور أن الوزير وافق بعض أعضاء المجلس وقبل أن يخترق الدستور مقابل موافقة النواب على بقائه جزءاً من الحكومة افتراضاً فكيف سوف تكون الصورة وشكل وأطياف العدالة والسلطات القضائية؟ قطعاً سوف نجد من بين أعضاء المجلس من يطالب بعزل الوزير كونه خالف الطريقة التي مشينا بها، فيما يتصل بالتأجيل للانتخابات البرلمانية، إذ نجد بعضاً ممن كانوا متعصبين للتأجيل ومطالبين به اليوم لا يتحدثون عن عدم شرعية التأجيل وهو ما يجعلنا في المحصلة نلجأ للاحتكام للقضاء ومجلس النواب ليس فوق القضاء بل إن القضاء مرجعية للكل بما في ذلك مجلس النواب الذي يواجه اليوم التشكيك بعدم شرعيته ودستوريته باعتبار التمديد الذي منحه النواب لأنفسهم مخالفاً للدستور والقانون والنظام وبالتالي ليس من حق المجلس أن يتطرف فيما يتعلق بأي تورط بجريمة والقضاء وحده من سيقول أنه بريء أو متهم وليس مجلس النواب ولو اجتمع بكل أعضائه فليس المجلس في النهاية سلطة قضائية وليس من صلاحياته التدخل بشؤون القضاء وعليه فإن المجلس مطالب باحترام ما صدر عن مجلس القضاء الأعلى وما يوف يصدر من النيابة العامة في الجمهورية، وما قد يصدر من أي مؤسسة قضائية فالقضاء دستورياً وقانونياً سلطة مستقلة فقط المطلوب من المجلس أن يكثف الثقافة القانونية والفهم الأعمق للدستور في أوساط أعضائه حتى لا تتراكم الفضائح القانونية والدستورية والتي يمكن رصدها وحصرها وتوزيعها على الملأ بعد التعريف بها وتفصيل مفرداتها وهي متاحة لكل من تابع تعاطي المجلس مع قضية الشهيد الشيخ أحمد منصور الشوافي رحمه الله والذي لا نريد أن يساهم مجلس النواب بقتله مرة أخرى فالغدر القانوني قد يكون أخطر من الغدر الجنائي؛ لأن الغدر الجنائي ذهب ضحيته الشيخ أحمد منصور ومرافقيه لكن "الغدر القانوني والدستوري" سيذهب ضحيته كل الشعب وكل العدالة والنظام والقانون، فلا تجعلونا بربكم نترحم على "عدالة المتخلفين والمستبدين والكهنة" لأن عدالة الجمهورية أعظم وأنقى وأرقى وأكثر سطوعاً وهذا ما نأمل تحقيقه والوصول إليه على ضوء البيان الصادر يوم أمس من مجلس القضاء الأعلى الذي وقف أمام تقرير النائب العام للجمهورية الذي أكد وبالدليل القاطع سلامة الإجراءات القضائية التي اتخذتها أجهزة الضبط القضائي في قضية مقتل الشيخ/ أحمد منصور الشوافي مدير مديرية خدير وقد حسم بموقفه كل التداعيات المتصلة بالقضية مؤكداً على عدم شرعية أي تدخل حتى وإن كان عبر مجلس النواب الذي لا يملك صلاحيات تخوله التدخل بشؤون السلطة القضائية أو التأثير عليها، وأملنا أن نكون قد استوعبنا هذا الدرس القضائي والدستوري وحتى تشرق شمس العدالة زاهية الأطياف نقية المقصد والهوية والانتماء، وعاش حراس العدالة قناديل مضيئة في سماء الوطن. <

Ameritaha @ gmail. com 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد