يحوي كتاب حصار صنعاء للمؤلف اللواء المناضل/عبداللطيف ضيف الله سير وحقائق جسدت الدور البطولي للمناضل وزملاءه الضباط الاحرار الذين سطروا بدمائهم أنصع صفحات الخلود دفاعاً عن الثورة والجمهورية ودفاعاً عن استقلال الوطن ونظراً لما يحويه الكتاب من حقائق شيقة فإن أخبار اليوم تنشر الكتاب على شكل حلقات بصورة يومية. .
حصار صنعاء 1967 1968
المقدمة : بداية لابد من توضيح بعض الأسباب التي تدخلت في تأخير المساهمة في كتابه مذكراتي عن معجزة انتصار السبعين يوماً ومنها ما يلي:
1 كان الاعتقاد بأن أي كتابه لأحداث عظيمة توضح أدواراً وطنيه خالصة لله وللوطن تعتبر ضرباً من المنية على الوطن غير مدرك بأنه سيأتي وقت أو زمن تعتبر رواية الأحداث حق من حقوق الوطن على المواطن الفاعل والمشارك في تلك الأحداث.
2 تسجيل الأحداث في مذكرات يومية لعهد ما قبل الثورة كان في حينه مخاطرة قد تعرض المشاركين في الحدث عند اكتشافها إلى فقدان حياتهم بدون محاكمه وبالتالي توقف الحركة وفشلها وفي المرحلة اللاحقة للثورة فأن تدوين الأحداث أو بعضها كان في غاية الصعوبة نظراً للأنشغال اليومي بمواجهة أعداء الثورة والجمهورية من قوى الرجعية والاستعمار.
3 لم يكن همي ما تم إنجازه بل الأهم ما تبقى إنجازه.
4 كتابة التاريخ تعتمد على مؤرخية القادرين على توثيقة بحقائقه.
5 جرت الأعراف عند بلدان عديدة أن كتابة تاريخ الأحداث الهامة في حياة الأمم والشعوب لا تنشر إلا بعد مضي فترة زمنيه قد لا تقل عن ثلاثين عاماً لعدة أسباب قد يطول الحديث عنها.
6 لم تتوفر الدوافع الداخلية رغم عدة محاولات هي في مجملها دوافع خارجية منها ظهور عدة كتابات عن حصار السبعين يوماً لم تتوفق بعضها في رصد التفاصيل الدقيقة التي حققت الانتصار.
وهذا الكتاب سيتناول الحديث عن معجزة انتصار السبعين يوماً لأسباب منها:
1 معجزة ثورة 26 سبتمبر اعتمدت في جميع أدبياتها على الذاكرة لعدم وجود وثائق مكتوبة توثق تلك الأحداث الهامة وهناك جانب من الحقائق لم يأخذ حقه وهو بحاجة إلى إنصاف وللذاكرة دخل كبير في النسيان.
2 معجزة انتصار السبعين لها تفاصيل هامة تحملت مسؤولياتها الجسيمة في تحقيق الاتصار للقوات المسلحة وقوات شعبية انطوت تحت لوائها عبر أحوال وظروف حرجة ودقيقة محفوفة بجسامة الأخطار لا تزال وقائعها اقرب في الذاكرة ولم تأخذ حقها إنصافا للحقيقة.
3 هذا الكتاب حتما سيساهم في تنشيط الذاكرة لمواصلة إنصاف تسجيل أحداث تاريخية عظيمة أخرى على سبيل المثال انتزاع الموقع الأول من الملكيين في السبعين يوما ومقارنته بانتزاع الشرعية الإمامية ليلة ثورة 26 سبتمبر 1962م.
