بقلم : ممدوح طه
من رحم الأزمة المالية العالمية يبدو أننا أمام بداية ميلاد جبري لنظام اقتصادي عالمي جديد.. والعالم فعلا في حاجة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد بما فيه من نظام مالي جديد يعالج خلل وعلل النظام المصرفي العالمي الحالي، ونظام نقدي عالمي جديد يقوم على الذهب كما اقترحت ماليزيا قبل الأزمة بسنوات، أو على سلة معادن كغطاء للعملات بدلا من الغطاء الورقي الدولاري أو بديل آخر كما تطالب الصين وروسيا بعد الأزمة..
فبينما لم تنجح قمة العشرين في واشنطن في نوفمبر الماضي في إثارة شعور بالتفاؤل في الأوساط الاقتصادية العالمية، أو في وقف تداعيات الأزمة المالية العالمية، فلقد نجحت قمة العشرين الأخيرة في إثارة هذا الشعور.
وإن لم تعلن أنها نجحت في حل الأزمة، بل توافقت الرؤى الأميركية والأوروبية بعد خلاف على بداية حل الأزمة بحزمة إجراءات متكاملة في اتجاه معالجة الخلل وضخ الأموال اللازمة لإنعاش الاقتصاد العالمي نسبيا، ووضع ضوابط للرقابة على النظام المصرفي، وتقوية دور صندوق النقد الدولي، لكن يظل اختبار نجاح هذه الإجراءات بانتظار قمة العشرين القادمة في نيويورك في الخريف المقبل لمتابعة تطورات الأزمة..
وقد خصصت القمة 500 مليار دولار لتعزيز دور صندوق النقد الدولي وتمكينه من تقديم القروض للاقتصاديات المتعثرة، ورصد مبلغ 250 مليار دولار أميركي لتمويل الخطوات والإجراءات التي من شأنها تعزز وتنشِّط حركة التجارة العالمية، وتقديم مبلغ 250 ملياراً أخرى لصندوق النقد الدولي لتعزيز حقوق السحب الخاصة (أو خدمة السحب على المكشوف) التي تمكن الدول من الاقتراض، منها، تخصيص مبلغ 100 مليار دولار لمساعدة بنوك التنمية في العالم للتمكن من تقديم القروض للدول الفقيرة.
وإخضاع المرتبات والحوافز والزيادات التي يتقاضاها العاملون في القطاع المصرفي لإجراءات رقابة صارمة ولصيقة، وإنشاء مجلس عالمي للاستقرار المالي ليعمل مع صندوق النقد الدولي ويكون مسؤولا عن التأكد من سلامة العمليات المالية العابرة للحدود بين الدول ويقدم آلية إنذار مبكر للنظام المالي، واتخاذ المزيد من عمليات التنظيم والرقابة على صناديق الاستثمار السيادية والوكالات التي تمنح الائتمان، وأخيرا، الاتفاق على اعتماد نهج مشترك لتنظيف المصارف من الديون السامة أو المعدومة.
وبينما دخل الأميركيون والبريطانيون إلى المؤتمر مختلفين في الرؤى في طرق الحل مع الفرنسيين والألمان فلقد جاء ت الإجراءات المتوافق عليها بين الجانبين كقواسم مشتركة ليخرجوا متفقين، فقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن القمة كانت «مثمرة جدا وشكلت نقطة تحول كبرى عبر اتخاذها مجموعة جهود منسقة لا سابق لها، واتخذت أيضا خطوات ضد «نظام الرقابة المالية الفاشل الذي قوض الازدهار الاقتصادي في العالم، ورفضت السياسات الحمائية التي من شأنها أن تساهم في تفاقم هذه الأزمة».