بقلم :بدر عبدالملك
صادف إن كان ضيوف الدوحة هذه المرة قمتين، قمة عربية كعادتها لم تعودنا على ثورة ضخمة في الإجراءات، ومفاجآت تنقل الرأي العام العربي إلى لحظة السعادة والمتابعة، إذ لن تقدم له كل ما يهمه، فكل ما نسمعه هو إجراءات وخطب سياسية عاجلة ومصالحات عربية متكررة، وبروتوكولات سياسية كرنفالية يستمتع بها صحفيو الصحف اليتيمة المنسية ومحطات التلفاز التي صارت من كثرتها لا نفع فيها، ماعدا صحف ومحطات تلفازية تجبرك على الاحترام والمتابعة.
قمة الدوحة العربية مرت بهدوء وإهمال مجتمعي من كل من بات معنيا بهموم وعمق مشاكلنا، خاصة وان القمة لم تقدم ما يهم الناس والشعوب إزاء الأزمات المالية العالمية، بل ولم تناقش أهمية معالجة البطالة وانحدار حياة الناس المعيشي وقلق مئات الآلاف على مهنهم وحياتهم، وكأنما المواطن العربي بالضرورة إما أن يملأ سجون بلداننا لكي نسعد بتلك الحالة أو أن تعج شوارعنا بالاحتجاجات كما هي الشوارع الغربية في قمة العشرين والناتو.
ولأننا نعرف أن غياب الحريات يضاعف من قبول المواطن العربي بالمزيد من همومه فيصمت عليها منتظرا الزعماء والرؤساء تولي معالجة تلك الهموم، ولكن ما وجدناه في قمتنا العربية الواحد والعشرين يتركز في قضايا جانبية وشخصية وسياسية كمذكرة اعتقال البشير وغيرها، في وقت يمنح فيه العالم كل تركيزه على الشأن الاقتصادي والطاقة والبيئة، باعتباره محور المشاكل ولب القضايا الساخنة في شتى أصقاع العالم. ولكن لحسن الحظ أن قمة الجامعة العربية تداخل توقيتها وحواراتها مع قمة الجنوب اللاتيني.
والتي دائما صوتها عال وواضح لا يمكن للعرب أن يمارسوه بنفس القوة والمواجهة، ولكنهم كانوا يودون صوتا صديقا بالنيابة عنهم، فهذا يسعدهم كثيرا لكونه على الأقل صوتا معبرا عن صوت الشارع العربي.
لهذا يتحفنا كعادته السيد شافيز الرئيس الفنزويلي حينما ينطلق على سجيته وغضبه ومرحه دون الاعتبار إلى أية مسلكيات دبلوماسية أو مرونة ومراعاة لأي جهة تستضيفه ربما يحرجها، فقد اعتاد ضرب كل أمر دبلوماسي بالحائط طالما انه رفع صوته عاليا دون خوف من الولايات المتحدة الأميركية حاملة عصا التهديد والتأديب لمن يخرج عن طاعتها.
وفي الحقيقة تلك الهالة المخيفة بدأ تدريجيا يذوي بريقها في بلدان كثيرة وقارات عدة، ونحتاج نحن كجامعة عربية على الأقل أن يكون صوتنا عاليا في الدفاع عن قضايانا العادلة، خاصة وإننا في النهاية أيضا أصدقاء هذا الإخطبوط الدولي الذي أكد في قمة العشرين انه خاضع لإرادة القوة المالية العالمية، فليس وحده قادر على حمل معاناته التي أورثها للعالم ونثرها كفيروس في جسد الوضع المالي العالمي دون حسيب أو رقيب.
بطلنا اللاتيني هذه المرة جاء من القارة البعيدة على حصان عربي وصل قبل خمسمائة سنة على السفن الاسبانية، فكان من الضروري أن يعود لنا ذلك الحصان حاملا سيفا عنيدا ونفطا وصوتا بحجم صوت شعراء المعلقات.
قالها بصوت مرتفع ليس البشير ما ينبغي محاكمته وإنما وضع الرئيس الأميركي السابق وشمعون بيريز على لائحة الاتهام أيضا. وسواء اتفقنا مع شطحات شافيز أم لم نتفق، فان علينا أن نلمس منها الصوت الشجاع الذي لا يهمه ماذا سيحدث فيما بعد، حتى وان ادخل بلاده في خانة المنبوذين.
ولكن من حسن حظ شافيز أنه جاء إلى قمة الدوحة كبطل لاتيني بقمة جنوبية قوية ووضع عالمي مختلف تحيطه مجموعة دول عديدة تتكاثر في القارة يوما بعد يوم، وتبني كتلتها الاقتصادية على أسس واضحة وتتجه إلى فهم مصالح القارة التي تنتمي إليها. والأكثر من ذلك تحيي هذه القارة اللاتينية معها أهمية التكتلات العالمية في مواجهة الجنوب الفقير إلى الشمال الثري وفي إبراز العلاقات المهمة ما بين الجنوب والجنوب.
لقد حاول دائما الإخطبوط العالمي لبيت المال الظالم كسر شكيمة كل تكتل يقف في وجهه معلنا الدفاع عن حقوق شعوبه التي يمثلها، وقد حاول طوال حقبة العولمة إسدال ستار العتمة على أهمية تلك التكتلات النابعة من اقتصاديات فقيرة وفاشلة تنبع في الفناء الخلفي لقارتها، ولكن صمود تلك القارة في مواجهتها لذلك الإخطبوط أكد على إن تكتل القارة اللاتينية مهم جدا.