عاشت بلادنا أحداثاً جسيمة، شكلت زلزالاً حقيقياً عصف بكل ما كان قائماً على الأرض اليمنية جعل الأرض تموج من تحت أقدام المستبد ألحميدي في الشمال والمحتل البريطاني في الجنوب تمثل ذلك بانتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م والسبعين يوماً في 8 فبراير 1968م وقد فتح الانتصار الطريق أمام الشعب ليعيد صياغة حياته ومستقبله وفق طموحاته وأهدافه وغاياته ومبادئه السامية، الحقيقة أن الزلزال لم يقف تأثيره عند حدود اليمن بل تجاوزه إلى مساحات واسعه من الوطن العربي الكبير وأيقظت الحلم في نفوس وقلوب جماهير الأمة العربية بأن المستحيل بعد قيام الثورة أصبح ممكنا وأن لقاء الأشقاء على مستوى الوطن العربي الكبير قد أصبح يسيرا. وإذا كانت هذه الثورة الوليدة قد زلزلت الأرض تحت أقدام التخلف المروع والاستعمار الذي كان في ذروة غطرسته يعيش لحظات انتصاره في قهر الشعوب والذي تجلى بوضوح في التجمع الفريد للقوى الرجعية مدعومة من الاستعمار والصهيونية عند اجتماع الجامعة العربية في منطقة شتورة بلبنان حيث تحول الاجتماع إلى محاكمة لجمال عبدالناصر والنظام التقدمي في مصر واستمرت المؤامرات تطرح فصول مسرحياتها حتى تمكنت من إرغام مصر على تجميد عضويتها في الجامعة العربية والانسحاب من مؤتمر شتورة في مطلع الستينات. وفي هذه الظروف الحالكة التي سيطرت فيها الأنظمة الرجعية في كل الأقطار العربية على مقدرات الأمة ووضعها في خدمة الاستعمار والصهيونية كانت الثورة اليمنية الوليدة رديفا للثورة المصرية وردا على صنوف القهر والاستبداد الداخلي وعلى اصطفاف قوى التخلف المروع مع الصهيونية والاستعمار القديم والجديد في وجه الأمة العربية وبهذا كانت الثورة يمنية المنطلق عربية الآفاق والمسار، إنسانية الأهداف والمبادئ معطيتاً للمد العربي زخماً كبيراً وفتحت أمامه آفاق رحبة، وعلية فقد كانت الضربات التي وجهتها الثورة إلى قوى التخلف في اليمن بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام ساحقة ومؤثرة حتى العظم. فجمعت قوى التخلف المخيف والاستعمار القديم والجديد فلول المرتزقة وبقايا النظام البائد ودخلت بكل ثقلها وإمكانياتها المالية والمادية والبشرية لشن حملاتها وحربها غير المقدسة على الثورة والجمهورية مستغلة ظروف التخلف وأمراض الإمامة الفاسدة وخاضت حربا ضروسا ضد الثورة الوليدة والشعب العربي ولكن بفضل تلاحم شعبنا ودعم الأشقاء المصريين فشلت كل تلك الحملات في أن تحقق أي هدف اللهم إشغال ثورة اليمن وثورة مصر عن تحقيق الأهداف العظيمة في إحداث نقلة نوعية في حياة الشعبين في الجمهورية العربية اليمنية والجمهورية العربية المتحدة على طريق المتقدم والازدهار والسير نحو غد حافل بكل الأمجاد والإنجازات وفي غمار هذه الحرب الشرسة أقدمت الصهيونية حليفة الرجعية والاستعمار على شن حرب غادرة على الشقيقة الكبرى مصر مستغلة وجود جانب من جيشها لا يستهان به خارج البلاد وبهدف إسقاط النظام التقدمي في مصر وقد كان العدوان ضربة موجعة للنظام العربي برمته والمصري بوجه خاص حيث احتاجت مصر إلى عدة سنوات لإعادة بناء الجيش والدولة. وكان سحب القوات المصرية من اليمن ضمن الخطة لإعادة البناء. وبذلك تركت الثورة اليمنية والجمهورية وحدها في المعارك لمواجهه الجيوش الهائلة التي حشدتها القوى المعتدية بهدف إسقاط الثورة والجمهورية منطلقة من قناعتها بأن تحقيق ذلك ما هو إلا مسألة أيام بل ساعات. وهنا أقدمت على ارتكاب جريمة الحصار البشعة على العاصمة صنعاء بكل ما تحمله من حقد دفين على الثورة والجمهورية وقد تصدى الشعب بكل شجاعة وبسالة لمواجهة ذلك العدوان وتمكن من هزيمة الحصار وجحافله بإمكانيات غاية في التواضع من خلال خطة القوات المسلحة لفك الحصار التي جاءت بالتغيير الجذري للتكتيك القتالي من الدفاع إلى الهجوم الذي يعتبر قطب الرحى للخطة صاحبها حزمة من الإجراءات ولعدد من الأيام حدها الأدنى ستة أيام والأقصى عشرة أيام تجاوز تلك الحدود سيضاعف السلبيات انطلاقا من المقارنة بين كلتا الخطتين، خطة الجنادل الملكية للحصار وخطة القوات المسلحة لفك الحصار حيث لا مجال للمقارنة من جوانب عديدة وعلى سبيل المثال ما أخذته خطة الجنادل من الأوقات الواسعة لاستطلاع والدراسة والجهود الجماعية من قبل المتخصصين في الزيارات الميدانية حتى أصبحت مجمعة في خريطة مكونه من برامج أعمال ثم التخطيط والبرمجة للتنفيذ كل ذلك بإمكانيات مالية ومادية هائلة. . . الخ بالمقابل خطة القوات المسلحة لفك الحصار المفتقرة إلى ما شملته خريطة خطة الجنادل إلا من برامج أعمال لم يتاح حتى وضعها على الورق، فجميعها برامج عملية شفوية مغلقة على دوائر صغيره لأسباب هامة في مقدمتها السرية لتحقيق المفاجأة. ويأتي بعد ذلك مقارنة الحشود البشرية النظامية وغير النظامية وحشود الأسلحة بأنواعها الثلاثة التي يمتلكها الحصار. . . الخ. وبالمقابل لا وجود لقوات احتياطية للقوات المسلحة وسيتم الحديث بشيء من التفصيل في الفصول القادمة.
