شكري عبدالغني الزعيتري
منذ الصغر وحين طفولتي عندما كنت في الثانية عشر من عمري وحتى اليوم وقد انقضي عمري لسنيين حتى وصل إلي الأربعين عاما . إذ و قد مضي من العمر ما يقارب (ثمان وعشرون عاما ) فخلال هذه السنيين من العمر كنت في كامل وعي لما يدور حولي في عالم السياسة والحكم ومسمياتها وأشخاصها ومسمياتهم وما لحظته في إدارة الحكم وشئون السلطة وكراسي الحكام العرب في كافة الدول العربية الثبات والاستقرار لمن عليها من رجال . وحين تأملت حال الرؤساء والملوك العرب ومنذ سنوات طفولتي وحتى اليوم وجدت أن من كانوا في الماضي ملوكا ورؤوسا في الحكم هم ذاتهم اليوم ملوكا ورؤوسا . وان من قد رحل من بعضهم فقد وجدت انه رحل و ليس تاركا للحكم بإرادته وإنما هو الموت وقابض الأرواح (عسرائيل) من فصل بينه وبين كرسي ملكه وحكمه بان وافته المنية بأمر رب عسرائيل خالقنا وخالقة (الله سبحانه ) .. إلا أني وجدت أيضا مع رحيل من رحل انه لم يقتنع بأنه حكم شعبة وبلده هو واكتفي بل أراد أيضا لأبنائه الحكم وكرسي السلطة من بعدة ليرثوه فسعي إلي ترتيب التوريث لأحد أبنائه قبل موته .. هذا دفعني لان ابحث أكثر بالامتداد نحو الوراء والذهاب للقراءة في سيرة التاريخ السياسي عند ملوك وزعماء العرب وفي ثنايا الحكم للأوطان العربية وقد وجدت حين قرأت بأنه لم يكن أحدا من ملوك ورؤوسا عرب قد ترك سلطان الحكم لغيره برغبته أو رغبة شعبة باستثناء ما حدث في أواخر العام الماضي 2008 م وهو حالة استثنائية أن ترك رئيس لبنان السابق (لحود) الحكم ورحل عن القصر الرئاسي والذي يعد سابقة غريبة في عالمنا العربي الذي تعودنا فيه أن يظل رئيس الدولة على كرسيه حاكما حتى توافيه المنية وينقضي اجل عمرة في الدنيا أو يقام ضده انقلاب عسكري يطيح به وحينها إما أن يقع صريعا وقتيلا كما حدث للرئيس العراقي (صدام حسين ) وهو آخر رئيس عربي ممن وقعوا صرعى بالقتل .. وأما أن ينهي به أن يكون مسجونا ومعذبا من خصومه في السلطة أن تولوا الحكم بعده أو أن يغتال ليبعد عن الحكم قسرا وغصبا .. لكن لما رأينا رئيساً عربي وهو (لحود ) لدولة عربية وهي (لبنان ) يغادر الحكم عقب انتهاء فترته الرئاسية . هذه فتح الباب للتساؤل حول : ما مقدرة حكامنا العرب الآخرين على التخلي عن الحكم وإفساح المجال للغير دون أللجو لإطالة المدة أما بالمغالطات السياسية كأن يعلن قانون الطوارئ لأكثر من 25 عاما أو يأخذ البيعة جبرا ... أو يزيف انتخابات ... أو يستخدم القوة العسكرية بشكل أو بآخر... أو يعدل دستور أو غيره؟ وأمام هذا الإصرار علي البقاء في الحكم حتى الموت اخلص إلي القول (وان طال العمر أو قصر .. وزادت الأيام أو نقصت .. وان حافظ ملكا أو رئيسا علي صحته بالعناية الفائقة برياضة وبغذاء و باستطباب) .. فان متوسط عمره في الدنيا لن يزيد عن السبعين إلى التسعين سنة في أحسن الأحوال . فما كتبه الله سبحانه رب العالمين باللوح المحفوظ للآجال أن تنتهي حياة كل إنسان في الدنيا إلي الموت ولا خلود في الدنيا لابن ادم . وبالموت يتم الانتقال إلي حياة البرزخ (تلك الحياة التي فيها ينتظر الإنسان القيام والمبعث إلي يوم المحشر والحساب ) . فابن ادم راحل عن الدنيا وما هي إلا دار عمل وبعدها الحساب والخلود أما في الجنة أو جهنم .. وأمام هذا أتسال : لماذا هذا التشبث بالحكم وكرسي السلطة وكل شيء زائل .. ؟ .. وأمام هذا أيضا يصح لنا القول أن هناك ملوك و رؤوسا أن في ذهابهم عن الحكم قد تكون العافية لشعوبهم العربية . وأقول لكل حاكم عربي يعتقد انه فارس زمانه لأنه يري نفسه بناء وعمر الأرض . يا مغرور : اعتقادك خاطئ إذ أن حقيقة الأمر انك أسهمت في إرجاع الأمة إلي الوراء وكنت احد الدعائم لإيجاد الوهن والضعف لها واستشرى الفساد فيها .. وأخيرا : انصح بالقول : كفاكم حكم وسلطة (ويالله بحسن الخاتمة ) أتريدون أن تأخذوا أعمار جيلكم وزمن جيل ابناءكم وأحفادكم إلا يكون فيكم من لبيب يا من اجتمعتم في قمة الدوحة بالأمس ولم تنجزوا شيئا سوي الكذب علي شعوبكم .. اعلموا انه أن تركتم حكم أجيال أبناءكم لأجيالهم ووضعتم أنفسكم لتكونوا مستشارين حولهم ولمن يتولون الحكم بعدكم من العامة ربما يكونون اقدر منكم علي إدارة حكم جديد سيعتمد علي العلم وأساليب وطرق حديثة وأكثر كفاءة ومصداقية وقوة من علمكم وطرقكم وكذبكم وخنوعكم للأعداء .. فالحقوا بمجد بان تضعوا أنفسكم في خدمة شعبكم ونصرة قضايا أمتكم ودينكم حقا بان تتيحوا لغيركم الحكم وليكونوا بدلا عنكم وانتم ما زلتم أحياء . هذا سيكون شرف لكم وبهذا ستكونون حققتم المنجز العظيم بان صحوتم من غفلتكم و عسل نومكم وستكون لكم الصورة البراقة التي سنتذكرها لكم ولن تنسي وخاصة ممن يكون سباقا لهذا الترك بالرضي . وستكونون بذلك أثبتم للعالم الغربي بهذا إن قبلتم تبادل سلطة الحكم علي مبدءا الرضاء إننا العرب أهل الحضارات والتطور وما حققه الغرب في عصور نهضتهم الأوروبية من تقدم في علومهم وسياستهم ما هو إلا أخذ من امة العرب وإسلامهم .. وأقول ليعلم كل حاكم عربي أن في التغيير تجديدا .. وان في التجديد تحديث .. وان في التحديث أفكارا ورؤى .. وان في الأفكار والرؤى تطور ورشد وحكم ربما يكون الأفضل .. لان الإنسان خلقة الله تعالي يسعي ويهدف دوما للأفضل .. وأقول لمن سيطر عليه الغرور واغتر ويصله غروره بالقول في نفسه ولنفسه ويدعم ذلك كذب حاشيته من حوله المتمصلحين من وراء حكمه عليه : بأنه لا يوجد البديل عنه فهذا هراء وبان اعتقاده بطنه المغرور ما هذا إلا في نفسه ولنفسه الأمارة بالسوء إذ انه ليس في واقع الشعوب وتقدم أجيالها حقيقة كهذا اعتقاد .. و لو كان هذا الاعتقاد والغرور حقيقة لما جئتم أنتم أيها الحكام وجلستم في الماضي وتجلسون اليوم على كراسي الحكم ولما تطورت الحياة أرضا وأنسانا .. كما أن بهذا الاعتقاد المغلوط يعني للآخرين أن الشعب بعد أن يموت حاكمه سيموت شعبه وينتهي بعده .. غرور وتكبر وقدسية في نفس الحاكم العربي ولنفسه التي تعتقد هكذا اعتقاد .. فاتق الله : فأين ومتى حكى لنا التاريخ أن شعبا بأسره مات ولم يبقِ بعد موت حاكمه ..؟ Shukri_alzoatree@yahoo.com