لقد ترددت ولعدة مرات في كتابة مذكراتي أو حتى البعض منها وكنت ولا زلت أؤمن دائماً بأن ما قمت به وأقوم به ليس إلا الواجب نحو الوطن والذي يعني لي الكثير. . . ولكن وبعد تفكير عميق وطويل ونصائح عديدة تلقيتها من بعض الأخوان ومن الأبناء وبإلحاح بدأت بتسجيل ما أتذكر من تلك الملاحم التي هي بحق أناشيد الحياة وألحان الخلود. وأملي كبير في رجال الفكر والأدب بشقيه الشعر والنثر والفن بتجسيد ما يطلبه الجندي المجهول الذي يمثل كفاح ونضال الشعب اليمني في الماضي والحاضر والمستقبل.
التمهيد: خلفية الحصار دوافعه مقوماته أهدافه
كان الحصار قد أعطى أهميه كبرى للخلفية التاريخية من خلال أثار بالغة الأهمية عبر تعرض صنعاء لنكبات الدهر ومحنة لعدد من الحصارات أوجعتها وأنهكتها بصفة خاصة وأنهكت اليمن وأوجعته بصفه عامه. وكانت بعض الوثائق التي ظهرت وأثبتت ما أحدثته تلك الحصارات من أضرار بالغة التأثير كان الحصار قد عرفها وعمل حسابها قبل أن تظهر تلك الوثائق.
والوثيقة الأولى تحت عنوان " صفحات مجهولة لمؤلف مجهول" قام بتحقيقها القاضي المؤرخ حسين السياغي ووضع مقدمتها القاضي المؤرخ اسماعيل بن على الأكوع ومما اشتملته وحوته تلك الوثيقة أن أغلب الأئمة والمشائخ انطلقوا في حصاراتهم من السبع القبل " القرى المحيطة بالعاصمة " مثل سنع، بيت زبطان جنوب العاصمة، الروضه والجراف شمال صنعاء. . . الخ، وجميعهم انطلق في سباق لمحاصرة العاصمة وبالتالي التحكم في شؤونها والعبث في كل ما يتعلق بشؤون حياتها من خلال فوضى يعجز الواصف عن وصفها وما تمضي فترة زمنية قد تطول أو تقصر والغالب قصرها وإذا بإمام آخر ومجموعة من المشائخ ومن تبعهم يقومون بحصار العاصمة حتى يتم إسقاطها ليتولى شؤونها إمام آخر بما في ذلك شخص يسمى محسن معيض كان قد أخذ يسيطر ويحكم لفترة زمنية في أطار الفوضى الضاربة اطنابها.
الوثيقة الثانية: كتاب " الفتح العثماني الأول لليمن " للمؤلف أ. د/ سيد مصطفى سالم ويتعلق الكتاب الذي لا يقل أهمية عن الوثيقة الأولى بحصار العاصمة صنعاء ومن ضمن ما جاء فيه حسب وصف المؤلف أن الغزو التركي لليمن الأول والثاني ساهم وشارك عدة مرات مع أعداد من الأئمة في حصار صنعاء مسبباً لها أضراراً كبيرة.
الوثيقة الثالثة: ذات أهمية بالغة للتاريخ العسكري في اليمن وهي تحت عنوان " حروب الإمام يحيى " لمؤلف مجهول عثر عليها الأستاذ سلطان ناجي مؤلف كتاب " التاريخ العسكري لليمن " وقد أدرج الوثيقة ضمن كتابه.
والخلاصة أن الإمام يحيى قام برسم سياسته المنحرفة عن جادة الصواب بالنسبة لماضي اليمن وحاضرها ومستقبلها وخلاصة تلك السياسة أنه لا يمكن بل يستحيل حكم الشعب اليمني وهو قوي بل يتوجب إضعافه